كتاب عربي 21

المملكة العربية "السلمانية".. مغامرة إعادة التأسيس

1300x600

الانتقال من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد في أطوار دولة آل سعود؛ يلوح في الأفق مخيفا ومحاطا بمغامراتية لا تميز تقاليد سياسة الإمارة والسلطان في المملكة.

فمحمد بن سلمان بصدد التصرف مثل ملوك وسلاطين القرون الوسطى، حيث لا يمكن الاطمئنان على الملك إلا باستئصال كامل لكل المنافسين المحتملين، وليس المنافسين الفعليين فحسب. وهكذا، تتوسع لائحة المتهمين على أساس قراءة النوايا. الأهم أن مغامرة إعادة تأسيس "المملكة الثانية"، على وزن "الجمهورية الثانية"، تبدو محفوفة بالمخاطر، وشراراتها تتجاوز الحجاز، وستمس بلا شك مجمل الوضع في المنطقة. ويبدو أن تعميد محمد بن سلمان يحتاج للدماء، وذلك سلاح ذو حدين.

الانتقال الراديكالي من منظومة الأبناء إلى منظومة الأحفاد؛ يسبق الآن، وبشكل حثيث، التسليم الرسمي لمقاليد حكم المملكة لمحمد بن سلمان

 

فالانتقال الراديكالي من منظومة الأبناء إلى منظومة الأحفاد؛ يسبق الآن، وبشكل حثيث، التسليم الرسمي لمقاليد حكم المملكة لمحمد بن سلمان. وفيما لا يزال وليا للعهد، نشهد مملكة "سلمانية" تتركز فيها السلطة في يد أبناء سلمان دون أبناء عبد العزيز. وكما أسمتهم قناة "دويتشه فيله" الألمانية، فيما يلي قائمة "السلمانيين الجدد" الذين يهيمنون على مفاصل الدولة الآن. نبدأ أولا بفرع العائلة الذي يتضمن أربعة من إخوة محمد بن سلمان الأشقاء وغير الأشقاء، وهم:

- خالد بن سلمان، الشقيق الأصغر لولي العهد، والذي أصبح منذ نيسان/ أبريل الماضي سفير بلاده في واشنطن. وهذا المنصب - كما هي تقاليد المملكة - أحد المواقع الأساسية في تراتبية السلطة. (لنتذكر فقط أن بندر بن سلطان شغل هذا الموقع لسنوات طويلة، وأضحى صانعا للسياسة الخارجية الأمريكية نفسها، فضلا عن السياسة الخارجية السعودية).

- تركي بن سلمان، شقيق محمد بن سلمان الآخر، وهو أيضا أصغر منه، ومؤسس أحد أهم الصناديق الاستثمارية السعودية (صندوق "ثروات")، وهو على رأس "المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق"؛ التي تتحكم في أذرع إعلامية أساسية في البلاد، أهمها صحيفة "الشرق الأوسط".

- فيصل بن سلمان، الأخ الأكبر غير الشقيق لمحمد بن سلمان، وأمير منطقة المدينة المنورة. وسبق أن ترأس "المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق".

- عبد العزيز بن سلمان، أخ آخر غير شقيق لولي العهد. عُين منذ نيسان/ أبريل الماضي وزير دولة لشؤون الطاقة، بما يعني السيطرة على عصب الاقتصاد السعودي.

نمر الآن لفرع ما يسمى "التكنوقراط"، وهم جيل جديد من خارج العائلة؛ من الذين يعود الفضل في صعودهم السريع في ميادين مختلفة للدعم المباشر لمحمد بن سلمان، فهم ببساطة خاصته الخاصة، وأدواته في تسيير أهم دواليب المملكة، وهم:

- خالد الفالح، الرئيس السابق لأهم مؤسسة نفطية في العالم، وركن الزاوية في وجود المملكة، أي "أرامكو". وقد تمت ترقيته إلى رتبة وزير الطاقة والصناعة، ليشرف، إلى جانب عبد العزيز بن سلمان، على القطاع النفطي. وهو مهندس السياسات الجديدة في هذا القطاع، خاصة خطة إدراج أسهم أرامكو في بورصة وول ستريت، بما يعني خصخصتها، وهو ما سنعود إليه لاحقا.

- اللواء الركن أحمد العسيري، مستشار ابن سلمان العسكري ونائب رئيس الاستخبارات العامة والناطق باسم "عاصفة الحزم"، وهو رجله في القوات الحاملة للسلاح.

- الفريق الأول عبد العزيز الهويرني، المشرف على الجهاز الأمني الأهم والمستحدث أخيرا، أي جهاز أمن الدولة. وكان قد نقل ولاءه من محمد بن نايف إلى ولي العهد الجديد. وتم تقليده أحد أعلى الأوسمة من قبل وكالة المخابرات المركزية، بما يعكس قربه الكبير من الأوساط الاستخبارية الأمريكية.

- ياسر الرميان، مستشار ابن سلمان المالي، والمشرف على "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي، وهو أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم.

- سعود القحطاني، المستشار الإعلامي برتبة وزير في الديوان الملكي، والمشرف على الآلة الدعائية لولي العهد، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي.

- تركي الدخيل، المستشار الإعلامي الآخر لابن سلمان، ويشغل الآن منصب مدير قناة "العربية".

والصفقة التي تتم على أساسها عملية إعادة تأسيس المملكة؛ تنبني على شروط والتزامات سبق أن ذكرت بعضها في مقال سابق، في حزيران/ يونيو الماضي، في سياق مرتبط بالتقارب السعودي الإماراتي، أو ما أسميته "جيل ابن سلمان- ابن زايد" و"مرحلة الهروب إلى إسرائيل".

أشرت حينها إلى أن "التقارير الإعلامية تتزايد منذ أشهر قليلة عن تسريبات تخص نوايا تطبيع رسمي بين المحور السعودي- الإماراتي وتل أبيب، آخرها ما نشرته اليومية البريطانية "التايمز"، يوم 17 حزيران/ يونيو الماضي، والذي يتحدث عن بدء مفاوضات بين الرياض وتل أبيب لتطبيع تجاري. ويذكر التقرير أن "السعودية وإسرائيل تجريان محادثات لإقامة علاقات اقتصادية، وهي خطوة مثيرة تضع الدولة العبرية على طريق العلاقات الطبيعية مع معقل الإسلام السني.. وذكرت مصادر عربية وأمريكية أن الروابط ستبدأ صغيرة: السماح للشركات الإسرائيلية بالعمل في الخليج، على سبيل المثال، والسماح لشركة الطيران العال، الطيران الوطني (الإسرائيلي)، بالتحليق فوق المجال الجوي السعودي".

وقد أشارت يومية "الجيروزاليم بوست" في الأيام الأخيرة إلى فرضية رحلة سرية لابن سلمان إلى تل أبيب، قبيل إطلاق عملية "التطهير" الأخيرة.

ويضاف إلى ذلك، التقارب الكبير بين صهر ترامب، كوشنر، وابن سلمان، والحديث عن زيارة سرية قام بها زوج إيفانكا إلى الرياض، التقى خلالها ولي العهد، أيضا قبيل حملة "التطهير".. بصمات ترامب واضحة أيضا من خلال استهداف الوليد بن طلال؛ الذي سبق له أن دعم بوضوح هيلاري، وكان له ملاسنة على "تويتر" مع ترامب، توعد فيها الاثنان بعضهما الآخر.

وتصريحات ترامب الأخيرة، في سياق رحلته إلى اليابان، كانت مهمة جدا، إذ لم تتضمن فقط دعما لابن سلمان، بل تميزت بالإعلان بوضوح عن دفعه للنهاية لخصخصة "أرامكو"، تحت غطاء إدراج أسهمها في وول ستريت، وهو ما يبدو مكونا أساسيا في صفقط العلاقة الجديدة بين منظومة أبناء سلمان والقوى المهمنة في المنطقة.

بيد أن كل ذلك، إضافة إلى اللعب بالنار في الملف اللبناني بدفع الحريري عنوة للاستقالة، في سياق تحالف معلن مع تل أبيب، تعكس سياسة طائشة، ولا تتميز بكثير من الحكمة، بما يخالف تقاليد بيت الإمارة في السعودية. والنيران هذه المرة يمكن أن تجعل استقرار المملكة نفسها ووحدتها محل شك.