حول العالم

خبير فلسطيني يعود لوطنه ليُحقق حلمه بإنشاء أول مجتمع رياضيات

الدكتور نجح في تنظيم مخيمات صيفية للرياضيات- أرشيفية
 نشرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على حلم الدكتور الفلسطيني الخبير في الرياضيات ساري غانم، البالغ من العمر 33 سنة، الذي يسعى إلى ترسيخ شغفه بهذا العلم في صفوف شباب بلده.
 
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن حلم ساري غانم، الطالب السابق في المدرسة الثانوية الفرنسية في القدس، الذي درس في أحد الأقسام التحضيرية للرياضيات في مدرسة تولوز، والحائز على دكتوراه في جوسيو، يتمثل في إنشاء أول مجتمع رياضيات متقدم في فلسطين.

وفي إطار سعيه لتحقيق أهدافه، نجح هذا المقدسي في تنظيم مخيمات صيفية للرياضيات في كل من بلدة بيت لحم وبيت جالا المتجاورتان، للمرة الثانية على التوالي.
 
وأشارت الصحيفة إلى أن فتيانا وفتيات، تتراوح أعمارهم بين 12 سنة و14 سنة، قد شاركوا في دورة الرياضيات لهذه السنة، التي امتدت من الثاني من الشهر الجاري إلى الخامس عشر من الشهر نفسه. ويتضمن برنامج هذه الدورة ست ساعات يومية من دروس الرياضيات، تتخللها ثلاث وجبات يتناولها التلاميذ والمعلمون سويا.
 
وذكرت الصحيفة أنه في المساء يعود التلاميذ مرة أخرى إلى أجواء الرياضيات من خلال بعض النشاطات على غرار تنظيم ألعاب، أو خوض مناقشات، أو عرض فيلم وثائقي. علاوة على ذلك، يعد برنامج يومي العطلة، الجمعة والأحد، مزدحما أيضا، حيث تُنظم خلالها أنشطة ثقافية، مثل زيارة متحف الرياضيات في جامعة القدس في أبو ديس، إحدى الضواحي التي تقع في شرق القدس، أو السفر إلى الخليل لاكتشاف مصنع لتصنيع الزجاج، أو حضور حفل موسيقى كلاسيكية أو جاز.
 
ونقلت الصحيفة تصريحات معتز، أحد المشاركين في هذه الدورة، الذي أكد قائلا: "وجودي هنا أمر ممتع للغاية، وذلك نظرا لأننا ندرس الرياضيات، وهذا أمر رائع للغاية. ولكن لا يقتصر الأمر على هذا الميدان فقط، حيث يشمل الأمر تعلم التاريخ والجغرافيا، من خلال قراءة الخرائط، فضلا عن الموسيقى. وفي الأثناء، اكتشفت بيتهوفن والبيانو وموسيقى الجاز في هذه الدورة. بالإضافة إلى ذلك، قمت بزيارة مناطق في فلسطين لم أكن أعرفها في السابق. أنا أحب ذلك كثيرا".
 
وأفادت الصحيفة أن تاليا، مشاركة أخرى، تتشارك ومعتز الحماس ذاته تجاه الرياضيات. وفي هذا الصدد، صرحت تاليا أن "الرياضيات علم جميل كما أنه منطقي، حيث لا أهمية للصحيح أو الخطأ، وإنما للبرهان والتعليل. ومقارنة بالمدرسة، تُعد الدراسة هنا، وخاصة مناهج التعليم، أمرا عظيما حقا، وفي هذا المكان، نتعلم الموسيقى أيضا. أنا عازفة قيثارة، وبفضل إقامتي هنا، اكتشفت العلاقة بين الرياضيات والموسيقى. ففي حال كنت جيدا في الرياضيات، فيمكنك أن تُتقن الموسيقى أيضا".
 
ومن المثير للاهتمام أنه وعلى بعد بضعة كيلومترات من بلدة بيت لحم، وتحديدا في بيت جالا، فتح مخيم الرياضيات الآخر أبوابه منذ فترة قصيرة، حيث يتم اعتماد البرنامج نفسه تماما مثل المخيم الأول.

 في المقابل، تتراوح أعمار المشاركين في هذا المخيم، الذين بلغ عددهم 15 شابا وفتاة، بين 14 و16 سنة. وفي فترة ما بعد الظهر، كان هؤلاء المراهقون يخوضون في مسائل تتعلق بالمنطق في حين كان التركيز يخيم بدرجات عالية على هذا المخيم، في ظل غياب كل ما من شأنه أن يُكدر صفو هذه الأجواء.

وأوضحت الصحيفة أنه قد تم اختيار الطلاب المشاركين في هذه الدورة في شهر أيار/ مايو الماضي، خلال أولمبياد الرياضيات الفلسطيني الذي نظمه ساري غانم. وبفضل نظام الملصقات فضلا عن تداول الخبر بعد أول مخيم من هذا النوع، تقدم 493 تلميذا من المدارس الفلسطينية الحكومية والخاصة لاجتياز مناظرة الدخول لهذه الدورة. وفي النهاية، تم اختيار ستة وعشرين عضوا.
 
والجدير بالذكر أن مشاركة هؤلاء التلاميذ في هذا المخيم الصيفي مجانية تماما، بفضل نظام المنح الدراسية التي قدمها "معهد الخوارزمي-نويثر". ويعد هذا المعهد في الواقع جمعية غير ربحية فرنسية أنشأها ساري غانم ومارينا فيل، وهي مختصة في علم الرياضيات أيضا، خلال السنة الماضية. ويخضع هذا المعهد لقيادة ثنائية ذات صبغة تطوعية.
 
وبينت الصحيفة أنه، بالإضافة إلى ساري غانم، تتكون هيئة التدريس من ثلاثة فرنسيين، وهم ماثيو (من المدرسة المتعددة التكنولوجية) وسيمون وفنسنت (من المدرسة العليا للأساتذة)، فضلا عن برانكو، وهو شاب ألماني يبلغ من العمر ثمانية عشر سنة. وقد أنهى برانكو لتوه المدرسة الثانوية في برلين، مع العلم أنه قد فاز بالميدالية البرونزية في الأولمبياد الدولية للرياضيات في سنتي 2016 و2017.
 
وأكدت الصحيفة أن ساري غانم يرغب في توظيف تجربته الشخصية، وجعل الطلاب الفلسطينيين يشاركونه شغفه. في المقابل، يدرك غانم جيدا أن إنشاء مجتمع رياضيات في فلسطين لن يكون أمرا هينا بتاتا، نظرا لكثرة العقبات السياسية، والثقافية، والمالية. ففي الغالب، لا يبدي المانحون حماسهم بشأن مسألة تمويل هذه الفكرة، علما وأن دورة هذه السنة كانت مدعومة بمساهمة مادية خاصة، تم إيداعها في اللحظة الأخيرة.

وفي الختام، نقلت الصحيفة على لسان ساري غانم قوله: "نحن نظل أحياء، ومبتهجين ورائعين من خلال المشاركة والمساهمة في الثقافة البشرية. فقد أصبحت الرياضيات اليوم أكثر الطرق فاعلية في وصف وفهم الكون". في المقابل، من الضروري أن يحظى غانم بالتمويلات الكافية لتنظيم مخيمات الرياضيات لسنة 2018.