قضايا وآراء

هل أزمة الخليج هي انعكاس لأزمة الحكم في السعودية؟

1300x600
شكل الغياب الواضح لأي تصريح رسمي لولي العهد في السعودية، الأمير محمد بن نايف، عن الأزمة الأخيرة بين السعودية وحلفائها الإمارات والبحرين في مواجهة قطر؛ موضع تساؤل حول موقف الأمير نفسه من الأزمة، وإن كان فعلا له دور في إدارة الملف أم أن الملف برمته يتم إدارته من القصر الملكي في الرياض بعيدا عن أي دور لولي العهد للأمير محمد بن نايف، حيث جرت العادة أن يتولى ولي العهد دورا فاعلا في إدارة ملفات الدولة في ظل غياب الملك، سواء بسبب انشغالاته أو بسبب حالته الصحية، كما هو متوقع في حالة الملك سليمان الذي يعاني من مشاكل صحية تحد من قدرته على متابعة كافة الملفات.

وبنظرة تاريخية إلى الأدوار التي لعبها أولياء العهد في المملكة، فقد لعب الأمير فهد بن عبد العزيز، ولي العهد في عهد الملك خالد بن عبد العزيز، نموذجا لهذه الأدوار التي يلعبها ولي العهد، وكذلك الدور الذي لعبه ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز في المرحلة الأخيرة من حياة الملك فهد، خاصة إطلاق المبادرة العربية عام 2002، والتي جاءت قبل وفاة الملك فهد عام 2005، وكذلك الأمير نايف عندما كان وليا للعهد، حيث كان له دور بارز في إدارة شؤون المملكة بالرغم من الحضور القوي للملك عبد الله.

اليوم يغيب الأمير محمد بن نايف عن المشهد السياسي تماما، في لحظة تاريخية تمر بها المملكة. حتى ظهور الملك سلمان شخصيا بات محدودا، مما يشير إلى حالة من الفراغ السلطوي ناتج عن التجاذب بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان على إدارة شؤون البلاد، وهذا ما كشف عنه القفزات الكبيرة التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان من عقد صفات سلاح واستثمارات مع الرئيس دونالد ترامب بمبالغ قدرت بحوالي 460 مليار دولار، والتي اعتبرها العديد من المراقبين بمثابة رشوة من الأمير للرئيس الأمريكي ترامب من أجل مساعدته للقفز وتجاوز ولي العهد ابن عمه الأمير محمد بن نايف.

 ثم جاء الدور السعودي بقيادة محمد بن سلمان في الأزمة مع قطر، والذي اعتبر بمثابة هروب من الأزمة الداخلية المتمثلة بغياب عقد اجتماعي سياسي داخل الأسرة الحاكمة ينظم انتقال السلطة من الإخوة أبناء عبد العزيز إلى أبنائهم، أحفاد عبد العزيز بن سعود. واليوم أكثر من أي وقت مضى، تحتاج المملكة إلى هذا العقد الإجتماعي السياسي لينظم الانتقال السلمي للسلطة، وبدونه نفتح الأبواب للتنافس على السلطة، قد تصل إلى مرحلة الصراع داخل العائلة بين أبناء العمومة لتثبيت قاعدة انتقال المُلك لأحد أحفاد عبد العزيز بن سعود، ولأن التنافس بين أبناء العمومة يختلف تماما عن خلاف الإخوة فكل الاحتمالات مفتوحة إن لم يتم حسم الأمر، وعليه سيسعى كل من يرى أنه أحق بالملك إلى تعزيز سلطته ونفوذه داخل المملكة لضمان انتقال المُلك إليه، وبالتالي فإن تعجل محمد بن سلمان للوصول إلى السلطة هو تجسيد فعلي للأزمة تم التعبير عنها بالبحث عن صراع مع عدو خارجي؛ بهدف شد عصب الدولة من خلفه باعتباره من يقود الحملة ضد قطر وتعزيز السلطة على أجهزة الدولة السعودية من الأمن والجيش والإعلام ليحسم الموقف لصالحه.

يزيد من هذا التوجه نحو السعي إلى حسم السلطة لصالح محمد بن سلمان؛ التحالف الطارئ مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، العدو التقليدي لمحمد بن نايف، والذي بدا واضحا من خلال الشروط التي تضعها السعودية كشرط لإنهاء الأزمة مع قطر، بالمطالبة بطرد الإخوان المسلمين كهدف إماراتي بتهمة الإرهاب، وهنا يطرح تساؤل لو كان الأمر فعلا مسألة تتعلق بالإرهاب فمن باب أولى أن يتصدى لهذا التهديد سيد الأمن في البلاد وزير الداخلية ولي العهد الأمير محمد بن نايف. وكذلك المطالبة بطرد حماس من قطر؛ تتماهى مع الرغبات الإسرائيلية لمحاصرة حماس، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تكون المملكة كدولة مستفيدة منه، وبالتالي فإن هذا الموقف من حماس هو تعبير عن مصالح شخصية لكسب دعم اللوبي الصهيوني في واشنطن لدعم مطامح محمد بن سلمان في السلطة.

خلاصة القول أن الأزمة الحالية كشفت عن تناقضات سياسية داخلية في السعودية كانت السبب الرئيسي في ظهور الأزمة وتطورها بهذا الشكل، بعد أن سقطت كل هذه المبررات مع ذهاب عهد الملك عبد الله ورئيس ديوانه خالد التويجري، حليف محمد بن زايد، والذي وظف هذه التهم سابقا لقطر لتغطية صفقة توريث الملك لابنه الأمير متعب. ومع أن هذه التهم والادعاءات سقطت وتم تجاوزها بعد تولي الملك سلمان، لكن اليوم يتم استدعاء التهم، واستدعاء نفس التحالف لنفس السبب، لكن هذه المرة تمرير صفقة توريث الملك لمحمد بن سلمان. لذلك لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما يمكن أن تؤول إليه الأمور في الأزمة القطرية حتى يتم حسم المسألة داخليا في السعودية ويستقر شأن الملك.