قضايا وآراء

حماس بين مساري عباس ودحلان إلى نفس الهاوية

1300x600
منذ عدة أسابيع تفاقمت أزمة قطاع غزة بشكلِ غير مسبوق وبشكل مفاجئ، عندما أعلن الرئيس الفلسطيني عن سلسلة إجراءات ضد قطاع غزة، بهدف إجبار حركة حماس المسيطرة على القطاع؛ على تسليم قطاع غزة لسلطته، وشملت هذه الإجراءات وقف رواتب الموظفين الفتحاويين في قطاع غزة، ممن كانوا يتقاضون رواتبهم وهم جالسون في بيوتهم بناء على أوامر محمود عباس لهم بالاستنكاف عن العمل، حتى تفشل حماس ويصعب عليها القيام بمهمة السلطة في القطاع، بعد الحسم العسكري وسيطرتها على القطاع. كما شملت الإجراءات كذلك تقليص كمية الوقود الذي تورده إسرائيل لقطاع غزة لتشغيل محطة الكهرباء، مما أوصل ساعات الكهرباء في غزة إلى أربع ساعات بدلا من ثمانية. ورافق إجراءات محمود عباس التي سبقت سفره إلى الولايات المتحدة ولقاءه الأول مع الرئيس ترامب؛ أن قامت مصر بتشديد الحصار على قطاع غزة من خلال إغلاق نهائي وتام لمعبر رفح، بعد أن شهد تحسنا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، وبدا الأمر أن هناك مخططا إقليميا واضحا ضد قطاع غزة وحركة حماس.

الغريب في ذلك؛ أنه كان قد سبق هذه الإجراءات المتفق عليها مصريا وفلسطينيا قطيعة بين حركة فتح والسلطات المصرية، كانت ذروتها بمنع أعضاء اللجنة المركزية الفتحاوية من دخول القاهرة، على خلفية ما أشيع عن ضغوط مصرية إماراتية عربية على الرئيس الفلسطيني لاستخلاف دحلان؛ رفضها وقاومها عباس بقوة. ولكن قبيل زيارة عباس للولايات المتحدة وبالتزامن مع رزمة العقوبات ضد حركة حماس زار الرئيس الفلسطيني مصر، والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما أثار التساؤل المشروع والمهم عن سبب الاتفاق، وهل تنازل السيسي عن ولاية العهد لدحلان أم إن هناك أمرا ما يتم تدبيره؟!

بعض التسريبات والتحليلات تحدثت عن نية لدى الرئيس الفلسطيني ومحور مصر الإقليمي لخنق قطاع غزة وإثارة الفوضى فيها، مما يعني لجوء حماس للقمع، مما يشكل أزمة إنسانية في قطاع غزة وشيطنة لحركة حماس تقوم بها وسائل الإعلام العربية التابعة للحلف، بحيث تظهر قطاع غزة كمنطقة مختطفة تسيطر عليها جماعة "إرهابية" تقوم بقتل الناس ويقوم الرئيس الفلسطيني على أثرها بإعلان حركة حماس حركة إرهابية، وقطاع غزة إقليما متمردا، ويُطلب من جامعة الدول العربية الانعقاد والتقرير بشأن التدخل لإنقاذ الفلسطينيين في قطاع غزة، وستكون مصر التي تحتضن مقر الجامعة العربية جاهزة للتنفيذ بمساعدة السعودية والإمارات والأردن، المشاركين جميعا في المؤامرة.

ما يبدو غريبا هو قبول الرئيس الفلسطيني بمثل هذا المشروع، وليس فقط عودة مصر للتفاهم معه، فيما بدا وكأنه على حساب دحلان، إذ إن محور مصر والإمارات والسعودية لم يتنازل عن خيار دحلان. فالرئيس الفلسطيني، على مدار السنوات الماضية، لم تكن أولويته تحرير قطاع غزة، وإنما التوصل إلى تسوية مع الاحتلال. وقد ترك غزة إلى مرحلة ما بعد الاتفاق على أساس أنها تحصيل حاصل. ولكن ما حصل هذه المرة كان مفاجئا، حيث قلب الرئيس الفلسطيني أولوياته، وأصبح الهدف الأول له هو قطاع غزة. وليس من الغريب أن يكون هذا هو ثمن عودة العلاقة مع مصر التي لها أولويات أخرى غير أولوياته.

أولوية مصر هي تسوية إقليمية في إطار ما يسمى صفقة القرن التي بدت ملامحها واضحة من عدة تسريبات وتصريحات، التي تتحدث عن حكم ذاتي في التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية، ودولة فلسطينية في قطاع غزة الموسّع على حساب سيناء، وهو الذي يتم التمهيد له منذ تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر؛ بترحيل للمصريين من المناطق المحاذية لقطاع غزة في سيناء، وما أعلن على لسان مسؤولين إسرائيليين من مخطط توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، الذي اقترحه الرئيس السيسي على الرئيس عباس مسبقا، حيث رفضه الأخير.

كيف إذن نستطيع التوفيق بين أولويات السيسي من جهة وأولويات عباس من جهة أخرى، وبين رغبة السيسي باستخلاف دحلان ورفض الرئيس عباس من جهة، وبين اندماجهم في خطة واحدة من جهة أخرى؟! لقد أدرك السيسي أن خيار دحلان مرفوض، فتم التنازل عنه شكليا ومرحليا، وذلك لأنه لا يستطيع التقدم بأي عملية سياسية فلسطينية دون الرئيس الفلسطيني، الذي يحظى بشرعية رئاسة السلطة الفلسطينية وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يستطيع أن يجند دعما إقليميا ولا دوليا لتحرك تجاه قطاع غزة يعيد فيه دحلان إليه، وينفذ مشروع دولة سيناء دون شرعية الرئيس الفلسطيني، وعليه قرر تأجيل موضوع دحلان الآن.

أما الرئيس الفلسطيني، فيبدو أنه اضطر للاطمئنان بأن حماس لا تبحث عن بديلٍ للحوار معه، حيث أكدت له مرارا أنها لن تتحاور مع دحلان على حسابه، ووجد نفسه دون خيارات أمام الضغوط المصرية لتغيير أولوياته بشأن قطاع غزة، وأن تحرير قطاع غزة سيساهم في دفع عملية السلام وسيقوي موقفه في المفاوضات في ظل إغراءات الدعم من السيسي ومحور "الاعتدال" العربي بالدعم، فابتلع الطعم وسار في خطة تحرير قطاع غزة قبل أي مفاوضات وأي تسوية.

حتى هذه اللحظة بدت الأمور تسير كما خطط لها. فالحصار على غزة يشتد، وحلفاء غزة يتعرضون لضغوط هائلة، ودحلان غائب عن الصورة تماما، ولكن لم تنفجر أزمة في غزة، ويبدو أن تأثير الرئيس الفلسطيني بات محدودا جدا مما يستدعي خيارات أخرى، فالهدف اساسا هو الوصول إلى غزة وتولية دحلان وتسوية القضية في سيناء. ولما تأخر سيناريو عباس تم استدعاء سيناريو آخر يختصر المسافة، وهو فتح حوار بين حماس ودحلان من خلال مصر، حيث فوجئ الجميع بدعوة مصر لقيادة حماس للحوار في ذروة الحملة ضد قطر، وبالأساس على خلفية موقف قطر من حركة حماس وقطاع غزة، وتشكل مصر عنصرا أساسيا في هذه الحملة.

ما تم تسريبه على شكل تحليلات أحيانا وعلى شكل إشاعات أحيانا أخرى في الأسابيع الأخيرة؛ مهد لهذه الخطوة، حيث تم الحديث عن صفقة بين دحلان وحماس قبل أزمة قطر ودعوة وفد حماس للحوار. شملت هذه الصفقة رفع الحصار نسبيا عن قطاع غزة، ومصالحة مجتمعية، وتقاسم السلطة في قطاع غزة، بحيث يحصل دحلان على شرعية سياسية، ولا سيما وهو يمثل أكبر فصيل في غزة غير حماس وهو فتح دحلان فيصبح رئيسا لحكومة غزة، بينما تحتفظ حماس باسلحتها وسيطرتها الأمنية في هذه المرحلة، بحيث لا تزعج إسرائيل ولا غيرها.

أما ما تم تسريبه أو نشره أو حتى اختلاقه حول الحوار في القاهرة، فهو في النهاية يصب في هذا الاتجاه، وهو الاتفاق المدعوم مصريا وعربيا بين حماس ودحلان، وهو الذي يختصر مرحلة محمود عباس تماما بتجاهله وإنشاء واقع جديد قوي في قطاع غزة لصالح خصومه التقليديين؛ يحصل تدريجيا على الشرعية العربية المطلوبة والمضمونة على حساب شرعية عباس، وتمضي قافلة التسوية بحصر حركة فتح في بلديات الضفة الغربية، وهو ما حصل فعلا حتى الآن، وتقام السلطة ومنظمة التحرير في قطاع غزة بزعامة القيادي الفتحاوي الشاب وغطاء عربي ودولي.

أما حركة حماس فهي من سينجح هذا المشروع أو من سيقضي عليه، وهي العقبة الوحيدة في طريق هذا المشروع، فإما أن ينجح حصار عباس بالضغط عليها، أو تأليب الناس عليها ويوصلها إلى مواجهة إقليمية ودولية لإسقاطها، على غرار الجهود لإسقاط داعش في الموصل، ومن ثم ينتهي دور عباس فيتم التخلص منه - فدوره فقط كمحلل - ويتم تولية دحلان مكانه لإكمال المشروع، أو أن يفشل عباس، وهو ما يبدو السيناريو الأقوى، إذ إن حماس حتى اللحظة متماسكة، وتخشى إسرائيل من أن توجه حماس الضغط المتراكم بانفجار تجاهها يخلط الأوراق من جديد، ويؤخر أو يفشل كل المشروع، وعليه يتم اللجوء للخيار الأسرع وهو دحلان.

ما يعرضه دحلان على حماس يصعب مقاومته في هذه المرحلة مع تضييق عباس للخناق عليها من جهة، واشتداد الضغط على حلفائها التقليديين، كقطر، من جهة أخرى، فتجد نفسها في موقف لا تحسد عليه، حيث الرواتب متوقفة، والكهرباء تتقلص تدريجيا، والمعبر مغلق، والضغط الشعبي متنام، والانفجار بأي اتجاه مسألة وقت. وعليه، فإن الخلاف سيكون فقط على التفاصيل: كم ومتى وأين ومن ولمن ودحلان سيكون جاهزا لطمأنة حماس، فهو لا يريد سلطة أمنية ولا يريد نزع سلاحها على الأقل في هذه المرحلة، وكل ما يريده هو موطئ قدم في القطاع وقدرا من الشرعية على حساب عباس تحديدا، ولكن ليستخدمه ضد حماس لاحقا.

وإذا نظرنا لدحلان كسياسي، فحركة فتح التي تؤيده في قطاع غزة؛ منافس حقيقي لحركة حماس، فيما لو جرت انتخابات، ولا سيما بعد تحسين ظروف الناس وتقليص آثار الحصار، والدعم اللامحدود من الإمارات والسعودية، ولن يتردد بدعم شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح في القطاع، الذي يحظى باعتراف وشرعية المقاومة وحركة حماس، وبذلك لن يزعج أمن حركة حماس ظاهريا، ولن يزعج إسرائيل ولا غيرها. ففي النهاية هذا الدعم ليس لمقاومة الاحتلال، بل إن المقاومة في ظل سيناريو كهذا ستنحصر في وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر، ولن يتأخر عن كيل المديح لحركة حماس، وهو يجيد الحديث باللهجة الوطنية، حتى لكأنك تستمع إلى رمز من رموز المقاومة والوحدة الوطنية التقليديين وليس لمحمد دحلان.

وعندما تأتي الساعة، ستكون الظروف كلها مهيأة لتمرير التسوية، إما من خلال الانتخابات والاستفتاء، وإما من خلال الانقلاب على الانتخايبات والاستفتاء، فيعود دحلان والسيسي وابن زايد وابن سلمان إلى المربع الأول الذي أبدعوا فيه، وهو الانقلابات والفوضى الخلاقة، وستكون حماس في موقف ضعيف لا يسمح لها بإفشال ذلك. ففتح الحركة الوطنية انتهت، وحلفاؤها الإقليميون تم تحييدهم وصاحب الكلمة على الساحة الفلسطينية، هو محور دحلان، وحتى الجماهير لن تملك الشهية نفسها لتعود لمربع الحصار كما كانت، بل ستكون قد فقدت ثقتها بالمقاومة وبحركة حماس، إلا أن يكون منها غير المخطط فتفشل هذا المشروع وتتغدى بمن سيتعشى بها.