قضايا وآراء

الجزيرة وأخواتها

1300x600
 تبدو قناة الجزيرة وهي تواجه حصارا عربيا صهيونيا وأحيانا أمريكيا من وراء ستار أو من وراء الحجب وكأنها قوة عظمى امتد سلطانها عبر عقود وطال تأثيرها مختلف القارات، كل ذلك من دون أن تكون لها قوة عسكرية أو أسلحة نووية أو غير تقليدية.

وصفتها يوما ما في برنامجي التلفزيوني "مع زوبع" بأنها السلاح النووي لقطر، واليوم أكمل الوصف بأنها ليست سلاحا نوويا لقطر وإن كانت قطر صاحبة براءة الاختراع وملكية الأسهم، بل إنها السلاح النووي لكل الأحرار والمتطلعين لحياة خالية من الكذب والنفاق، حياة مليئة بالإنجاز والعمل، حياة خالية من الإعتماد على أي ذات سوى ذات الشعوب وما تملكه بعد اعتمادها على الله. 

اليوم تتعامل عصابة الحصار(3+2) -الإمارات والسعودية والبحرين ومعهم الانقلاب وحكومة نتنياهو الصهيونية- مع هذه القناة الشجاعة على أنها قوة غزو جاءتهم عبر شاشات التلفزة ولم يستطيعوا معها حيلة ولم يهتدوا تجاهها سبيلا. 

أصبحت قناة الجزيرة وليس الصهاينة هي العدو، تقزم إلى جوارها كافة الأعداء وتناسى الجمع كافة الخصومات اللهم إلا خصومتهم مع الشعوب ومن ينقل صوتها الحر عبر الأثير. 

نسيت الإمارات خصومتها مع إيران التي تحتل أرضها وتهين كرامتها وتستحقر حكامها، وركزت فقط مع الجزيرة، رغم أن الإمارات أنشأت عدة قنوات وأنفقت ربما أكثر مما تنفق قطر على الجزيرة ولكن لأن قنواتها خالية من دسم الحرية ومحشوة بدهون الاستبداد بدت قنواتهم ثقيلة على القلب والعقل، وحتى حين أرادت الامارات والسعودية صرف انتباه الشعوب عبر إنشاء سلسلة من قنوات ما تسمى "قنوات الترفيه" إذا بهم ينشرون الفاحشة ويشيعونها في ربوع المدن التي قيل عنها يوما ما إنها محافظة أو شديد التمسك بالسلف فباتت تلك المدن هدفا لقنوات الإمارات والسعودية. 

ضغطت قطر لعقود على إدارات التحرير المتعاقبة لقناة الجزيرة حتى تضبط سياستها التحريرية وتبتعد عن جرح أشقاء السوء الذين ناصبوها العداء وكالوا لها الاتهامات ودبروا ضدها المؤامرات.
 
اشترت قطر خواطر الجيران حتى سابع جار ولكن للأسف غلب الطبع التطبع وظهر المستبدون وأظهروا حقدهم على كل كلمة حرة ورأي شريف، لم يقتصر الأمر على دول الخليج المجاورة بل امتد من مصر إلى تونس والجزائر والمغرب والسودان والأردن، كل حكومات العرب المستبدة أو المرتعدة من الكلمة الحرة ناصبت الجزيرة العداء جهارا نهارا وعيانا بيانا. 

تحملت دولة قطر الكثير من الملام وسوء التعبير والكلام، ولكنها أصرت على الإبقاء على الجزيرة كمنبر حر للشعوب ولو استجابت للضغوط المتكررة منذ نشأة الجزيرة فلربما كانت قطر اليوم في خبر كان وليس قناة الجزيرة فقط. 

اتهموها بأنها عميلة للصهاينة حتى جاء اليوم الذي قرر الصهاينة فيه واستجابة لنداء من أصدقائهم الجدد في الجزيرة العربية وأرض الكنانة إغلاق مكاتب الجزيرة وسحب تراخيص موظفيها فتبين للعالم من الذي يتعاون مع الصهاينة ومن يكشف عدوانهم ويفضح ممارستهم في الأرض المحتلة ومن يحمي قادة الصهاينة ويدافع عنهم في أروقة المنظمات الدولية.

دخلت الجزيرة في معارك مع السياسة الأمريكية بسبب غزو العراق في 2003 واستشهد مراسلها البطل طارق أيوب وحوصر مذيعها الشجاع أحمد منصور وهو يغطي مجازر الأمريكان في مناطق السنة وعاد بأعجوبة بعد أن هددوا حياته بشكل واضح ومباشر. ودخلت في معارك تنافسية مع زميلاتها الأمريكيات حين حاولت أن تدخل على خدمة "الكابل" في السوق الأمريكي وأجهضوا سعيها خشية المنافسة في يوم من الأيام.  

لكن أخطر ما قامت به الجزيرة أنها قدمت للعالم العربي خبرة تساوي مليارات الدولارات في فن الإعلام وصناعته، في إدارة الأخبار وتغطيتها، في التصوير والمونتاج والتعليق وإعداد التقارير وكتابة النصوص، في الإخراج والإضاءة والصوت. ليس هذا فحسب بل إن الجزيرة نجحت في غرس مفهوم الحرية والبحث عن الحقيقة والبحث عنها وإظهارها مهما كانت الكلفة وهو ما تمثل في جيل من المراسلين الشجعان الذين غطوا المناطق الساخنة بجرأة يحسدون عليها. 

ونجحت الجزيرة في نشر روح جديدة هي روح التحدي ومحاكاة النموذج والسعي إلى تقليده ولو بإمكانات أقل ومساحات أقل أيضا. 

من رحم الجزيرة خرجت قنوات تحاكيها فكرا وتطبيقا وتبني لمفاهيم غابت عن إعلامنا العربي إن صح أنه كان لدينا إعلام عربي من الأساس، هذه القنوات التي خرجت يوم أغلقت قناة الجزيرة مباشر مصر هي الأخوات الصغرى لقناة الجزيرة وأعني بها قنوات الثورة المصرية مثل قناة مكملين وغيرها وهي قنوات تسعى على ضعف مواردها إلى أن تتبنى الجزيرة النموذج في طريقة تفكيرها وطريقة عملها ومهنية فرق عملها وحرفية الأداء. 

لن يستطيعوا إخفاء نور الجزيرة الذي أنار أدمغة المشاهد العربي على مدار عشرين عاما وحتى لو قصفوها بالصواريخ المتأهبة في الإمارات أو البحرين أو السعودية أو حتى تلك القابعة على أسطح حاملات الطائرات الأمريكية، فلن يستطيعوا حصار نور الجزيرة وشعاعها الذي ساعتها سيسطع من أماكن كثيرة حول العالم. 

الجزيرة فكرة.. والأفكار لا تموت.