اقتصاد عربي

ضغوط مالية تنتظر لبنان والحذر يدفع إلى هروب المستثمرين

في أكتوبر الماضي أقر البرلمان اللبناني أول موازنة عامة للبلاد منذ عام 2005- أ ف ب

ربما تفرض استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تداعيات عديدة على أداء الاقتصاد اللبناني، الذي تحسن خلال الأشهر الماضية، بعد إقرار مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية من قبل الحكومة والبرلمان، على غرار الإصلاحات الضريبية، وإعادة تنظيم قطاع النفط، بشكل انعكس في مؤشرات عديدة، يتمثل أبرزها في ارتفاع أعداد السياح، وتزايد الثقة في الاقتصاد اللبناني، وهى تداعيات سوف تعتمد في قوتها على الفترة الزمنية التي سوف يستغرقها تشكيل حكومة جديدة لاستكمال الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة السابقة.


ووفقا لدراسة حديثة لمركز "المستقبل" للأبحاث والدراسات المتقدمة، فقد شهد الاقتصاد اللبناني تطورات إيجابية عديدة في الأشهر الماضية، تزامنا مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري في كانون أول/ ديسمبر 2016، والتي عولت عليها اتجاهات مختلفة لإنعاش الاقتصاد المتردي، خاصة بعد اتجاهها إلى اتخاذ بعض الإجراءات البارزة.


أول موازنة من 2005


ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أقر البرلمان اللبناني أول موازنة عامة للبلاد منذ عام 2005، وهو تحول إيجابي في المشهد المالي للبلاد، حيث أدى الفراغ التشريعي الحاكم للموازنة العامة في السنوات الماضية إلى عدم انضباط الأوضاع المالية، وارتفاع مستويات عجز الموازنة، ومن ثم الديون العامة، التي سجلت 78 مليار دولار بنهاية أيار/ مايو الماضي.


ومن المتوقع أن يؤدي إقرار الموازنة بشكل دائم إلى استعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني، وتسهيل مهمة الحكومة في اتخاذ الإجراءات الواجبة؛ للحد من الإنفاق العام، أو تعبئة الموارد المالية اللازمة، بالإضافة إلى تعزيز فرص الحصول على المساعدات الدولية؛ بغرض مواجهة أعباء استضافة اللاجئين في البلاد.

 

وخلال الشهور الماضية، واجهت الحكومة اللبنانية صعوبات عديدة من أجل تعبئة الموارد المالية اللازمة لتغطية الإنفاق العام، خاصة زيادة أجور موظفي الخدمة المدنية، حيث رفض المجتمع اللبناني سلسلة من الزيادات الضريبية الكبيرة وافق عليها البرلمان اللبناني في يوليو 2017، تحت قانون رقم 45 لعام 2017.

 

زيادة الضرائب

 

إلا أنه بعد تخفيف هذه الزيادات من قبل الحكومة، أقر البرلمان مجموعة من التدابير، تشمل زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 11%، وزيادة ضريبة الدخل على المؤسسات المالية من 15% إلى 17%، وزيادة الضريبة على المشروبات الكحولية، وكذلك على السجائر؛ بهدف تمويل الزيادات في الأجور العامة وفق القانون رقم 46/ 2017، المتعلق بالزيادة المخصصة لموظفي الخدمة المدنية.


تنظيم قطاع النفط

 

كما اتجهت الحكومة في الأشهر الماضية إلى إعادة تنظيم قطاع النفط؛ عبر سن مجموعة من القواعد التنظيمية والتشريعات اللازمة؛ للإسراع في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط في المياه الاقتصادية اللبنانية المطلة على سواحل البحر المتوسط، بعد إخفاقها في تنشيط القطاع في السنوات الماضية.

 

وأقرت الحكومة، في كانون الثاني/ يناير الماضي، مرسومي الغاز والنفط المتعلقين بتقسيم بلوكات النفط المتاحة للاستثمار من قبل الشركات الدولية، وكنتيجة لهذه الإصلاحات، نجحت الحكومة في جذب 52 شركة خلال جولة يناير الماضي لتراخيص التنقيب عن النفط والغاز في 5 مناطق بحرية هي (1 و4 و8 و9 و10).

 

فيما أقر البرلمان أيضا، في أيلول/ سبتمبر الماضي، قانون ضريبة دخل النفط، الذي بمقتضاه سيتم اقتطاع ضريبة دخل بنسبة 20% على الأنشطة البترولية، بالإضافة إلى رسم بواقع 5 ملايين ليرة، أي بحوالي 3311 دولارا.

 

تعافي السياحة

 

وعلى صعيد السياحة، ارتفع عدد السياح الوافدين إلى لبنان خلال النصف الأول من عام 2017 إلى 826.129 ألف سائح، بزيادة بنسبة 14.25% عن الفترة ذاتها من عام 2016، ويعود هذا الارتفاع إلى نمو عدد السياح الوافدين من الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الذين يشكلون نحو 82% من العدد الإجمالي للسياح، وهو ما كان متوقعا له أن يؤثر بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي في لبنان خلال العام الجاري.

 

وذكرت الدراسة أن تشكيل حكومة الحريري، في كانون أول/ ديسمبر 2016، كان له تداعيات إيجابية عديدة على الاقتصاد اللبناني، حيث أدى إلى تسريع وتيرة الإصلاح الاقتصادي في البلاد على صعيد السياسات المالية، بما في ذلك إجراء مجموعة من الإصلاحات الضريبية، وإعادة تنظيم قطاع النفط، وهو ما أدى إلى رفع سقف التوقعات حول انتعاش الأداء الاقتصادي في السنوات المقبلة.


إشارات سلبية

 

لكن استقالة الحريري، في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ربما توجه العديد من الإشارات السلبية مجددا للأوساط الاقتصادية في الفترة المقبلة. وبحكم الواقع، وحسب اتجاهات عديدة، فإن الحكومة الحالية أصبحت حكومة تصريف أعمال فقط، وليس بمقدورها، بطبيعة الحال، تحديد التوجهات الاستراتيجية للبلاد في الفترة المقبلة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي.

 

وتوقعت الدراسة أن يشهد الأداء الاقتصادي تذبذبا في الفترة المقبلة، تأثرا بالوضع الحالي، وذلك بخلاف ما أشار إليه مؤخرا وزير المالية اللبناني على حسن خليل، الذي قال إن الاقتصاد والليرة لا يواجهان خطرا بعد استقالة الحريري.

 

كما لن يكون بمقدور الدولة أيضا إبرام أي اتفاقات جديدة في مجال النفط مع الشركات الأجنبية إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وهو ما يزيد من احتمالات عودة قطاع النفط إلى حالته في عام 2013، حينما أطلقت أول جولة لتراخيص التنقيب عن النفط في السواحل اللبنانية، وتأهلت 46 شركة للمشاركة في تقديم العروض، قبل أن يتم إلغاؤها لاحقا.

 

ومن المرجح أن يدفع الوضع السياسي المرتبك حاليا المستثمرين الأجانب إلى تبني مواقف حذرة من الاستثمار داخل لبنان، بالإضافة إلى أن ذلك قد يكون سببا في تراجع تدفقات السياح إلى البلاد خلال الفترة المقبلة.

 

ورجحت الدراسة أن تتعرض لبنان لمزيد من الضغوط المالية خلال الفترة المقبلة، ما سيؤثر سلبا على استقرار الوضع النقدي والمصرفي في لبنان، وبالنهاية سيزيد ذلك من ضعف آفاق الاقتصاد اللبناني في الأمد المتوسط، حيث من المتوقع أن يبقى معدل النمو السنوي عند حدود أقل من 2%، وذلك في الوقت الذي زادت فيه أعباء استضافة اللاجئين السوريين في لبنان إلى 18 مليار دولار، بحسب التقديرات الرسمية.

 

تداعيات جديدة

 

وتراجعت سندات لبنان الدولارية، وقفزت تكلفة التأمين على ديونه، أمس الثلاثاء، مع اتهام السعودية بيروت بإعلان الحرب عليها، في تصعيد حاد لأزمة تواجهها البلاد.

 

وتراجعت السندات اللبنانية استحقاق 2022، بواقع 1.95 سنت إلى 93.5 سنت للدولار، مسجلة أدنى مستوى لها منذ تموز/ يوليو 2013.

 

وقفزت عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات 13 نقطة أساس، مقارنة مع إغلاق أول أمس الاثنين، لتصل إلى 550 نقطة، بحسب بيانات آي.أتش.أس ماركت، وهو أعلى مستوى لتكلفة التأمين على ديون لبنان منذ أوائل كانون الأول/ ديسمبر .