كتاب عربي 21

بقية النهضة وقضية الميراث

1300x600
لا تزال حركة النهضة حذرة في تعاملها مع مبادرة الرئيس السبسي الخاصة بدعوته الى تحقيق المساواة في الارث بين النساء والرجال.. فهذه المسألة بالذات ليست مطروحة على جدول أعمالها ولا هي جزء من برنامجها السياسي ومن رؤيتها الأيديولوجية. وقد كانت من قبل في خلاف مستمر مع الحركة النسوية التونسية حول هذه المسألة بالذات لأنها خاضعة لنص قرآني واضح وصريح. ولهذا يعتقد بعض أبناء الحركة أن الرئيس السبسي قد خضع في الفترة الأخيرة لتأثير أوساط قريبة من مجموعة النساء الديمقراطيات، وهي المجموعة التي بادرت منذ نشأتها خلال الثمانينات بالمطالبة بإلغاء المنظومة الحالية للإرث بحجة كونها قائمة على " التمييز الجنسي" بين الذكور والإناث.

هناك من ذهب الى حد القول بأن التحالف القائم بين حزب نداء تونس وحركة النهضة قد شارف على نهايته، ويعتقد أصحاب هذه الفرضية بأن مبادرة رئيس الجمهورية من شأنها أن تقضي على ما تبقى من رصيد الثقة بين الطرفين لأن النهضة لو اتبعت هذا المنهج وأيدت السبسي في ما يدعوها اليه فإنها ستجد نفسها في قطيعة مع جمهورها المتدين الذي يعتقد بأنه لا يجوز المساس ب " ثوابت الدين والشريعة ".  وقد صدرت عن بعض كوادر الحركة ما يشير الى وجود مناطق حمراء لا يمكن أن يقبلوا الاقتراب منها أو اقتحامها. فماذا ستفعل النهضة الآن وقد تعالت عديد الأصوات ذات المرجعية الدينية منادية بضرورة التحرك لمواجهة ما يعتبرونه " خطرا يهدد الإسلام والسلم الأهلي "؟.

من المؤكد أن هذه الدعوة أربكت قادة حركة النهضة وأثارت جدلا في صفوفهم لكن يبدو أن رئيس الحركة ومن معه فضلوا التعامل مع هذه المسألة بهدوء وذكاء، وذلك من خلال تجنب التصعيد بمختلف أشكاله. ورغم أن بعض التعاليق التي اكتست نوعا من الاعتراض على ما ورد في خطاب السبسي انطلاقا من القول بأن مسألة الإرث محسومة بقطعية النص، إلا أن الذي هيمن على تكتيك الحركة هو الاكتفاء بالتأكيد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على الجوانب التالية :

من حق رئيس الجمهورية أن يثير ما يراه صالحا لتونس والتونسيين، لأنهم يعلمون ان ذلك من صلاحياته الدستورية .

القول بأن الباجي قايد السبسي رجل عاقل، ويعلم ما يقبل وما لا يقبل مثلما أشار الى ذلك الرجل الثاني في حركة النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو دون أن يزكي كل ما قاله رئيس الجمهورية.

لا يوجد مانع عند الحركة على طرح مسألة الميراث على مائدة الحوار الوطني والمجتمعي. إذ رغم أن أبناء الحركة يعتقدون بأن مسألة الميراث ليست من أولويات المرحلة، إلا أنها تبقى مستعدة للمشاركة في هذا الحوار المجتمعي من أجل الاقناع بوجهة نظرها.

حركة النهضة ستنتظر إحالة مشروع القانون على البرلمان لإبداء رأيها فيه في كنف الوحدة الوطنية.

هذه الإشارات العامة من شأنها أن توجه رسائل عديدة لبعض الأطراف الأساسية.

إذ من خلال هذه الاشارات تريد الحركة أن تؤكد على أن علاقتها برئيس الجمهورية لن تتأثر بسبب ما طرحه في ذكرى عيد المرأة. وهذا يعني أنها لا تزال حريصة على الإبقاء على التحالف القائم معه والاستمرار في التنسيق مع حزبه نداء تونس.

كما أن الحركة تحاول أن تتجنب تقديم نفسها كحارس رئيسي للإسلام. لأنها بذلك تقع في الخلط بين الديني والسياسي في حين أنها تعمل منذ مؤتمرها الأخير على أن تكتسب صورة الحزب السياسي المدني، وأن تترك للأوساط الدينية أن تلعب دورها في كنف الحرية.

كما ان الحركة من خلال إشارتها للجانب التشريعي ودور البرلمان في ذلك، تريد أن تؤكد أن دورها كحزب سياسي سيكون من خلال الآليات الديمقراطية. وهو أمر لا يمكن أن يتغافل عنه السبسي وأنصاره، مما سيفتح الباب أمام البحث عن صيغة توافقية حول قانون من شأنها أن تجعل الجميع رابحين، وبذلك يتحقق مكسب جديد للنساء من داخل المنظومة الدينية وليس على حسابها أو بشكل مناهض ومعارض لها.

كل شيء يمكن احتواؤه في تونس.. المهم أن تتوفر الإرادة السياسية مصحوبة بدرجة عالية من المسؤولية والروح التوافقية، لأنه بدون النهضة لن يمر أي مشروع قانون، ولكن على النهضة أن تبقى متحفزة وأن تتفاعل بإيجابية مع أي مشروع إصلاحي يقدم بشرط أن يحترم السقوف المتعارف عليها، ومن بينها المشاعر الدينية للتونسيين. بمعنى آخر قيادة حركة النهضة مضطرة ان تواصل القفز على الحبال واللعب مع الثعابين لفترة أخرى قد تطول، وعليها في هذا السياق ان تتحمل الاتهامات الموجهة اليها من مختلف الجهات بما في ذلك جهات صديقة.