قضايا وآراء

التغيرات الأمنية المصرية وحقيقة الأزمة

1300x600

تغييرات وإقالات لرؤوس أمنية كبرى في مصر عقب اجتماعين أحدهما خارجي ( في واشنطن قبل عدة أيام) وثانيهما (في القاهرة ظهر يوم أمس السبت) أعقبه مباشرة صدور قرارات التغيير والتي طالت الرؤوس العليا في وزارتي الدفاع والداخلية( بعد الوزيرين مباشرة).

 

من الطبيعي أن يتساءل الناس عن سر هذه التغييرات المفاجئة والكبرى، ومن المفترض أن يعلن متخذ القرار حيثيات قراره، لكن ذلك لن يحدث فالنظام العسكري في مصر يعتبر هذه الحيثيات من أسرار الأمن القومي!! بل أسرارا خاصة برأس النظام فقط، ورغم هذا التكتم الذي ستحرص السلطة على استمراره إلا أن المتوقع أن تخرج قريبا تسريبات عسكرية أو شرطية تكشف ملابسات ماحدث.

 

الإقالات شملت رئيس أركان الجيش والرجل الثاني في المنظومة العسكرية  (صهر السيسي) محمود حجازي، ورئيس جهاز الأمن الوطني الرجل الثاني في وزارة الداخلية، وكلا من مدير أمن الجيزة ورئيس العمليات الخاصة، ورئيس فرع أمن الدولة في محافظة الجيزة، وقد جاءت هذه الإقالات مباشرة عقب اجتماع أمني مصغر أمس  للسيسي مع وزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات المصرية، وذلك عقب عودة رئيس الأركان محمود حجازي من واشنطن يوم الخميس حيث شارك في اجتماع لرؤساء أركان عدة دول للتنسيق فيما يسمى حرب الإرهاب، وهذا التزامن أو التقارب بين الاجتماعين أربك المحللين في معرفة دوافع قرار السيسي بإقالة صهره وأقرب رجاله في المؤسسة العسكرية والذي كان يطمئن إليه عند رحلاته الخارجية.

 

الإحتمال الأكثر ترجيحا حتى الآن هو أن هذه الإقالات المتزامنة لرؤوس المؤسستين العسكرية والشرطية هو حل لأزمة تصاعدت بينهما عقب مذبحة الواحات التي راح ضحيتها عدد من نخبة ضباط الشرطة ( تتراوح التقديرات بين 18 حسب الرقم الرسمي و58 وفق روايات أخرى)، وكان للتسريب الصوتي لأحد أطباء مستشفى الشرطة والذي نقل شهادات لبعض المصابين تشرح الطريقة المهينة التي قتل بها أولئك الضباط اثر نفسي بالغ على ضباط ومجندي وزارة الداخلية الذين شعروا بتعرضهم لخيانة من القوات المسلحة التي لم توفر لهم غطاء جويا أثناء تلك العملية، وقد زكى هذا الشعور تدوينات لبعض القادة العسكرييين على رأسهم الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق، والفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة السابق واللواء أحمد جاد منصور رئيس أكاديمية الشرطة السابق أيضا، وقد تحدثوا جميعا عن عملية عسكرية مكتملة الأركان، كما أشاروا لوجود خيانة تسببت في تلك المذبحة.

 

مع احتدام الأزمة بين الجيش والشرطة على خلفية مذبحة الواحات كان من الضروري أن يتدخل السيسي، للحفاظ على وحدة وتماسك مؤسستيه الأمنيتين اللتين تمثلان مصدر قوته ودعمه، فهو يدرك أن أي تصدع أو شرخ في علاقة المؤسستين سيكون الثغرة التي تقضي على حكمه، وكان عليه أن يضحي بأي رأس مهما كانت درجة قربها منه، وارتباطها به مثل الفريق محمود حجازي رئيس الأركان، أو اللواء محمود شعرواي رئيس جهاز الأمن الوطني، وكان الأمر يقتضي الإطاحة بوزيري الدفاع والداخلية باعتبارهما رأسي المؤسستين لكن السيسي لم يشأ أن يحدث هزة كبرى غير مأمونة العواقب بالنسبة له من ناحية، وغير ممكنة عمليا من ناحية أخرى إذ يتمتع وزير الدفاع بحصانة وظيفية تمنع عزله لمدة 8 سنوات، وبالتالي لم يكن منطقيا أن يطيح السيسي بوزير الداخلية فقط وهو الأمر الذي كان ليعمق الأزمة بين الجيش والشرطة، فاكتفى السيسي بإقالة رئيس الأركان باعتباره المسئول المباشر عن المنطقة الغربية تحديدا ومن بينها منطقة الواحات التي وقعت فيها مذبحة الشرطة، وباعتباره مسؤولا عن الملف الليبي وتسليح قوات حفتر، ومن الواضح أن ثمة شحنات أسلحة مصرية وقعت في يد العصابات المسلحة أثناء شحنها إلى ليبيا وهي التي استخدمت ضد قوات الشرطة، ناهيك عن شكوى رجال الشرطة من تقاعس الجيش عن توفير مظلة جوية لعمليتهم في صحراء الواحات، ومن المحتمل أن يكون السيسي قد تلقى معلومات أو تعليمات أمريكية أو حتى صهيونية بتغيير رئيس الأركان لضعف كفاءته في مواجهة العمليات الإرهابية التي تنتشر في سيناء والصحراء الغربية، وفي المقابل أقال وزير الداخلية بتكليف من السيسي كل القيادات العليا المسؤولة عن تلك المذبحة وعلى رأسهم رئيس الأمن الوطني ومدير أمن الجيزة ومدير الأمن الوطني في الجيزة ورئيس العمليات الخاصة، ومع تعيين بدلاء لرئيس الأركان وقادة الشرطة فإن المهمة الجديدة التي سيكلفون بها هي تحسين مستوى التنسيق بين الجيش والشرطة في مواجهة الجماعات المسلحة.

 

الأزمات بين منتسبي الجيش والشرطة في مصر كثيرة، وصلت إلى حد حصار قوات من الجيش لأقسام شرطة انتقاما لزملاء لهم تعرضوا لمعاملة مستفزة من ضباط شرطة كما  حدث في إمبابة والأسكندرية والقاهرة الجديدة الخ، وقد كان ضباط الشرطة هم السادة في عهد المخلوع  حسني مبارك وهو ما كان يوغر صدور ضباط الجيش، وحين وقعت أحداث ثورة يناير كانت تستهدف الشرطة وانتهاكاتها بشكل رئيسي، ورغم أن الجيش حاول مساعدة الشرطة عقب الثورة وفرض حماية عسكرية على أقسامها ومديرياتها، إلا أن جهاز الشرطة لن ينس أن اقتحام مقرات أمن الدولة كان بعلم أو بتسهيل من قوات الجيش التي دخلت المقر الرئيسي للجهاز ونقلت كل ما يحويه من وثائق مهمة قبل أن تسمح للثوار بدخوله بسهولة لاحقا، وما إن بدأت الشرطة تشعر بالتعافي حتى سعت لاستعادة هيبتها القديمة، وقد اصطدمت بسبب ذلك مرات كثيرة مع ضباط ومجندين بالقوات المسلحة وهو ما أسفر عن وقوع اشتباكات بين الطرفين في بعض الأحيان،حتى جاء حادث الواحات الأخير ليستدعي كل ذلك التاريخ المثقل بالتوترات بين الطرفين.

 

توترات الجيش والشرطة هي نموذج لتوترات وتصدعات أخرى بين أجنحة النظام يسعى للملمتها، وعدم السماح بظهورها أمام الرأي العام الذي يعتبر في معظمه أن الجيش هو عمود الخيمة، وبالتالي فإن أي تصدعات فيه، أو بينه وبين الشرطة ستفقد الراي العام لثقته في تلك المؤسسات، وستشجع الناس على التمرد والثورة على حكم السيسي الذي لم يعد له إلا الاحتماء بهذه المؤسسسات الأمنية والعسكرية.