كتاب عربي 21

مبادرة إسماعيل هنية!

1300x600
هل يمكن لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية"، أن يكون وسيطاً نزيهاً للصلح بين الإخوان المسلمين بمصر، و"الحاكم المتغلب" عبد الفتاح السيسي، على نحو يجعلنا ننتظر مبادرة تحمل اسم القيادي الحمساوي بعد فشل عشرات المبادرات، وكثير منها كان كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، والجائع - كما يقولون – يحلم بسوق الخبز؟!

فلا يخفى على أي متابع أنه بمجرد الإعلان عن التحول الكبير الذي جرى، على مستوى الأزمة الفلسطينية، وتحول حركة حماس، إلى حليف لقائد الانقلاب العسكري، أن حملات التبرير انطلقت، لتعلن أن الحركة مغلوبة على أمرها، وكأن الحصار الذي تعرضت له مفاجأة لها، مع أنها أخذت بطريق المقاومة، بينما "ياسر عرفات" ينتهي كمقاوم، وكل ما فعله أنه قرأ الواقع، الذي قرأته حماس بعد أكثر من ربع قرن، وهو واقع سبق للسادات أن عبر عنه، لكن عرفات كان له رأي آخر، وعندما أخذ بمنهج السادات كان القول أنه راهن على صدام حسين، لكن بعد تحرير الكويت، لم يكن له حليف عربي، فاضطر أن يعطي الدنية في أمره، وهو منهج رفضته حماس، واعتبرته انبطاحاً، وتوليا يوم الزحف، ولم يجد عرفات من يبررون اليوم لحماس!

الواقع أن التبرير كان الخطة البديلة، بعد فشل الخطة الأصلية، والتي قامت على أن ما فعله "الأخوة" في غزة، إنما ينم عن حنكة سياسية، وإدراك للواقع، وقراءة ناضجة للمخططات ما ظهر منها وما بطن، لكن عندما فشلوا في تزييف ما جرى، وتضخيم المزيف، كان "حديث الولايا"، عن الحصار المفروض على غزة، والمسؤولية التاريخية لحماس عن غزة وأهلها، وكما قيل فإن المضطر يركب الصعب، وقد أباح الله للمضطر غير باغ ولا عاد أكل الميتة!

لا بأس، فالذين اندفعوا يزيفون ويضخمون، ثم يضطرون للجوء إلى التبرير، هم وإن كانوا قد فعلوا هذا نصرة للأخ، والذي وإن تخلى سابقاً عن ولائه التنظيمي لجماعة الاخوان، فقد تجاوزوا هذا باعتباره مناورة، وسيأتي اليوم الذي يعلنون فيه أنهم قطعوا الانتماء على الورق وبقي ما في القلب في القلب، فهم اضطروا لذلك وقلوبهم مطمئنة بالإيمان.

جانب من التضخيم في البداية ثم التبرير لاحقاً، مرده إلى جانب فكرة "الإخوة" في التنظيم، أن هناك من يقدمون لأنفسهم، فالمصالحة بينهم وبين نظام السيسي تطرق الأبواب، والذي ألف بين الحركة والانقلاب، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، قادر على تأليف قلب السيسي مع قلوبهم، ولا يخفى على أحد أنه تردد في جلسات خاصة، إمكانية قيام "إسماعيل هنية" بوساطة، سيقبلون فيها بالإفراج عن المعتقلين، والعودة إلى مرحلة ما بعد انتخابات 2010، وقبل ثورة يناير، وهم بتبرير ما أقدمت عليه حماس يستعدون لتبرير مصالحة يرونها أقرب إليهم من حبل الوريد!

والكلام الذي يقال هنا، ليس جديداً، ففي المرات السابقة، ومع كل حديث عن مصالحة قادمة، كان يبدأ التبرير، بالحديث عن أنهم ضحوا من أجل شعب لا يستحق، وناضلوا من أجل أمة مستكينة، ودفعوا ثمن التضحية والفداء من أجل جمهور مغيب أو مغفل تربى على الذل وأكل القمامة حتى صار خنزيراً لا يغار على أهل أو كرامة!

وهو تصور يوحي بأن خوضهم للانتخابات الرئاسية، كان تضحية من جانبهم لصالح شعب لم يكن يستحق كل هذه التضحيات الجسام، وهو كلام مردود عليه، بأن خطوة خوض الانتخابات كانت قرارهم لحسابات خاصة بهم وضعت فيها مصلحة الجماعة، ولم تكن تضحية من أجل الشعب، وليس في هذا ما يضير، فطلب السلطة ليس جريمة في النظم الحديثة، بل وفي النظم القديمة أيضاً، وليس بمنطق أن طالب الولاية لا يولاها وهو ما تربى عليه القوم فجعل من طلب الحكم عندهم ما يستعاذ منه من الشيطان الرجيم، فطلبها منصوص عليه في القرآن شريطة توافر القدرة على تحمل تبعاتها (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)، والاستحياء من طلب السلطة، كان نغمة في ظل أنظمة الاستبداد، فكان الإسلاميون يقولون إنهم يريدون أن يُحكموا بشرع الله، لا أن يحكموا هم بشرع الله!

ما علينا، فالتودد للدولة العميقة، والابتعاد عن "رفاق الثورة"، لم يكن لحسابات خاصة بالشعب، ولكنها كانت رغبة من الجماعة في خطب ود هذه الدولة والتقرب إليها بالنوافل!

والشعب لم يقصر مع الإخوان في خمسة استحقاقات انتخابية خذل الآخرين وانتصر لهم، وعندما وقع الانقلاب، كانت الأعداد التي خرجت تندد به، وتعلن استعدادها لدفع الثمن، هي ملايين بطول الوطن وعرضه، وهي أضعاف من خرجوا في الثورة على مبارك، بل إن محافظات كاملة لم تكن سمعت بثورة يناير أو تجاوبت معها، خرجت تدافع عن الشرعية، وسلمت نفسها لـ "القيادة الرشيدة"!

لا بأس، فهذا شعب لا يستحق شربة ماء، أو لقمة خبز، أو جرعة دواء، ولا يستحق بالقطع كل هذه التضحيات التي قدمت "من أجله"، والثمن المدفوع في سبيل إسعاده، ولابد من أمن يتخلى القوم عن روح الإيثار، ويتحلوا بالأنانية ويبحثوا عن مصالحهم، غير معنيين بالمصريين ناكري الجميل.

كلام مقبول، بحثاً عن حل لأزمة تعقدت، ولا يبدو هناك أمل إلا في التراجع خطوة للخلف، فقد تراجعت حماس خطوة، فاستفادت من التراجع، وكتب أحد الزملاء الإعلاميين يسأل عن ما إذا كان مطلوباً منهم أن يعودوا خطوة للخلف كما فعلت حماس؟!

الكاتبة "عزة مختار" طرحت سؤالاً على صفحتها على "الفيس بوك" حول رأي المتابعين لها في التنازل عن شرعية الرئيس محمد مرسي مقابل الإفراج عن المعتقلين؟!

وهما سؤالان أنتجهما المشهد المأزوم، فالإجابة عن السؤال الأول، أنت لست في الأمام لكي تتراجع للخلف!.. والإجابة عن السؤال الثاني: وهل تعتقدين فعلاً أن تمسكك بشرعية الرئيس محمد مرسي سبب في استمرار اعتقال المعتقلين؟!

سؤالان أنتجتهما أيضا حالة حماس، التي تراجعت فاستفادت من تراجعها، دون أن نسأل عن حجم هذه الاستفادة؟!

لم تكن حركة حماس تعادي الانقلاب في مصر، فالعداء كان من طرف واحد، وفي بداية الانقلاب كانت حماس على اتصال بالمخابرات المصرية، بل إن اتصالها بها لم ينقطع، ولم يخرج حرف واحد سلبي من أي حمساوي ضد الانقلاب، ولو بالإشارة، وكان النظام الانقلابي هو الذي يعادي حماس ويزج بها في أزمته مع الإخوان، لحسابات خارجية بالأساس، وهي ذاتها الحسابات التي دفعته لحصار غزة وتجويع شعبها، حتى ذهبت له حماس خاضعة رافعة، في وقت يتبنى فيه الانقلاب تسوية للقضية الفلسطينية وفق قواعد "صفقة القرن"، والتي سيكون أحد ثمارها أن يصبح محمد دحلان رئيسا لفلسطين، وهو ما لا يمكن تمريره إلا عن طريق غزة، ولا يمكن تمكين دولة الإمارات من القضية إلا عن طريق اختطاف حماس من محيطها متمثلاً في قطر وتركيا، وهو ما حدث فعلا، والعطاء سيكون بالقطارة!

وحماس لم تكن ترفض المصالحة مع السلطة الفلسطينية، وهناك جولات عدة فشلت، وفشلها كان يرجع للسلطة، لأن إسرائيل لم تكن ترغب في ذلك!

بيد أن الرغبة في إنهاء القضية، بعد تسليمها لمندوبي الكيان الإسرائيلي في المنطقة بزعامة محمد بن زايد، فلابد من تجريد حماس من قوتها، تمهيداً للفتك بها، وهي تندفع لحتفها على قاعدة "مكره أخاك لا بطل"، فطريق التنازلات له بداية، لكن لا نهاية له، والقصة لم تتم فصولاً، و"إسماعيل هنية" لديه ما يشغله، ولن ينشغل بأن يكون وسيطاً في حلحلة الموقف المصري، ولماذا يقبل السيسي بذلك؟!

يحضرني الآن عندما جاء "أربكان" بعد فوزه في الانتخابات التركية إلى مصر، أنه عندما التقى بالرئيس مبارك، كانت هناك اعتقالات في صفوف الجماعة إن لم تكن الخاصة بقضية سلسبيل فربما كانت قضية حزب الوسط!

ولأن اللقاء كان دبلوماسياً، جعل الرجل الجديد على المراسم ومثل هذه السياقات يظن أن مبارك يكن له ودا خاصاً، مما دفعه لأن يتوسط ويطلب بالإفراج عن المعتقلين من الإخوان، ففوجئ بشخص آخر، يفتقد لقواعد الذوق واللياقة يرد عليه بحدة: "وما شأنك أنت؟".

القصة أكثر تعقيداً من فكرة التراجع، فما خلفك هو الحائط، أما تنازلك عن رئاسة مرسي، فما هي الأضرار التي لحقت بنظام السيسي مقابل التمسك بشرعيته، والرجل بين أيديهم ويمكنهم التخلص منه بسهولة إن وجدوا أن وجوده يمثل خطراً على مستقبل نظام الحكم؟ بل إن وجوده يستخدم في توازن المشهد، فالذين انقلبوا على السيسي من دوائره، لم يتراجعوا عن موقفهم الرافض للإخوان والرافض لمحمد مرسي في وقت واحد، وتقاربه من الإخوان سيفقده ميزة فلا يزال هناك من يقولون إن السيسي وإن لم يقدم أي إنجاز فيكفي أنه خلصنا من الإخوان!

ربما كانت هناك ميزة لدى القوم افتقدوها الآن وهي أن الحراك السياسي كان يحسب على أنه سبب في عدم قدوم المستثمرين الأجانب والسياح إلى مصر، فالحراك توقف والأزمة قائمة!

هذا فضلاً عن أن هناك سبباً مانعا يتمثل في أن السيسي مسير لا مخير، فالقرار في يد محمد بن زايد، والأسباب التي دفعته لتمويل الانقلاب لإسقاط حكم الإخوان لا تزال قائمة، فالخليجيون يرون في وجود الاخوان خطرا على عروشهم، وباتوا يؤمنون أن الإخوان يمكن أن يستكينوا لكن إذا سنحت أمامهم الفرصة فلا يمكن تطويعهم، وظن مبارك أنه يملك القرار بشأنهم، لكن بالثورة وقفت الدولة القديمة، على أنه لا أمان للدهر ولو صفا.

مبارك لعب حتى الملل بالملف الإخواني، ليثبت للغرب أنهم البديل له وليس غيرهم، ولم يشأ أن يورث لابنه معضلة فكان قرار بوقف اللعبة في سنة 2010.

والحل؟!

من وجهة نظري أن الحل في خمس:

الأول: الثورة وهي مرفوضة لدى قطاع كبير منهم فضلا عن أن ثوار الجماعة في السجون، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ومن بيدهم القرار الآن ليسوا مستعدين للتضحية من أجل شعب لا يستحق!

الثاني: العودة إلى الحراك لوضع قضية الشرعية على السطح على النحو الذي يخيف الغرب من تفجر الموقف، فيتدخل الآن لوضع حل بيده قبل أن يكون بيد عمرو!

الثالث: أن يترشح أحد المرشحين الأقوياء، عندئذ يكون احتياج السيسي لهم لمسافة السكة، يؤدي الغرض في الإفراج عن المعتقلين وطي صفحة المواجهة.

الرابع: أن يبحثوا عن وسيط إلى محمد بن زايد، وهي مهمة يمكن لإسماعيل هنية القيام بها عبر وسيط آخر هو محمد دحلان، لكن لماذا يتحمس لذلك ابن زايد، وهم ليسوا عقدة يبحث الغرب لها عن حل ليتولى حاكم الإمارات الملف باعتباره وكيل أعمال الغرب في المنطقة؟

الخامس: الانتظار حتى يزور السيسي هادمُ اللذات ومفرقُ الجماعات، وأي بديل سيعمل على حلحلة الموقف، كما فعل السادات في ميراث عبد الناصر، وكما فعل مبارك في معتقلي السادات.