كتاب عربي 21

"معصوم مرزوق" عندما تكلم!

1300x600
قديما قيل: "تكلم حتى أراك"، وقد تكلم السفير "معصوم مرزوق"، فلم نر سوى حمدين صباحي في طريقه للقيام بدور المحلل، لعبد الفتاح السيسي، فيعطي شرعية لانتخابات نتيجتها معروفة سلفا، ليفوز هو بـ "اللقب" "مرشح سابق" والناس فيما يعشقون مذاهب!

في المجتمعات التقليدية، فإن المرأة غير المتزوجة تكافح من أجل الحصول على لقب "مطلقة"، فهو أفضل من لقب "عانس"، ولهذا قد تقدم على زواج غير مدروس، ولو كانت نتيجته الانفصال السريع، حتى لا يفوتها القطار، وتصير "عانسا" في مجتمعات تنظر إلى "العانس" على أنها من فئة أصحاب الحالات الخاصة!

وفي المجتمعات التقليدية أيضا، وفي كل انتخابات برلمانية، تفاجأ بمرشحين للشهرة، كل هدفهم في الحياة الدنيا الحصول على لقب "مرشح سابق"، فيتقدم الواحد منهم بطلب الترشيح، ويدفع الرسوم المقررة، ويكتفي بهذا القدر، والناس – ومن باب رفع المعنويات – يخاطبون حتى من لم يفز بسيادة النائب!

لقد انتظرنا حتى يتكلم السفير "معصوم مرزوق"، وعندما فعل، كانت كلماته كالمهل يشوي الوجوه، فهو لا يرى في 30 يوليو انقلابا عسكريا، ولا يرى أن مصر محكومة بالعسكر، ثم أنه مع الدستور الحالي، والمعنى أنه ليس ثورة على السيسي، ولكنه معارض لحكمه، ولا أخفي أنني شعرت بخيبة أمل، بعد كلام الرجل، ولا أخفي أيضا، أنني كنت أعتقد أنه من الشخصيات التي يمكن أن يكون حولها إجماع وطني، قبل أن أكتشف أنه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

وقد اكتشفت أن كل تصوراتي أنتجتها الأزمة التي تعيشها مصر، تماما كما اندفعت أدافع عن الدكتور محمد البرادعي، بعد مقال واحد كتبته قبل عودته كان هو الأصدق، لأنني لم أكن أؤمن بفكرة النضال بعد مرحلة التقاعد الوظيفي، وذكرني أحد رؤساء الأحزاب، بأن سعد زغلول قاد ثورة 1919، وهو في سن متقدمة، وقبلها، لم يكن مناضلا، وقد فاتني أن زغلول قد يكون استثناء وليس القاعدة، وأن الرجل كان قد أصيب بخيبة أمل بسبب فشل الثورة العرابية، وهى الخيبة التي لازمته سنوات عمره، إلى أن حضرت الجماهير، فتحركت جينات النضال فيه، لكن البرادعي لم يكن مناضلا في أي مرحلة من حياته، حتى عندما كان طالبا، وكانت الجامعة ساحة للنضال السياسي والأخذ والرد!

وفي الحقيقة، أنني لم أكن أعرف السفير "معصوم مرزوق" قبل قضية "تيران وصنافير"، ومن الواضح أنه انخرط في العمل السياسي، بعد التقاعد الوظيفي، وقد اعتبرت أن هذا ميزة فيه، فلم يكن جزءا من حالة التشاحن السياسي بعد الثورة، وبالتالي فيمكن أن يكون مرشح الإجماع الوطني في انتخابات جادة، لاعتقادي الراسخ، أن أي انتخابات تتوافر فيها ضمانات النزاهة، ستنهي هذا المشهد البائس، وتضع عبد الفتاح السيسي في حجمه الطبيعي!

كان رأيي – ولا يزال – أنه لا أمل في انتصار ثورة يناير، إلا بأن يعود الثوار أمة واحدة، كما كانوا في ميدان التحرير، وهذا يستدعي أن نتجاوز فكرة المخطئ والمصيب، فكل القوى السياسية أخطأت، وكلها استقوت بالعسكر، وإن ظل هناك من لم يقبلوا أن يخونوا ثورتهم بالغيب، وأعتبر نفسي واحدا من هؤلاء، ولا فخر!

قوى الشرعية قدمت تنازلات حقيقية من أجل هذا الهدف، فقد كانت قوى (30 يونيو)، المغرر بها، تظن أنها تطلب لبن العصفور، وهي تطلب التنازل عن شرعية مرسي، وإنزال شارات "رابعة العدوية"، لكن بمرور الوقت تحقق هذا دون إعلان، لكنهم وجدوا عجرفة من أحزاب الأقلية، التي أعلن زعيمها المفدى "معصوم مرزوق"، أن يونيو ثورة، وأن مصر لا تحكم حكما عسكريا الآن، وأنه لابد من التمسك بدستور 2014. بما أقره من تحصين لمنصب وزير الدفاع ومن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

وبهذا الحديث فقد قضى "معصوم مرزوق" على أي أمل في أن يكون رجل الإجماع الوطني، ولسنا نحن الذين نريد أن نحاسب على المواقف السابقة، فقد تجاوزنا ما سبق بما له وما عليه، بل إننا ولإبداء حسن النية، لم نحاسب "معصوم مرزوق" على الماضي القريب، وهو من كان يدير حملة حمدين صباحي الانتخابية، الذي خاض الانتخابات لشرعنتها، ورفض مطلب بعض أنصاره له بالانسحاب، فقد واصلها مغلوبا على أمره، وكان "معصوم" جزءا من هذه المهانة، وطرفا فيها، وعندما مر يوما الانتخابات وسط عزوف جماهيري معترف به، وأراد العسكر مد الانتخابات ليوم إضافي، بهدف تزويرها، وافق حمدين صباحي وحملته برئاسة "معصوم مرزوق" على ذلك، ثم سحب حمدين مندوبيه في هذا اليوم، لتمكين القوم من تزوير الانتخابات لصالح السيسي، وهو نوع من القوادة السياسية لم يعرفه أي نظام سياسي في العالم، وكان "معصوم مرزوق" جزءا من هذه الفعلة الشنعاء، ومع هذا تجاوزنا دوره من أجل وحدة الثوار.

فلم نواجهه بهذا الموقف المزري، فشعارنا عفا الله عما سلف، و"لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"، فمن أجل عودة وحدة الثوار، كان لدينا استعداد لنسيان الماضي تماما، لكن فوجئنا بأن "مرزوق"، لا يريد أن يتجاوز الماضي ويتعامل معه على أنه مجد، وبما يعني أنه في دعوته للاصطفاف، ليس مشغولا بالقوى الرافضة للانقلاب، فهو يقصد ما تبقى من قوى 30 يونيو، بعد خصم الدولة العميقة، والأحزاب المؤيدة لترشح السيسي لدورة جديدة، وما تبقى هنا يمكنه من أن يعلب دور حمدين صباحي.. مجرد محلل، ومن يدري، فربما يصلح لمهمة الانتخابات التي ستجري بعد ذلك، حتى إذا قضى السيسي منها وطرا، يدخل هو بها في الدورة الثالثة، كضامن لتسليمها للسيسي مرة أخرى!

لهذا، فهو يتعالى على معارضة الخارج، كغيره في أحزاب اليسار الفاشل، ويعيدون إنتاج تراث الرئيس السادات، في الهجوم على المعارضين خارج البلاد، وتسفيههم، واتهامهم في وطنيتهم، وعندما كان اليسار هو الذي غادر، إلى دمشق وبغداد، وكان السادات يقول "إنهم يهاجمون مصر في الخارج يا ولاد"، وكانت جوقته، كما جوقة السيسي من يسار الكفاح الفاشل، يتساءلون وبراءة الأطفال في أعينهم: ولماذا لم يعودوا إلى مصر ليمارسوا معارضتهم بداخلها؟!

ما علينا، فـ"معصوم مرزوق" لا يريد أن يكون سعد زغلول، لكن أحلام فترة التقاعد الوظيفي، لا تمكنه من أن يحلم بأكبر من "حمدين صباحي" وهي عقدة البعض ممن عملوا مع "حمدين"، أو اقتربوا منه.. عبد الحليم قنديل نموذجا!

لقد ظل عبد الحليم قنديل يصف "حمدين صباحي" بأنه "غاندي"، لكنه عندما وجد نفسه يدعى إلى لقاءات السيسي، بما يعني أنه صار كيانا مستقلا، حلم بأن يكون "حمدين صباحي"، ومن ثم اقترب من السيسي، ووصف "حمدين" متهكما بـ "الزعيم الموسمي"، فقد جد أنه يستطيع أن يتعامل مع "الكابل الرئيسي" كما "حمدين" مع مبارك والسيسي!  

وإذا كان "صباحي" خرج من الانتخابات السابقة ورقة محروقة، لا يصلح للترشح في هذه الدورة، وإلا أُعتبر السيسي رسميا أنه يخوض الانتخابات بمفرده، فقد وجد "مرزوق" نفسه مؤهلا للقيام بالدور، والحصول على اللقب، فإذا كان من أهداف السيسي أن يستوفي الشكل، فمعصوم جاهز لهذه المهمة ولا يحلم بأكثر من اللقب، كما تحلم "العوانس" في المجتمعات التقليدية بلقب "مطلقة"، باعتبار الحصول عليه هدف من الأهداف السامية!

الأصل، في خوض الانتخابات أنه ليس هدفا في حد ذاته، لكن القبول بذلك، يدخل في باب الضرورة التي تقدر بقدرها، والهدف هو إسقاط السيسي وحكم العسكر، والعودة بالجيش إلى ثكناته، والانتصار لأهداف ثورة يناير، وهذا لن يتأتى إلا بمرشح الإجماع الوطني، الذي يمكنه احتشاد الشعب حوله من حماية إرادة الجماهير، وحمل من يحمون حكم السيسي دوليا وإقليميا على رفع أيديهم عنه، ولهذا فلم يكن لدي شخصيا مانعا في السفير "معصوم مرزوق"، فهو يمثل – قبل أن يتكلم – البديل الأسلم ولحل عقدة اليسار الذي يرى أنه ما دام لن يمكنه أن يكون في السلطة بإرادة الشعب، فإنه ينحاز لكل ديكتاتور، لكن اتضح أن "معصوم"، ليس مؤهلا شخصا وفكرا لهذه المهمة!

فهو كناصري، ليس منحازا للحكم الديمقراطي، وهو كناصري مع الانقلابات العسكرية، ومع حكم العسكر، باعتبار أن فيهما من "رائحة الحبايب"، إذن فهو ينوي خوض الانتخابات على قواعد السيسي، مستفيدا من دعايتنا له بأنه شخصية محترمة، والاستفادة هنا لمصلحة السيسي الذي حمل صباحي على خوض الانتخابات ضده بسيف التهديد!

ولنا أن نسأل – والحال كذلك – ماذا في برنامج "معصوم مرزوق" يجعله قيمة، والخلاف بينه وبين السيسي في الدرجة وليس في النوع؟!

"مرزوق" ليس ضد الانقلابات العسكرية، وليس ضد حكم العسكر، ولم يدفعه للوقوف ضد السيسي، أنه ديكتاتور، وقاتل، ودموي، فالخلاف بينهما هو بسبب التفريط في تيران وصنافير.. حسنا!

إن مبارك ضد التفريط في تيران وصنافير، ولماذا نذهب بعيدا، والفريق أحمد شفيق ضد عملية التفريط بالشكل الذي جرت به، وخوضه للانتخابات يعني نهاية مرحلة السيسي تماما، ولن يحتاج منا للفوز بأكثر من الحياد، لكن "معصوم" ليس مضمونا فوزه إذا وقفت معه كل القوى الوطنية بالباع والذراع.

وقبل هذا ما هي القيمة الدفترية للسفير "معصوم مرزوق" لكي نقبله على أنه أبغض الحلال؟ بمعنى ماذا فيه ليس في غيره، يجعل منه مرشح الضرورة؟!

إن الحزب التي ينتمي إليه واستقال منه صوريا، لم يستطيع أن يقلد تجربة حزب "الوسط" الوليد بخوض الانتخابات البرلمانية بمفرده، فقد دخل البرلمان محمولا على أكتاف الإخوان المسلمين!

أما أحزاب اليسار الأخرى المتحالفة معه، فقد دخلت البرلمان محمولة على قائمة حزب نجيب ساويرس، الذي انشطر إلى حزبين، يتباريان الآن في تأييد السيسي، والحزب الأكبر في الأحزاب اليسارية التي خاضت الانتخابات على قوائم الرأسمالية المتوحشة، وهو حزب التجمع سارع إلى تأييد السيسي أيضا.

وبعد الانقلاب، فإن كل أحزاب اليسار، لم تمثل في البرلمان ولو بمقعد واحد، فماذا تملك من شعبية يمكن أن يستفيد منها السفير "معصوم مرزوق"؟!

وما هي قيمة "معصوم مرزوق" ذاته؟! هل لأنه سفير؟ عندكم عبد الله الأشعل! يساري؟ عندكم خالد علي! ضد بيع "تيران وصنافير"؟ عندكم حسني مبارك! لأنه كان ضابطا احتياطيا في الجيش؟ عندكم الفريق أحمد شفيق!

لا مبرر – إذن – لأنه يكلمنا من أرنبة أنفه، وكأنه "ليمونة في بلد قرفانة"، فيستفزنا بالإصرار على أن 30 يونيو ثورة؟!

لست من عاصري الليمون، فلم أعصر الليمون وأنتخب محمد مرسي لأعصره لأنتخب "معصوم مرزوق"، الذي من حقه أن يعش اللحظة، وأن يحصل على اللقب!

سفير سابق، ومرشح رئاسي سابق، وتفاعل اللقبان يمكن أن ينتج عنهما ثاني أكسيد الكربون! 
طريقك أخضر!