كتاب عربي 21

"صفارة الحكم".. التي لم يسمعها الإخوان!

1300x600
ليس في نيتي "تقليب المواجع"، فكل ما يشغلني أن أضع النقاط فوق الحروف، في أزمة جماعة الإخوان مع السلطة الحاكمة، بعد الدعوة للتعايش التي أطلقها برلماني سابق عن الجماعة يقيم حاليا في اسطنبول!

(1)

سيقول أحدهم إن النائب السابق يعبر عن نفسه، ولا يمثل الجماعة، حتى وإن كانت الجماعة لم تعلق على دعوته، مع أنه ليس واحدا من آحاد الناس في التنظيم، ولكنه برلماني ومحسوب على الفريق المهيمن، ومع مستويات أدنى، كان يتم الرد السريع، ولا تترك الأمور، تجري دون ضبط، فالتنظيمات الراديكالية لا تسمح بالاجتهاد المفتوح لأعضائها في العلن، لاسيما في القضايا الكبرى، وفي أمر له صلة بالعلاقة مع النظام الانقلابي في مصر.

ومن هنا، فتصريحات البرلماني السابق "علي محمد درة"، التي قام بتأصيلها في مقال منشور في "هافيتغون بوست عربي"، هي تكفير بصوت مسموع، وبالونة اختبار، وأداة لجس النبض، وربما لتمهيد الأرض لمرحلة جديدة، حتى إذا طرحت المصالحة على الجماعة ، لا تجد صعوبة في إقناع الأتباع، فإذا ارتفعت الأصوات ترفض هذا الإعلان، فيكون الرد أن النائب السابق يعبر عن نفسه، ورأيه ليس ملزما للجماعة، وحق "الفضفضة" من الحقوق الدستورية، وكاشف عن ديمقراطية التنظيم!

"درة"، صرح بالدعوة للتعايش مع النظام القائم، بالتنازل عن شرعية محمد مرسي، وحمل مقاله المشار إليه عنوان "أزمة الوعي.. ووعي الأزمة"، وهو يسخر من المقولة التي أطلقت من فوق منصة رابعة: "من ظن أن الدكتور محمد مرسي لن يعود فقد أساء الظن بالله"!

مع أن "منصة رابعة" لم تكن شأنا ثوريا عاما، فقد كانت خاضعة لولاية جماعة الإخوان، وهي من تقرر 
من يصعد عليها، ومن يتم منعه من ذلك، وهناك شخصيات إسلامية منعت من صعودها، ولا أدري لماذا لم نسمع رأي البرلماني الإخواني السابق في هذه المقولة، وهي تتردد، لأول مرة، وبما مثلته من تضليل وإدخال الغش والتدليس على الناس؟، ولماذا لم يعترض عليها داخل صفوف الجماعة وهي تبدو بالإلحاح والتكرار، كما لو كانت جزءا من حديث نبوي، صححه الألباني؟!

في المقال، يكرر صاحبنا الدعوة للتعايش، "فلا حل مهما كانت التضحيات إلا بالتفاهم والتحاور والتعايش، ولابد أن يدرك الجميع أننا في سفينة واحدة..". فهو هنا يريد القفز على كل ما جرى، بما فيه المجازر، والدماء، باعتبارهم مع السلطة المرتكبة لكل هذه الجرائم في سفينة واحدة، وهو "عين العقل"، وأقر بأن هذا تفكير السواد الأعظم داخل الجماعة، لكني يؤسفني غياب الوعي الكافي بجوهر الصراع، بين الجماعة والأنظمة التي حكمت مصر، منذ عهد عبد الناصر وإلى الآن!

(2)

لا أعتقد، أن التنظيم سيواجه بأزمة كبيرة داخله، إذا قرر الأخذ بمبدأ التعايش، "وعفا الله عما سلف"، فالحي أبقى من الميت، ومستقبل التنظيم في الخارج، لاسيما في البلاد الأوربية، أهم من حكم مصر، ولئن يعش "أخوة لندن في أمان"، خير لك من حمر النعم!

فعندما تلوح بوادر مصالحة في الأفق البعيد، نفاجأ بمن كنا نحسبهم متطرفين في مسألة شرعية مرسي، يقدمون تبريرات للتنازل عنها، حتى وإن كانت المصالحة سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، ودائما التبرير المعتمد رسميا، هو أن هذا الشعب لا يستحق تضحيات الجماعة، فيكفي أن يتم الإفراج عن المعتقلين، لتنشغل الجماعة بنفسها بعيدا عن هذا الشعب، الذي لا يستحق كل هذا النضال!
وهو مبرر، يبدو وجيها عند أول نظرة، لكنه لا يصمد كثيرا عند التعامل معه بجدية، فهذا الشعب، الذي لم يعجب القوم الآن، هو الذي وقف مع الجماعة في خمس استحقاقات انتخابية، ولآخر لحظة، وبالتصويت على دستور الإخوان، ولم يأبه بالحملة الإعلامية ضده، رغم إدراكنا الكامل بأنه لم يقرأ الدستور، فقد ذهب للجان وأدلى بصوته، ثقة في التنظيم، تماما كما أعطى أصواته لنواب من خارج دائرته الانتخابية، ودون أن يعرفهم معرفة شخصية!

لقد كنا نتندر، بأنه في يوم انتخابات مجلس الشورى، كان المحامي محمد طوسون في مسقط رأسه بمحافظة المنيا، غير مكترث بسير العملية الانتخابية، وهو المرشح على رأس قائمة بالقاهرة، كانت الدائرة الأبرز فيها هي السيدة زينب، ولم يكن طوسون وهو على رأس هذه القائمة من سكان المنطقة، أو من دراويش صاحبة المقام، ومع ذلك نجح!

وعندما وقع الانقلاب خرج كثيرون في المظاهرات، وقد وضعوا أنفسهم رهن إشارة التنظيم باعتباره الأعلم بشعابها، ثم إذا بالثورة تنتهي إلى فعاليات، ثم إلى لا شيء، ولم يؤخذ للشعب رأي في تقرير المصير، ولم يكن الرافضون للانقلاب يعلمون، أن الهدف من كل هذا هو الوصول إلى الحالة الحالية، بادعاء أن الشعب لا يستحق، وأنه لابد من التعايش مع النظام الحالي، "على الحلوة والمرة"، لاسيما وأن من يديرون المشهد الآن، ليسوا من التيار الثوري داخل الجماعة، لكنهم من التيار الإصلاحي، الذي يرى أن بقاء التنظيم، ولو مقر ولافتة تحمل اسمه، هو غاية المراد ومنتهى الأماني، فلم تكن الموافقة داخل التنظيم على المشاركة في الثورة، أو على خوض الانتخابات الرئاسية، بأغلبية كبيرة، ولا تثريب عليهم، فكل ميسر لما خلق له!

(3)

ولعله من المناسب الآن، أن نذكر، أن شرعية مرسي لم تكن عقدة عند التنظيم في أي مرحلة من مراحل الأزمة، ومنذ وقوع الانقلاب العسكري، وبدلا من الدفع باللجان الإلكترونية، للتطاول على من يذكر الحقيقة، أو يدعو لكشفها، فعلى من بقي من قيادات الجماعة خارج المعتقل، أن يتقدم للشهادة، لأن من يكتمها آثم قلبه!

منذ اللحظة الأولى وشرعية مرسي لا تمثل أدنى عقبة، في سبيل احتواء الموقف، وإذا كانت الجماعة قد رفضت الدعوة الموجهة للدكتور سعد الكتاتني، رئيس حزب "الحرية والعدالة" للمشاركة في المشهد الانقلابي، فلأن الدعوة تجاوزت التنظيم، بما يحمله هذا من إشارات غير مطمئنة لمستقبل وجوده، ثم أنه في دعوة رئيس الحزب فقط، أنه يكون كغيره من الأحزاب، وليس باعتباره حزب الرئيس عند التعامل مع القرارات المتخذة، كما أن الأزمة في بدايتها كانت محكومة بتصور داخل الجماعة، أن واشنطن لن توافق على الانقلاب العسكري، الذي هو لا وجود له إلا في ذهن حازم أبو إسماعيل، بحسب الدكتور عصام العريان القيادي بالإخوان!

هذا فضلا عن أن هذا الرفض للاندماج في الانقلاب، بجانب الخطاب الثوري المعلن على منصة رابعة، لم يكن الدافع إليه هو إحقاق الحق، وإنما للدفاع عن مستقبل التنظيم، ولهذا فبينما كانت المفاوضات مع آشتون وغيرها، تجاوزت شرعية مرسي، فإن المعلن للجماهير كان على العكس من ذلك، لأن الجماهير كانت أداة ضغط لتحسين شروط التفاوض من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التراجع عن الخطاب الثوري، كان أمرا غير مضمون العواقب، عندما تتحرك الجماهير بعيدا عن "توجيه التنظيم"، إن هي رأت أنه قام بطي صفحة المواجهة، وقبل بالدنية، وكان مهما لتنظيم تذكر أنه في الأصل والفصل إصلاحي، وأن الثورة شيء عابر في مسيرته، الاستمرار في الخطاب الثوري، للوصول إلى هذه النتيجة، وهي أن الناس أرهقت، وأن الثورة ماتت، إذن فلنعد جماعة إصلاحية كما أراد لها الإمام المؤسس، وتبدأ الدعوة للتعايش!

هذا فضلا عن أن الثمن الذي دفع كان من لحم الحي، ومن دماء المئات من المصريين، لا يمكن القفز عليه سريعا، بالحديث عن التعايش، والملايين تخرج في كل أسبوع تطلب بإسقاط النظام، وفي كل مرة تدفع الثمن، دون تنتج أثرا، فقد كان إرهاق الجماهير هدفا في حد ذاته، لتصبح شرعية مرسي مع مرور الوقت أقرب إلى النكتة، ويأتي برلماني إخواني يطالب بالتخلي عنها مقابل التعايش مع العسكر في سفينة واحدة، ثم يُعاير الشعب بأنه لا يستحق تضحيات الإخوان، فهل كان الإخوان يضحون من أجل الشعب حقا؟!

الإنصاف يقتضي القول، إن الإخوان لم يدافعوا عن ثورة، مكنتهم من حكم مصر، فإذا بهم يضربون من مأمنهم، ومن عسكري كل بضاعته أنه بالغ في تقديم فروض الولاء والطاعة لهم، فظنوا أنهم لن يغلبوا بعد اليوم من قلة أو من ضعف، فمعهم الجماهير، كما أن معهم الجيش!

(4)

عندما نعلم، أن شرعية مرسي لم تكن أبدا عقبة، في التفاوض، ثم يحدث مع ذلك ارتكاب المجازر، فإن مجرد التفكير فيما جرى يجعلنا نقف على جوهر الصراع، فاللعبة وصلت إلى نهايتها، وأطلق الحكم صفارة النهاية، وفي الحقيقة أنه فعل هذا في سنة 2010، ثم جاءت الثورة، لتمثل للإخوان وقتا بدل الضائع، لكن الحكم أطلق صفارته من جديد معلنا انتهاء المباراة تماما، ومن ثم لا معنى للدعوة إلى مساحة لضربات الجزاء.. وبنهايتها في المرحلتين، كان المطلوب هو استئصال الجماعة تماما، في الأولى كقرار للنظام الحاكم، وفي الثانية كقرار إقليمي، يرى أن وجود الجماعة في العالم العربي بأي قدر غير مسموح به، وقد تكشفت الأهداف، ولا أمان للعروش القائمة في وجود التنظيم حتى وإن تحولت الجماعة إلى طريقة صوفية، مشغولة بالموالد والأضرحة!

والمعركة ليست ضد الدين، فهذه الأنظمة تحارب كل ما يعكر صفوها، وعبد الناصر، كان يسجن الشيوعيين والإخوان، وكل تيار أخذ حظه من التعذيب والتنكيل بالقسط، ولم تتحقق "العدالة الاجتماعية" إلا في هذا الجانب!

والسادات، لم تكن لديه مشكلة مع الإسلاميين، فقد كان دائم الهجوم على الشيوعيين وحزب التجمع التقدمي الوطني الوحدوي، وجاء مبارك ووجد نفسه في معركة مع التيار الديني المسلح، فقام بتحييد الإخوان وإن كان لم يقربهم كما فعل السادات، وقد قال في حديث لمجلة ألمانية في بداية حكمه، بأن معركته ليست مع الإسلاميين، بدليل أن هناك جماعة معتدلة اسمها الإخوان لا يجد النظام في دعوتها أية مشكلة!

ولم تكن مشكلة مبارك مع الإخوان في بداية حكمه، لكنه كان يرى الخطر من حزب الوفد، الذي عاد للحياة السياسية قويا لا يساوم ولا ينحني، وقد خاض الإخوان الانتخابات البرلمانية في سنة 1984 على قوائم "الوفد"، ثم خاضوها فيما سمي بالتحالف الإسلامي سنة 1987 على قوائم حزب العمل، ولدي معلومات من مصادر عدة تؤكد أن مبارك لم يكن راضيا عن التحالف في الحالتين، وحاول إفشاله لكن خططه باتت بالفشل، وكانت هذه بداية "اللعبة"!

(5)

في سنة 1990، بدأ حزب الوفد مرحلة الضعف والهوان، ولأن النظام كان في حرب مع الجماعات الدينية المسلحة، فقد ترك للإخوان هامشا للحركة، فتواجدوا في قمة النقابات المهنية بقوة، قبل أن يبدأ في حصارهم، وإذا كانت المعارضة قد قاطعت انتخابات مجلس الشعب في سنة 1990، ففي الانتخابات التالية في سنة 1995، كان قرار مبارك ألا ينجح إخوانيا واحدا، ولم ينجح إلا "علي فتح الباب" مرشح حزب العمل، بسبب اضطرار وزير الأوقاف المرشح على مقعد الفئات في نفس الدائرة للتحالف معه، فعزله مبارك بسبب ذلك!

وفي انتخابات سنة 2000، سمح مبارك لهم ببعض الحركة ففاز لهم سبعة عشر مرشحا، لتأتي انتخابات سنة 2005، لينجح لهم 88 مرشحا، وكان الحوار قائما مع السلطة، فعندما نجح لهم مرشحان اثنان في دائرة مدينة نصر، خير الأمن المرشد العام بين أحدهما ليتم تمرير مرشح الحزب الوطني رجل الأعمال مصطفي السلاب، وكانت هناك شروط في المرشحين ألتزمت بها الجماعة، وهي ألا يكونوا من النجوم أو من قيادات الصف الأول، فمن كانوا نوابا في انتخابات 1984، و 1978، لم يسمح لهم بالترشح، ومن كانوا نوابا في سنة 2000، لم يترشح أيا منهم في الانتخابات التالية، إلا الدكتور محمد مرسي، الذي لا أعرف ملابسات ترشحه، لكن على أية حال تم تزوير الانتخابات وإسقاطه!

لم تكن التقديرات تفيد بنجاح كل هذا العدد، فقد كان مبارك يظن أن من سينجح عن الإخوان لن يزيد عن ثلاثين نائبا أو أكثر من هذا بقليل، لتأدية الغرض، الذي يتمثل في إرسال رسالة للغرب تفيد أن البديل له في حال إجراء انتخابات نزيهة هو التيار الديني، لكن العدد الذي فاز كان الرسالة الأكثر دلالة، وأعلن رئيس الحكومة أنه لولا التزوير لنجح للإخوان (44) نائبا فوق العدد الذي فاز، وكان التصريح رسالة للبيت الأبيض!

فلما جاءت انتخابات 2010، كانت اللعبة قد انتهت، فلم يكن مبارك عنده رغبة في إرسال رسائل إضافية للغرب، وكان القرار بألا يفوز للإخوان مرشحا واحدا تحت أي ظرف، وبدت الدوائر الغربية ليست مكترثة بهذا القرار، لكن على الجانب الآخر، كان مبارك متحمسا لأن يكون البديل من الأحزاب الرسمية، وإذا كان ملف الانتخابات بيد نجله جمال مبارك، يعاونه فيه أحمد عز، وأداتهما وزير الداخلية حبيب العادلي، فقد كلف الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف بأن يشاركهم في الأمر ويتفق مع الأحزاب على منحها بعض المقاعد وهو ما فعله فعلا، لكن عز تجاهل اتفاقاته، لأسباب مرتبطة بالصراع بين الحرس القديم والجديد داخل الحزب الحاكم، وعندما ظهرت النتيجة في الجولة الأولى، ولم ينجح أحد من مرشحي الأحزاب، نُقل عن صفوت الشريف قوله غاضبا، "دعها تخرب"!

وصبيحة يوم الانتخابات، كان الإخوان يعلمون أن قرار إعدامهم سياسيا قد صدر، فلم يخوضوا أي مواجهة تذكر، بل لم يبارحوا بيوتهم إلى اللجان الانتخابية، والذي جعل لسقوطهم ثمنا، هو سقوط المعارضة الرسمية، فالمصائب تجمعن المصابينا!

(6)

لقد كان الإخوان يقدمون للمحاكمة العسكرية وغيرها فيما سبق، وتصادر أموالهم، وهذا كان يتم في إطار اللعبة، لكن الحكم أطلق صفارة النهاية بمباراة سنة 2010، وقامت الثورة، ووجدها الجناح السياسي داخل التنظيم، فرصة، فشارك فيها بقوة، وكانوا يعلمون بهذه المشاركة أنهم جهروا بالخصومة مع نظام مبارك، الذي كان يعلم أن دخولهم الثورة بهذا الشكل يعطيها زخما كبيرا، وحذر إعلامه الأطراف الأخرى بالابتعاد عن الإخوان، لكن الفريق الذي أدار المشهد الثوري من الجماعة كان أذكى من فيه، فحرصوا على أن يظهروا أنهم تيار داخل الثورة، وقدموا للمشهد الشباب والقوى الأخرى، ورضوا أن يكتفوا بحماية مداخل ميدان التحرير!

ولم يكن الأمر أكثر من استدراك الحكم باستمرار اللعب بديلا للوقت الضائع في المباريات السابقة، وعندما ألقى مبارك خطابه العاطفي، وأحدث به ارتباكا في الصف الثوري، أدرك الإخوان، أن الاستجابة للدعوة لترك الميدان معناها، تمكين النظام من رقابهم، وقد أخلوا بقواعد اللعبة، بانتقالهم من المعسكر الإصلاحي إلى ميدان الثورة، وكانت موقعة الجمل، رمية بغير رام، لأنها أشعلت الثورة من جديد، وعندما أعلن مدير المخابرات العامة عمر سليمان خوضه الانتخابات الرئاسية، أدركوا أن الرجل القريب من مبارك، والذي تفاوض معهم أثناء الثورة، يعلم أنهم خرجوا على قواعد اللعبة، ولابد أن يقوم بتصفيتهم، وهنا كان القرار بخوض الإخوان الانتخابات الرئاسية ضده، وهو البعد الغائب عند مناقشة قرار الإخوان بخوض الانتخابات الرئاسية وهل كان صائبا أم خاطئا؟!

وقبل الثورة، كان التصور الأمني للمواجهة موضوعا، إذا لم يدرك الإخوان أن اللعبة انتهت، ولم يكن هناك خيار أمام الجماعة لأن هناك من يعتقد بأنه كان أمامها أن تغادر السياسة إلى الدعوة. وهذا لم يكن سيسمح به.

في مرحلة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، طرح وزير الداخلية التصور الموضوع سلفا لإلزام الجماعة بقبول خيار نجاح أحمد شفيق ولو بالتزوير، لكن المشير محمد حسين طنطاوي لم يكن سيد قراره، فقد كان لديه اعتقاد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بتزوير الانتخابات، فضلا عن أنه لم يكن في قرارة نفسه يتمنى نجاح الفريق شفيق، فلم تكن العلاقة بينهما على ما يرام، وبدا أن صفحة جديدة قد فتحت، بفضل الثورة، فليس هناك حكما في حوزته الصفارة التي يدير بها المباراة!

بيد أنه بالانقلاب العسكري، تم الوصل بمرحلة حكم مبارك، واسترد الحكم الصفارة، ومن ثم فقد اعتبر كل ما جرى بعد الثورة، هو وقت بدل الضائع، فأطلق صفارة انتهاء المباراة!

(7)

ببساطة، فليس مطلوبا وجود الإخوان بأي قدر، لدواعي إقليمية هذه المرة، ولم يكن التنازل مبكرا عن شرعية مرسي، مؤذنا بقبول الإخوان في المشهد المصري ولو على أطرافه، وقد ظهر في الأفق أن هناك مبادرة يجري طبخها، في بداية حكم الملك سلمان، وتقاربه مع تركيا، وكان يريد إنهاء الخلاف بين تركيا ومصر، وبين قطر ومصر، وبين كل هؤلاء والإمارات، لمواجهة النفوذ الإيراني على الحدود السعودية، وفي البداية كانت هناك رغبة سعودية لمواجهته بمعزل عن استدعاء إخوان اليمن، لكن كانت هذه غاية من الغايات التي لا تدرك، فقبلت المملكة بحضور إخوان اليمن على مضض، ومجبر أخاك لا بطل!

كانت المصالحة المصرية مطلبا تركيا، لرفع الحرج الأخلاقي عن أردوغان، ولأن هذا كان يقابل برفض من جانب سلطة الانقلاب، فقد كان الحل يدور في إطار فن الممكن؛ بأن تدفع السعودية الدية لأولياء الدم في المذابح التي قام بها السيسي، ثم يجري حللت الموقف، بعيدا عن المصالحة العلنية والمباشرة، فيتم الإفراج عن الذين لم يحاكموا بعد، والبحث عن حل لمعضلة مرسي بعيدا عن فكرة الشرعية، وألا يسمح للإخوان بنشاط سياسي، خلال عدد من السنوات يجري الاتفاق عليها، مع وجود حزب العدالة والحرية، كحزب لا ينافس، وأيضا مع عدم السماح للجماعة بأي حضور على أي صعيد، لا في المجال الدعوي ولا على مستوى التنظيم!

والأمور تجري بطيئة، فلم يكن هناك حماس لذلك من الجانب الانقلابي في مصر، وقع الانقلاب التركي، ووجد أردوغان أن من ظن أنهم حلفاء له كانوا يضمرون له شرا، فالإمارات متورطة في الانقلاب عليه بالفعل، والسعودية متورطة بالصمت، والإمارات والسعودية كانتا تتمنيان نجاح الانقلاب!

وانتهى الحديث عن المصالحة ، وعاد السيسي إلى أصول اللعبة، كما كانت في عهد مبارك. وهو يريد استمرار الجماعة، فبدونها سيفقد المبرر لاستمراره، فلو حلت نفسها، فسوف يتمسك باستمرارها، ثم أن كافة الأطراف، وبعد ما جرى من مشاركة الإخوان في الثورة، لم يعودوا يثقون في صدق النوايا.

ومما يؤسف له، أن من يتحدث عن أزمة الوعي، ووعي الأزمة، لا يعلم أنه يدور فيما حذر منه، فهو لا يعي عميق الأزمة وملابساتها، وحدود الصراع وجوهره!

الحل، هو قرار بحل الجماعة، ليس في مصر فقط ولكن في كل أنحاء العالم لأن هناك دوائر إقليمية في الصراع لن يطربها حل التنظيم المصري لنفسه، ما دامت تتخوف من الفكر الإخواني في بلادها!

كما أن حل التنظيم، قد يعني خروج قياداته خارجه، ليمنحوا الفرصة للتيار الثوري لإعلان مرحلة جديدة بتمثيله!

هي مشكلة، لا يصلح معها إلا الخلاص بالثورة، أو بالنضال الذي يحتم تغيير قواعد اللعبة، ومن دون ذلك فالخيار هو الخلاص الفردي بعيدا عن التنظيم، فهل أنتم مستعدون؟!
سيادة النائب الدرة: الطريق من هنا، فأقبل غير مدبر!