صحافة دولية

الغارديان: كيف تحولت الجزائر إلى معبر جديد إلى أوروبا؟

الغارديان: يتجه المهاجرون من جنوب الصحراء إلى الجزائر وهدفهم الانتقال إلى أوروبا- أ ف ب

نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلة الليموند زهرة الشيناوي من الجزائر، حول الهجرة إلى أوروبا، ابتدأته من بناية على أطراف الجزائر العاصمة، يطلق عليها ساكنوها غوانتنامو؛ وذلك لأنهم يشعرون كأنها سجن، حيث يسكن البناية المؤلفة من طابقين، التي لا سطوح لها في معظم الأوقات، حوالي 30 نزيلا متغيرا من غرب أفريقيا.    

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هؤلاء النزلاء يأتون ثم يذهبون، وهم أشخاص من الكاميرون وغينيا والنيجر، يقومون بممارسة علاقات الحب والصراع والتجارة وألعاب الورق، ويبحثون عن العمل إن استطاعوا.

 

وتلفت الكاتبة إلى أن هدف هؤلاء النزلاء الرئيسي هو الانتقال إلى الشمال، إلى أوروبا، مستدركة بأنه منذ قيام ليبيا بحملة ضد المهاجرين الذين يستخدمون الشواطئ الليبية للسفر إلى أوروبا، أصبح المرور عبر الجزائر أكثر تعقيدا.

 

وتنقل الصحيفة عن جوسيان، وهي امرأة من الكاميرون، قولها في الوقت الذي كانت تنظر فيه إلى صورة أصدقاء استطاعوا الوصول إلى إيطاليا: "كل من كنا نعرف (هناك) تقريبا، أصبحوا في أوروبا الآن".

 

ويذكر التقرير أن لوك، وهو كاميروني آخر، كان يقوم بتهيئة شقته في أطراف الجزائر العاصمة؛ لاستقبال وافدين جديدين، وهما ابنة عم صديقته وابنها البالغ من العمر 10 سنوات، حيث كان يتوقع وصولهما في ذلك اليوم، وقال: "إن لها أقارب في فرنسا، قاموا بالرحلة العام الماضي"، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي كان يجلس فيه على فرشة ويحمل هاتفه، فإن مراهقا كان يجلس يشاهد فيديوهات المظاهرات في جنوب الكاميرون، وقال: "جئت هنا لأركب قاربا.. سيكون أفضل لي هناك (في أوروبا)، المدارس أفضل".

 

وتفيد الشيناوي بأن أباه، الذي وصل إلى أوروبا قبل عام، بعد قضاء عدة سنوات في الجزائر، دفع تكاليف رحلة ابنه من دوالا، وهي أكبر مدينة في الكاميرون، حيث وصل وحده قبل حوالي ستة أشهر، وكان من المفترض أن يذهب عبر ليبيا، إلا أن القتال في صبراتة أدى إلى تعليق رحلات التهريب المغادرة، ويختصر لوك الوضع بالقول: "ذهب الأكبر سنا ووصل الشباب، ولأنهم لا يستطيعون المغادرة، فإنهم ينتظرون هنا".

 

وتنوه الصحيفة إلى أن السلطات الجزائرية تقوم بحملة خاصة، بحسب جمعيات حقوق الإنسان، حيث تعتقل المئات من اللاجئين ثم تقوم بترحيلهم، وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" يوم الاثنين، إن أكثر من ثلاثة آلاف تم طردهم على مدى الشهرين الماضيين، بما في ذلك نساء حوامل ورضع حديثو  الولادة وأطفال غير مصطحبين، بالإضافة إلى أن هناك حوالي 100 ألف مهاجر أفريقي في الجزائر، بحسب التقديرات غير الرسمية، معظمهم من مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

 

ويبين التقرير أنه في موقع آخر على الأطراف الجنوبية للعاصمة الجزائرية تنتشر الفرشات على أرصفة سلسلة من الأبراج السكنية غير المكتملة، بالإضافة ألى أن هناك مجموعة من الشباب والشابات من العاصمة الغينية كوناركي، يقومون بصبغ شعورهم، حيث قال أحدهم: "وصلت هنا قبل ثلاثة أشهر"، لافتا إلى أنه في كل صباح ينتظر عشرات الأولاد مثله على جانب الطريق؛ لعل أحدا يعرض عليهم عملا، وقال محمد، الذي يقول أنه يبلغ من العمر 17 عاما: "لم أكن أعلم أنه سيكون صعبا أن أجد العمل في الجزائر".

 

وتقول الكاتبة إنه "دون وجود أي شبكة مجتمعية، ودون معرفة حتى بعض الكلمات العربية، فإن وضع هؤلاء المهاجرين صعب، حيث ينام محمد وأصدقاؤه في الشارع، فسأل أحدهم: (هل هناك جمعيات طوعية يمكنها أن تساعد؟)، وتساءل آخر: (هل تعلمين كيف يمكن لي أن أعود إلى بلدي؟ لقد تعبت)". 

 

وتنقل الصحيفة عن قادر، وهو من ساحل العاج ويعيش في الجزائر منذ 6 سنوات، قوله بأن هناك عددا متزايدا من الغينيين في الجزائر، ويضيف قادر: "لا يعرفون البلد، وردة فعلهم سيئة عندما يسيء أي جزائري لهم أو يشتمهم، وينتهي الأمر باقتتال، حيث يصاب الناس بأذى". 

 

وبحسب التقرير، فإن الوضع بالنسبة للنساء سيئ أيضا، ففي وهران، التي تبعد 400 كم غرب الجزائر العاصمة، تحضر أدامو من الكاميرون إلى المستشفى لموعد مع امرأة شابة حامل، وتقول أدامو: "لقد وصلت هنا من تمنراست قبل عدة أيام.. إنها حامل منذ خمسة شهور، ولم تر طبيبا منذ بداية حملها"، مشيرا إلى أن المرأة الشابة تسكن مع ثلاثة مهاجرين آخرين في مساحة صغيرة تحت سقف من الصفيح.

 

وتقول أدامو للصحيفة: "يأخذ الأمر وقتا حتى تتعرف النساء على البلد، ليتعلمن كيف يتنقلن فيها.. والنساء اللواتي يصلن حديثا عرضة أكثر للأذى، أما من وصلن سابقا فإنهن عشن في البلد أطول، ويحاولن أن يخفن المهاجرات الجدد من الأوضاع في الجزائر؛ كي يتحكمن بهن".

 

وتقول الشيناوي إنه في ذلك البلد لا تعرف المنظمات الطوعية القليلة التي تعمل مع المهاجرين أنها تحتاج للبدء من الصفر في التدريب على أهمية نشر الوعي العام، حيث قال ناشط متطوع طلب عدم ذكر اسمه: "كنا نعمل مع حوالي 15 امرأة.. لكنهن غادرن جميعهن"، منوهة إلى أن هناك مجموعات من المهاجرين النيجيريين يقومون بالتسول في المدن الرئيسية في الجزائر، ما أثار حفيظة الناس، وقام الطلاب بتنظيم طعام إفطار لهم في شهر رمضان، وقام مغن مشهور، وهو صادق بوزينو، بنشر فيديو يدعو للتسامح.

 

وتورد الصحيفة أن الجزائر أعلنت في تموز/ يوليو عن خطة لتوطين اللاجئين الأفارقة غير القانونيين، ومنحهم حق العمل، وسط نقص في عمال الزراعة والبناء، بعد أن كشفت حملة على الإنترنت مدى المشاعر العنصرية في أنحاء البلاد، مستدركة بأن هذه المبادرات المحدودة لا تنعكس بشكل كبير على الحياة اليومية لمجتمعات المهاجرين، حيث أن ما زاد من التوتر في الأسابيع الأخيرة هو اعتقال اللاجئين القادمين من جنور الصحراء الكبرى في الجزائر العاصمة وطردهم. 

 

وينقل التقرير عن عمارة، وهو ليبي يعيش في الجزائر على مدى العامين الماضيين، قوله: "أعرف مهاجرا تم اعتقاله في الحافلة، في الوقت الذي كان فيه في طريقه للعمل في الصباح.. واعتقلت جارتي لدى مغادرتها المستشفى ومعها وليدها الجديد. أنا أخشى من هذه الاعتقالات، وأوصي زوجتي بعدم الخروج".

 

وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول عمارة: "اخترت الجزائر لأتمكن من العمل، أحصل هنا من عملي أكثر مما أحصل عليه في بلدي، ولذلك أصك أسناني وأنتظر أن ينتهي الأمر".