قضايا وآراء

مسارات مؤتمرات أستانة وجنيف القادمة

1300x600
تعاظم الدور الروسي في سوريا، ولا سيما بعد التقارب الروسي التركي من جهة، وانسحاب الداعمين العرب للثورة السورية من المشهد، وغياب أي دور أمريكي باستثناء التحالف مع قسد ضد تنظيم الدولة "داعش" من جهة ثانية. وترك هذا انطباعا لطبيعة التفاهم الأمريكي الروسي على دور كل منهما وحجمه وحدوده، واتضح ذلك جليا في معركة دير الزور التي يشارك فيها الطرفان عبر أذرعهما.

ولا شك أن لهذا الدور أثره على مسارات مؤتمري جنيف وأستانة، ولا سيما بعد النجاحات التي حققها الروس في الجولات السابقة لسلسلة مؤتمرات أستانة. نجاحات ظهر مفعولها على الأرض من خلال مناطق خفض التصعيد أولا، وتقدم قوات النظام لمدينة دير الزور المحاصرة منذ ثلاثة أعوام وفك الحصار عنها. وتعطي هذه المعركة شرعية للروس بالحرب ضد الإرهاب باعتبارها المعركة الحقيقية الثانية ضد تنظيم الدولة بعد معركة تدمر. فكلّ المعارك السابقة كانت ضد فصائل المعارضة السورية، ما سمح بتشكيل الخارطة العسكرية الحالية التي جعلت للروس القدح المعلى في الملف السوري.

وسيعمل الروس في مؤتمر أستانة على مسار تثبيت نقاط التصعيد الحالية والبناء عليها؛ من خلال إضافة إدلب للتفرغ لمعركة دير الزور ريفا ومدينة. ففك الحصار خطوة أولى للمعركة، وهو ما أوضحه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف؛ من أنه سيتم الاتفاق على منطقة رابعة لخفض التوتر في سوريا.

ولا ينفصل مسار جنيف عن مسار أستانة، فقد أصبح الأول تابعا لمخرجات الثاني. فالتقدم السياسي الروسي تزامن مع التقدم العسكري، ورغم ذلك لا يتوقع أن يخرج مؤتمر جنيف القادم بجديد. وستبقى مؤتمرات جنيف تنتظر نهاية الخارطة العسكرية التي سيتم تثبيتها عقب طرد تنظيم الدولة من محافظة دير الزور التي سيحاول النظام السوري استعادة السيطرة عليها، لكنها ستكون سيطرة غير كاملة. فقد أعلنت قوات سوريا الديمقراطية البدء بعملية عسكرية ضد داعش في شمال دير الزور بدعم من التحالف، مما يؤكد توافق الروس والأمريكان على تقاسم الجغرافية السورية شرق سوريا، توافق يدلل على التفاهمات السياسية بينهما.

ومع انتهاء رسم الخارطة العسكرية، وتثبيت نقاط خفض التوتر، سيبدأ الروس بالحل السياسي القائم على مبدأ الانتقال السياسي، وهذا ما عبر عنه مؤخرا الرئيس التركي؛ حين اعتبر مباحثات أستانة مرحلة نهائية للمباحثات الرامية لحل الأزمة، وتمنى إسهامها في تسهيل مباحثات جنيف. وفي المسار ذاته أكد وزير خارجية روسيا لافروف السعي لإجراء حوار مباشر بين النظام والمعارضة، والتفاؤل بوجود مؤشرات للتقدم نحو الحل في سوريا.

وتوحي مناطق خفض التصعيد بطبيعة الحل السياسي الذي تسعى له روسيا، ويحظى بموافقة الولايات المتحدة، ولحد ما الدول العربية الداعمة للثورة، وسيحاول الروس طمأنة تركيا الحليف الجديد بخطوات عمليّة على غرار اتفاق مدينة تل رفعت. فقد سلم الكرد مدينة تل رفعت للروس على أن يسمح الروس بعودة أهلها العرب المُهَجَّرين إليها، وسيتراجع الكرد عن مناطق عربية أخرى، كمنبج وتل أبيض وصرين والرقة، بعد طرد التنظيم، وعن كل القرى العربية، مقابل حصول الكرد على حكم ذاتي ضمن النظام الفيدرالي المستقبلي لسوريا.

وتبقى إيران العقبة الأبرز أمام هذا المسار، فالنفوذ الإيراني لا يُستهان به في سوريا، رغم ازدياد الثقل الروسي على الأرض. فإيران لن ترضى برحيل بشار عقب الفترة الانتقالية، ولن تقبل بالنظام الفيدرالي الذي يعني فعليا انتهاء نظام الاستبداد الأسدي وانتعاش الحلم الكردي بالاستقلال.

وستجد روسيا نفسها أمام خيارات صعبة جدا. فروسيا تدرك أن تقدمها لا يرجع لقوّتها العسكرية فحسب، بل تمّ قسم كبير منه بفضل التفاهمات السياسية مع الولايات المتحدة والدول الداعمة للثورة السورية، وهذا التفاهم نصّ في خطوطه العريضة على إنهاء النفوذ الإيراني وتغيير شكل النظام الحالي مع الحفاظ على المؤسسات، ولا سيما العسكرية، ودمج القوى المعارضة بالمؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية.

وهذا ما يفسر عدم مضي روسيا في اجتثاث المعارضة العسكرية، سواء في الشمال السوري أو الجنوب أو منطقة الساحل وشمال حمص؛ لأن اجتثاثها يعني حلا على المقاس الإيراني الأسدي، وهو ما لا تريده روسيا. فروسيا تريد نظاما جديدا على مقاسها يشمل ما ترغب في بقائه من النظام وما يناسبها من المعارضة.

ولن يتأخر هذا المسار. فمعركة الرقة تقترب من نهايتها، ومعركة دير الزور بدأت، ليبدأ بعدها الروس في فرض حل بشروا به طويلا، أو تدخل الساحة السورية في صراع جديد له منعطفات تختلف فيها اصطفافات الدول تبعا لمصالحها الجديدة.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع