قضايا وآراء

أخطر ما قال حامد ربيع

1300x600
الدكتور حامد عبد الله ربيع رحمه الله اسم كبير في المجال الأكاديمي والاستراتيجي وتجربته كأستاذ جامعي وكمفكر استراتيجي تجربة عريضة عاش 64 عاما ملأ خلالها المكتبة العربية بمايزيد على 45 كتابا ومئات الأبحاث، والأهم أنه ملأ العقل العربي معرفة ووعيا وإدراكا بمفاهيم كبرى عن الإنسان والحضارة والتاريخ وفي القلب من كل ذلك كان (الاسلام) الحاضر الدائم بكل تجليات حضوره عبر التاريخ الطويل للأمة.

من كل ما ترك حامد ربيع توقفت عند ثلاث كتابات بالغة الخطورة في اتصال موضوعها بالزمن القائم وأكثر خطورة في اتصالها بالزمن القادم وستتملكك الريبة والظنون وستملأ رأسك مئات علامات التعجب وآلاف علامات الاستفهام والاستغلاق والاستغراب والاندهاش من أن هذه الكتابات مجهَلة ومغفلة ومبعدة ليس لأن كاتبها عالم ومفكر بحجم واسم (حامد ربيع) فقط، كاتبها كان المنظر الاكبر لنظرية (الأمن القومي العربي) وله تلاميذ وتلاميذ التلاميذ بعرض وطول العالم العربي وعليه فليس الرجل بالنكرة ولا بالخامل الاسم والإنتاج حتى لا يلتفت أحد إلى ما قاله ويا لهول ما قاله.

الرسالة الأولى كانت لحافظ الأسد وأظنها كانت سنة 1983 لأنها تناولت أحداث صبرا وشاتيلا، والرسالة الثانية كانت عبارة عن مقال نشر في الأهرام الاقتصادي عام 1983 عدد 31 يناير تحديدا وكانت عن تقسيم مصر، والرسالة الثالثة كانت عن دور التيار السياسي الإسلامي في التطور الاجتماعي والأخلاقي داخل المجتمعات العربية وكانت أيضا عبارة عن مقال نشر في مجلة (كل العرب) التي كانت تصدر في باريس في ثمانينيات القرن الماضي (25/9/1989م) وكانت بعد موته بأسبوعين أو قل اغتياله، الرسائل الثلاث كما قلت على جانب كبير من الخطورة والأهمية البالغة.

سنكتفي في هذا المقال بالورقتين الأولى والثانية وسنفرغ للورقة الثالثة مقالا مستقلا لأهميتها الشديدة فيما يتعلق بمستقبل الحركة الاسلامية سواء في تكوينها البنيوي والتنظيمي أو في علاقتها بالمجتمعات أو في علاقتها بالسلطة والدولة.

لنقرأ ملخص رسالته لحافظ الأسد: السيد الرئيس اسمح لنفسي أن أفتح صدري وأحدثكم بلغة صريحة واضحة لا مواربة فيها: إلى متى تظل تلعب هذا الدور غير الإيجابي والمخرب في الوطن العربي؟ هذا الدور الذي ظل خافياً علينا والذي كنا نتساءل عن حقيقته حتى بدا واضحا للعيان لا غموض فيه؟ دعني سيدي أحدد مجموعة من النقاط الأساسية: أولا قيادة الطائفة العلوية عقدت مؤتمرها في 18 /7 / 1963 في حمص وقررت ضرورة التخطيط على المستوى البعيد لتأسيس الدولة العلوية وجعل عاصمتها حمص، ثانيا لقد دعتني الحكومة الليبية لكي أقوم بالإعداد لمحاكمة دولية للمسؤولين الإسرائيليين عن مذابح صبرا وشاتيلا، وبعد أن درست الموضوع وناقشت تفاصيله مع كبار رجال القانون العالميين، وجدنا أنه من المحتمل أن تثار أثناء المحاكمة مسؤوليتكم عن مجازر تل الزعتر، كل هذا اتركه وأقتصر على رصد الوقائع التي لا تستطيع سيدي الرئيس أن تتخلى عن مسؤوليتك بخصوصها وهي: لماذا تم التخلي عن الجولان عام 1967؟ ولماذا جرى إحباط الهجوم العراقي على إسرائيل عام 1973؟ لماذا سمحت بمذابح تل الزعتر عام 1976/ ما هي حقيقة أهدافك من تفتيت الحركة الوطنية اللبنانية؟/ أين حدود اللعبة مع اسرائيل بخصوص اقتسام لبنان/ كيف تفسر الطعنة التي وجهتها للعراق في حربه مع ايران؟ /ما هي حقيقة اللعبة التي مارستها في مواجهة المقاومة الفلسطينية أثناء حصار طرابلس؟ وكيف كنت تخطط لقواتك بالاتفاق التام مع البحرية الاسرائيلية لإستئصال الوجود الفلسطيني في لبنان/ إن سياستك سيدي قد حققت جميع أهداف إسرائيل بما لم يفوق حلم بن غوريون/ إن سياستك سيدي قد أدت إلى ثلاث نتائج أكثر خطورة: أنك أضعفت الجسد العربي في جميع أجزاء المنطقة/ أدخلت قوى غريبة في المنطقة لتكون لها كلمتها في الصراع حول مستقبل المنطقة فهل تستطيع أن تنكر أن الوجود الإيراني يمثل متغيرا جديدا وهو ليس في صالح الامة العربية؟/ فهل هذا ما تريده سيدي في الزمن البعيد؟ هذا هو ملخص الرسالة وهي موجودة على مواقع الإنترنيت ولا تحتاج إلى شروحات كثيرة لتبين لنا جذور ما يجري الآن ليس في سوريا فقط بل في المشرق العربي كله سواء كانت نسبتها للعلامة ربيع صحيحة أم غير صحيحة إلا أنها كاشفة بما يكفي ويزيد.

الرسالة الثانية تدور عما تخطط له إسرائيل بالنسبة لمصر وهي كما قلت نُشرت في الأهرام الاقتصادى المصرية عام 1983 وتذكر وأنت تقرؤها أن كاتب هذا الكلام وقائله ليس أحمد عدوية مثلا أو الريس متقال، قائل هذا الكلام هو حامد ربيع الذي يقول: إن المخطط العام الذي يسيطر على القيادة الصهيونية وهو تجزئة المنطقة وتحويلها إلى كيانات صغيرة يسيطر عليها مفهوم الدولة الطائفية ومصر هي الدولة الوحيدة التي سوف تقف عقبة في وجه هذا المخطط. ولكن هذا لا يمنع القيادة الصهيونية من أن تفكر في تنفيذ نفس السياسة أيضاً بصدد وادي النيل، بل إن المخاطر التي يتعرض لها هذا الكيان الصهيوني لو ظلت مصر في تماسكها أولاً وفي تضخمها الديمقراطي ثانياً وفي تقدمها العلمي والتكنولوجي ثالثا هي قاتلة والقيادة الإسرائيلية تعلم ذلك جيداً فهل تقف صامتة؟ الخيال الصهيوني يتصور هذه التجزئة في أربعة محاور أساسية، أولاً: محور الدولة القبطية الممتدة من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط وقد اتسعت غربا لتضم الفيوم التي بدورها تمتد في خط صحراوي يربط هذه المنطقة بالإسكندرية التي تصير عاصمة الدولة القبطية وهكذا تفصل مصر عن الإسلام الإفريقي الأبيض وعن باقي أجزاء وادي النيل ثانياً: ولتزيد من تعميق هذه التجزئة تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى حيث أسوان تصير العاصمة لدولة جديدة دولة تحمل اسم دولة البربر ثالثاً: الجزء المتبقي من مصر سوف تسميه مصر الإسلامية وهكذا تصبغ الطابع الطائفي على مصر بعد أن قلصتها من عاصمتها التاريخية في الشمال وعاصمتها الصناعية في الجنوب رابعاً: وعندئذ يصير طبيعياً أن يمتد النفوذ الصهيوني عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا بحيث تصير حدود مصر الشرقية من جانب فرع رشيد ومن جانب آخر ترعة الإسماعيلية وهكذا يتحقق الحلم التاريخي من النيل إلى الفرات.

لم يلتفت أحد إلى خطورة النظام الطائفي في سوريا ولا إلى أهدافه ومراميه البعيدة ولا إلى خياناته المبكرة والمتتالية لم نهتم ولم نسأل إلى أن استيقظنا على مقتلة يومية (للشعب العربي) في سوريا وكأن حامد ربيع رحمه الله كان زرقاء اليمامة ليس بالعين التي تتشوف البعيد ولكن بعقل وعلم الذي يستشرف الحقائق المرة من خلال الحاضر اللئيم وقل مثل ذلك عن مصر وتذكر جيدا أنه حامد ربيع.