كتاب عربي 21

زوج بغال!

1300x600

على عكس ما ادعاه السيد عبد القادر مساهل، وزير الخارجية الجزائري، خلال كلمة له قبل أيام بالجامعة الصيفية لمنتدى رؤساء المؤسسات الاقتصادية ببلاده، حيث قال أن مؤشر مناخ الأعمال "دوينغ بيزنس" لسنة 2017 لم يعترف بأداء أي بلد من شمال افريقيا باستثناء الاقتصاد الجزائري، كشف آخر تقرير لهذه الهيئة، صدر منذ يومين، أن المغرب حافظ على ترتيبه المتصدر لدول شمال إفريقيا باحتلاله الرتبة 69 من أصل 190 بلدا محققا بذلك الرتبة الثالثة عربيا في وقت تراجع فيه ترتيب جاره الشرقي إلى الرتبة 166. يعد هذا التقرير،الذي يصدر عن البنك الدولي، المرجع الأهم لتحديد اختيارات وقرارات المستثمرين الدوليين. السيد عبد القادر مساهل أضاف بنفس المناسبة قائلا أن "الذين يقولون أن المغرب له وجود اقتصادي مخطئون.. فالمغرب في الحقيقة مجرد منطقة تبادل حر مفتوحة أمام الشركات الأجنبية من أجل فتح مصانع وتشغيل عدد قليل من العمال المغاربة.. الجزائر ليست المغرب.. الجزائر هي بلد الاستثمار الحقيقي الوحيدة بشمال افريقيا". من سوء حظ السيد الوزير أن نفس البنك الدولي أكد أياما بعد خطابه أن المغرب حقق في السنوات الخمسة عشر الأخيرة تقدما أتاح للمملكة إطلاق مسار اللحاق الاقتصادي ببلدان جنوب أوربا في أفق العام 2040، والمقصود بجنوب أوربا دول إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال.

""الذين يقولون أن المغرب له وجود اقتصادي مخطئون.. فالمغرب في الحقيقة مجرد منطقة تبادل حر مفتوحة أمام الشركات الأجنبية من أجل فتح مصانع وتشغيل عدد قليل من العمال المغاربة"

 
لم يكن ما سبق أهم ما جاء في كلام عبد القادر مساهل بل واصل المسؤول عن الدبلوماسية الجزائرية غزوته الكلامية بلغة خلت من أي دبلوماسية أو تحفظ معتبرا أن التواجد البنكي المغربي بافريقيا ما هو إلا غطاء لتبييض أموال الاتجار بالمخدرات التي تساهم الخطوط الملكية المغربية في نقلها إلى داخل القارة السمراء. يأتي هذا بعد زيارة أولى للمبعوث الأممي الجديد الخاص بقضية الصحراء وفي خضم التحضيرات للقمة الأوربية الإفريقية التي ستحتضنها دولة ساحل العاج و"يجاهد" المغرب لمنع جبهة البوليساريو من حضورها عكس رغبة الجزائر وبعض من حلفائها. هي حرب مستمرة إذن لا تنطفئ جذوتها حتى تشتعل من جديد وقودها التنافس المحموم على النفوذ بالقارة السمراء لا ينضب خصوصا بعد عودة المغرب لصفوف الاتحاد الإفريقي. الجديد أن وجه الصراع الجديد – القديم صارت متركزة بشكل أكبر على الجانب الاقتصادي وفق رؤيتين مختلفتين ترميان بعضهما بعضا بنفس النعوت والمسميات. الطرفان يتهمان بعضهما ب"رشوة" البلدان الإفريقية مقابل الدعم السياسي، وفي ذلك إهانة مستمرة لقارة يدعي الجميع سعيه لتنميتها والمساهمة في تقدمها. وكلما ضاقت الدائرة على طرف من الأطراف عاد إلى دفاتره القديمة يقلب فيها.

ليس أمام الجزائر، في مواجهة التغلغل الواضح للمؤسسات الاقتصادية المغربية بافريقيا وتوزعها بين الأسواق الفرنكفونية التقليدية وأسواق أنغلوفونية جديدة غير التشكيك في هذا التوجه الذي يعتمد، حسب الرواية المغربية، على التعاون "جنوب–جنوب" مع توظيف موقعه الجيو-استراتيجي ليكون نقطة عبور للاستثمارات الغربية والخليجية المتطلعة لتمويل مشاريع استثمارية بالقارة السمراء. فالمغرب متهم بتبييض أموال المخدرات عبر نظامه البنكي أو بلعب دور مقاول الباطن للدول الاستعمارية بافريقيا مقابل عمولات لا تشكل استثمارا حقيقيا منتجا.

التركيز على موضوع انتاج المخدرات والاتجار الدولي بها أمر مألوف. لكن الجديد كان في تناول الخطوط الملكية المغربية بالسوء واتهامها بنقل ذات المخدرات وربما العائد منها، كما تدعي مواقع تابعة لجبهة البوليساريو تكتب من نفس محبرة الدبلوماسي الجزائري. المعلومات تقول أن الخطوط المغربية تحولت إلى أخطبوط حقيقي تغطي رحلاتها سبعا وثلاثين بلدا افريقيا، بعد أن كانت لا تتعدى الخمسة عشر وجهة قبل عشر سنوات، مقابل سبع وجهات للخطوط الجزائرية وأربع عشرة خطا للتونسية. تقول نفس الإحصائيات أن 47 بالمائة من مجموع رحلات الخطوط المغربية صارت موجهة لإفريقيا ما مكنها من احتلال الرتبة الثانية من حيث عدد المسافرين المنقولين عبر أسطولها بين القارتين الافريقية والأوربية. هكذا صار واضحا الدور الكبير الذي صارت تلعبه الشركة المغربية في تعزيز الوجود الاقتصادي للبلد بافريقيا وفتح أسواق جديدة وآفاق أوسع للتعاون الاقتصادي المغربي الافريقي بموازاة ربط بحري أسبوعي مع أزيد من خمس وثلاثين بلدا بغرب افريقيا بفضل ميناء طنجة المتوسطي. وليس هناك من وسيلة للإساءة إلى الشركة أفضل من اتهامها بنقل المخدرات في ضرب تام لسيادة الدول المعنية ولقوانين السلامة التي تحكم النقل الجوي العالمي. وأمام التوسع الكبير للمصارف المغربية التي صارت تمتلك فروعا في أكثر من عشرين بلدا افريقيا فليس من تهمة تبييض أموال المخدرات أفضل للتشكيك في جدواها الاقتصادية ونزاهة نظامها.

"التركيز على موضوع انتاج المخدرات والاتجار الدولي بها أمر مألوف لكن الجديد كان في تناول الخطوط الملكية المغربية بالسوء واتهامها بنقل ذات المخدرات كما تدعي مواقع تابعة لجبهة البوليساريو تكتب من نفس محبرة الدبلوماسي الجزائري".

الأكيد أيضا أن تقارير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وكذا تقارير الخارجية الأمريكية تؤكد كل سنة تصدر المغرب للائحة منتجي ومصدري القنب الهندي بالعالم خصوصا في اتجاه القارة الأوربية حيث يشير "الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف" أن 80 بالمائة من الاستهلاك الأوربي لهذه المادة يأتي من المغرب. لكن ذات التقرير أشار أيضا أن 32 بالمائة من الحشيش العالمي المهرب ضبطت بتراب الجارتين المغرب والجزائر.

لم تمر تصريحات عبد القادر مساهل دون أن تثير حفيظة الدولة المغربية حيث صادف تاريخ إطلاقها إعلان العاهل المغربي، في افتتاح الدروة البرلمانية الخريفية، عن إنشاء وزارة جديدة تكون مهمتها تتبع العلاقات المغربية الافريقية وعلى رأسها مختلف المشاريع التي أطلقت مع مختلف دول القارة. وتشكيك الجارة الجزائر في التوجه الافريقي للمغرب لم يكن ليمر دون رد تمثل في استدعاء سفير المملكة بالجزائر للتشاور والقائم بالأعمال الجزائري للاحتجاج، وفي وصف تصريحات مساهل ب"الصبيانية" تلاها تهديد تجمع البنكيين المغاربة بمتابعة المسؤول الجزائري. لكن الرد الأخطر جاء في تقرير لتلفزيون العيون الجهوي التابع لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون المغربي الرسمية، حيث اتهمت وزير الخارجية الجزائري بممارسة "اللواط" و"الوساطة في الدعارة" في تقرير غير مسبوق في وسائل الإعلام المغربية الرسمية منها والخاصة. 

ليس متعذرا على المتابع للشأن الافريقي وللصراع المغربي الجزائري أن يفهم أو "يتفهم" الضربات تحت الحزام التي تصدر بين فينة وأخرى من أطراف الصراع. لكن السعي المتواصل للي عنق الحقيقة لا يصمد أمام مخرجات الوقائع على الأرض والأرقام والتقارير الدولية المتتالية. الطموح المغربي الذي جعل منه المستثمر الأول في افريقيا من داخل القارة بما يوازي ثلثي الاستثمارات الخارجية للمملكة في العالم، صار أمرا واقعا في مواجهة سعي حثيث من الجزائر إلى تثبيت نفوذها التقليدي بالقارة. وافريقيا بما تمثله من فرص استثمارية مجال رحب لكل طامح للربح أو لتقديم تجربته في المجال التنموي. لكن الحقيقة التي لا غبار عليها أن بلدين جارين يقبلان أن تبقى النقطة الحدودية الفاصلة بينهما حاملة لاسم مسيء للجانبين، موروث من المرحلة الاستعمارية، لا يمكنها الترفع عن خلافات الماضي والحاضر لبناء مستقبل أفضل لعلاقاتهما. النقطة الحدودية المغربية الجزائرية تعرف باسم: زوج بغال!

"الحقيقة التي لا غبار عليها أن بلدين جارين يقبلان أن تبقى النقطة الحدودية الفاصلة بينهما حاملة لاسم مسيء للجانبين، موروث من المرحلة الاستعمارية"


يواصل رئيس الديبلوماسية الجزائرية كلامها أمام نخبة رجال الأعمال في البلاد: مصر تعيش مشاكل اقتصادية كبرى وتقتات على القروض.. تونس لا تعرف معنى للاستثمار حيث تعيش صعوبات حقيقية.. المغرب مجرد منطقة تجارة حرة.. الجزائر هي بلد الاستثمار الوحيد بشمال افريقيا.