كشفت قيادات تونسية سابقة عن طرق تزوير الانتخابات إبان حكم الرّئيس الحبيب بورقيبة (1957/1987) وذلك في جلسة استماع علنية نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة (دستورية/مستقلة) مساء أمس الجمعة.
وتمثلت أوجه التزوير والتأثير على نتائج الانتخابات، حسب شهادات المسؤولين السابقين، في التضييق على المرشحين المنافسين، وضبط نتائج الانتخابات بطريقة مسبقة، وتغيير محاضر فرز الأصوات لصالح الحزب الحاكم، إضافة إلى تكريس إمكانيات الدولة لمصلحة حزب السلطة في السباق الانتخابي.
وقال إدريس قيقة، وزير الداخلية (1 مارس/ آذار 1980-7 يناير/ كانون الثاني 1984)، في شهادته، إن "الانتخابات التشريعية لسنة 1981 كانت تسير في بدايتها في ظل تحسن العلاقات بين الحكومة والقوى السياسية والاجتماعية والإفراج عن المعارضين".
وأكّد في المقابل أن "العديد من التجاوزات وقعت في هذه الانتخابات من بينها، تعيين أعضاء اللجان الانتخابية من قبل الولاة (المحافظين) الذين كانوا أعضاء في الحزب الحاكم، وأيضا تعيين قضاة يرأسون هذه اللجان من قبل وزير العدل الذي يتبع النظام الحاكم".
وأوضح وزير الداخلية الأسبق أنه "في عهد بورقيبة لم تجر أي انتخابات شفافة ديمقراطية ونزيهة، بل كانت مرتّبة ومسطّرة من قبل السلطة الحاكمة".
وفي شهادة أخرى، قال سالم المغروم (مساعد المحافظ) في محافظة جندوبة (شمال غرب) في فترة إجراء انتخابات 1981، إنه "كان حاضرا في عملية تزوير خلال عملية الإحصاء، فبعد انسحاب ممثلي المعارضة وبالأساس حركة الاشتراكيين الديمقراطيين من قاعة الفرز جاءت القرارات بألا ينجح هذا الحزب في الاستحقاق الانتخابي وألا يحصل على نسبة تتجاوز 3%".
وأكّد المغروم أن "النتائج التي تم إعلانها على مستوى محافظة جندوبة التي أعطت نسبة 95% للحزب الحاكم و1.9% لحركة الاشتراكيين الديمقراطيين بعيدة كل البعد عن الحقيقة".
وأوضحت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، في تعقيب على هذه الشهادة، أنه بعد الحصول على المحاضر الأصلية للعملية الانتخابية في محافظة جندوبة تبيّن أن النتائج تعطي نسبة 52% للحزب الحاكم و46% لحركة الاشتراكيين الديمقراطيين.
واعترف والي تونس، في نفس فترة انتخابات 1981 مهذب الرويسي أنه "في ذلك الوقت كانت إمكانيات الدولة هي نفسها إمكانيات الحزب، وأنه حصلت الكثير من التجاوزات التي نسفت المسار الانتخابي".
وقال إن "بورقيبة كان يرفض أن يُزاحمه أي شخص على السلطة".
وأضاف الرويسي أنه "كان يمكن لتونس أن تتقدّم بشكل جيّد في المسار الديمقراطي لو تمت الانتخابات بطريقة شفافة ونزيهة، لكن المصالح الشخصية كانت وراء الانتكاسة التي حصلت".
وشهدت تونس 36 استحقاقا انتخابيا منذ الاستقلال سنة 1956 إلى حدود يناير 2011 تاريخ اندلاع الثورة، توزعت ما بين انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، إلا أن هذه الاستحقاقات رافقتها العديد من التجاوزات التي أدت إلى تزوير الانتخابات.
و"الحقيقة والكرامة"؛ هيئة دستورية مستقلة تم تأسيسها بمقتضى قانون صدر في 24 ديسمبر/كانون الأول 2013، والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، بهدف ضمان مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بدأت هيئة الحقيقة والكرامة، المعنية بالتحقيق في ملفات انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في البلاد بين 1955 و2013، بعقد جلسات استماع علنية إلى ضحايا الانتهاكات من مختلف التيارات السياسية في البلاد، وأيضا النقابيين والحقوقيين.