قضايا وآراء

أوراق الأطراف الفاعلة في اليمن بعد مقتل صالح

1300x600
قُتل الديكتاتور اليمني ورئيس البلاد السابق، علي عبد الله صالح (75 عاما)، تاركا فراغا كبيرا في المراوغة والمكر والخديعة؛ ألفته اليمن طوال 39 عاما. ولا يبدو أنَّ هناك شخصية مؤهلة فعلا لتأخذ مكانه، سواء في حزب المؤتمر الشعبي العام، أو كحليف لأطراف الصراع المتعددة خلال الحرب. ومن الصعب توقع ظهور شخصية نافذة مثل "صالح"، فاسدة وبلا مبادئ، وحصد 60 مليار دولار (حسب الأمم المتحدة) خلال فترة حكمه على مدى 33 عاما.

إذن، نحن أمام فراغ وصدمة للتحالف الذي تقوده السعودية والحكومة الشرعية التي فتحت صفحة جديدة مع صالح؛ أدت إلى مقتله خلال الأسبوع نفسه، فيما جماعة الحوثي، المزهوة بانتصارها وبتوطيد سلطتها ومطاردة أنصار صالح ومصادرة أمواله، قد تستفيد على المدى القصير، لكنها على مدى أطول، فقد كتبت نهايتها.

والسؤال الآن، وفي حالة الصدمة والزهو بالانتصار: ما هي الأوراق التي بحوزة الجميع في اليمن؟

أولا- الحوثيون: أصبح الحوثيون بلا شريك الآن، وفي حال وجود حلّ سياسي أو اتفاق سلام، فإن الحوثيين وحدهم سيكونون هم الطرف الآخر أمام الحكومة المعترف بها دوليا. كما أنَّ الصواريخ البالستية التي وصلت إلى الرياض - وتهدد أبو ظبي - ستستمر بتهديد المنشآت الحيوية السعودية، ما يجعل اقتصاد المملكة في حالة اضطراب، وهو المضطرب بالفعل بسبب السياسة الداخلية لسلطة الحكم الصاعدة. كما أظهرت الجماعة قدرتها على الحشد في الميادين، وأظهرت سطوتها وجولتها بقوة "ضاربة" تستهدف الحلفاء والخصوم، إلى جانب أنَّ الضغط الدولي المستمر بشأن الوضع الإنساني في اليمن، يستهدف التحالف العربي ولا يستهدف الجماعة.

لكن في الوقت نفسه، خسرت الجماعة المسلحة الخامل السياسي للانقلاب، الممثل بالمؤتمر الشعبي العام. وبفقدان هذا الحامل، ستواجه صعوبات أكبر في توجيه خطابها للخارج بصفتها "مليشيا متمردة". وقد كان وجود حزب صالح في صف الحوثيين غطاء لتحركات الجماعة وسيطرتها أمام العالم، لكن الآن تخلى الحوثيون نظريا عن هذا الحامل، وهو ما يعني خسارة ورقة رابحة، حتى وإن كانت ضعيفة عسكريا.

ثانيا- الحكومة الشرعية: نظريا، فحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي؛ هي المعترف بها دوليا، لكن تحركاتها على الأرض محكومة بتحركات "سعودية- إماراتية"، لذلك فورقتها الرابحة هي استغلال خسارة الحوثيين، ومحاولة التحرك في اليمن لكسب ولاء القبائل "المبعثرة" الموالية لصالح. وقد بدأت فعلا بذلك، لكنها ستواجه دائرة الاستقطاب من أبو ظبي والرياض، وقد تفشل قبل أوانها. وأي تحرك باتجاه صنعاء، سيكون بحاجة إلى ضوء أخضر سعودي. يمكن للحكومة الشرعية كسب ولاء القبائل السبع (طوق صنعاء) من أجل التحرك، لكن ذلك مقرون بمدى قدرة القبائل على تفكيك تجمعات مشائخ ورجال بارزين فيها، ضمن تحالف 10 من رمضان الذي أنشأه الحوثيون هذا العام للحد من جموحها.

ثالثا- المملكة العربية السعودية: تنحصر خيارات السعودية، التي تواجه ضغوطا دولية لوقف الحرب إلى جانب سمعة سيئة تضغط على ديبلوماسياتها في العالم، في الخيار العسكري - نظريا - باتجاه خيارين اثنين: الأول، يتمثل في دعم أكبر وصلاحيات أعلى لنائب الرئيس اليمني الموجود في محافظة مأرب، لإدارة العمليات العسكرية ضد الحوثيين، إلى جانب تحالف أوسع مع حزب التجمع اليمني للإصلاح والقبائل المؤيدة له.. سيمكن العمق القبلي للجنرال علي محسن الأحمر والقبائل المتحالفة مع الإصلاح، وحتى تلك التي كانت تدين بالولاء لصالح، ستفضل "الجنرال" على نجل صالح المدعوم من أبو ظبي. وهذا الخيار يبدو أنَّ المملكة تذهب نحوه. والثاني، يتمثّل بقبول المقترح الإماراتي (الضغط الإماراتي) بعودة أحمد علي عبد الله صالح إلى الواجهة السّياسية والعسكرية للبلاد، بصفته رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يبحث الآن عن زعيم، ولتجميع قوات جديدة للرجل الموجود في أبو ظبي لقيادة العمليات، وهذا الأمر سيواجه العديد من الانتقادات، إضافة إلى عامل الوقت. 

سياسيا، تملك السعودية ورقة الضغط الإقليمي باستخدام روسيا - التي تقوم بدور حتى قَبل انفراط تحالف الحوثيين وصالح - للضغط على الحوثيين من أجل تسويه سياسية، مع خسارتهم الإقليميّة وتضاؤل الدعم الدولي. لكن ذلك يبدو بعيد المنال لإنهاء الصراع في البلاد.

رابعا- الإمارات العربية المتحدة: هي أكبر الخاسرين من مقتل صالح، إذ كانت تسوقه وعائلته بصفة المنقذين للسعودية والعالم من الحرب الدامية منذ ثلاث سنوات، ولا يبدو أنّ أبو ظبي ستذهب بعيدا عن هذه الورقة فستستمر في دعم "نجل صالح"، بالرغم من أنَّ ذلك سيكون ضِدا لتحركات السعودية - إذا ما قررت الذهاب في تفضيلها للأحمر و"الإصلاح" - وستذهب أبو ظبي نحو إعادة تشكيل المؤتمر في الخارج، عبر مؤتمر يتم في القاهرة مبدئيا، وقد يحضره أحمد علي ليُنتخب رئيسا للحزب، كما ستحشد إلى جواره القوات المتبقية والموالية له، كقوة خارج إطار هيئة الأركان اليمنية، كما فعلت بتشكيل "الحزام الأمني" وقوات النخبة (الحضرمية-الشبوانية.. إلخ) في المحافظات الجنوبية. لكن ذلك سيعني تصعيدا ضد المملكة، وسيزيد مخاوفها بشأن طموح الإمارات من السيطرة على القبائل وإنشاء قوة شمالي اليمن، إذ ستعتبره تهديدا حقيقيا لأمنها القومي. وستحتاج الإمارات، مع كل ذلك، إلى رفع اسم نجل صالح من قائمة العقوبات الدّولية التي فرضها مجلس الأمن، وهي خطوة مكلفة قد لا تحبذها السعودية. الخيار الثاني المُحتمل؛ هو سياسة مقايضة: دعم السعودية وهادي في الشمال، مقابل نفوذ في الجنوب، وهذا سيكلفها (الإمارات) الكثير بعد انتهاء الحرب.

خامسا- إيران: بعد مقتل صالح، وضياع الحامل السياسي لجماعة الحوثي المسلحة، وانعدام آمال الوصول إلى سلام في اليمن، ستكثف إيران من دعمها للحوثيين. ومن الواضح أنّ الحوثيين أصبحوا أكثر اعتمادا على طهران عما كان عليه الوضع قبل انطلاق عاصفة الحزم، ومن شأن ذلك أن يزيد الصراع بالوكالة، ويفاقم أزمات الشرق الأوسط أكثر.

أخيرا.. إذا ما أرادت السعودية الدفع بحلّ عسكري مكتمل الأركان، فعليها البدء من الآن، دون تأجيل. لكن خلافاتها مع الإمارات حول من يقود هذه العمليات نحو صنعاء؛ سيتسبب في عرقلتها، وإذا ما أبدت الرياض ارتياحا لنجل صالح، فإنها ستحتاج وقتا من أجل تجميع بقايا حزب المؤتمر الذين تم استقطابهم من قِبل قوى أخرى (حوثية- الإصلاح- فريق هادي). في الوقت نفسه، فإن تشكيل حزب المؤتمر مجددا، بعيدا عن رئيس الحزب الفعلي، وهو عبد ربه منصور هادي، حسب مؤتمر الرياض، فإن ذلك يُعدّ عداء جديدا لأبو ظبي ضد هادي. ومع ذلك سيحتاج أحمد علي عبدالله صالح إلى الوقت لتجميع قوات جديرة بالمعركة، إلى جانب تجميع قيادات حزب المؤتمر. كما ستحتاج أبو ظبي وقتا لرفعه من قائمة العقوبات الأممية، وهو ما يعني ضياع فرصة ثمينة للتحرك نحو صنعاء في وقت اختلال الموازين وترقب الحوثيين، واستخدام غضب القبائل في طوق صنعاء لتفعيل هذا التحرك.

هناك من يُشير إلى أنّ نجل صالح سيكون تحت قيادة الحكومة الشرعية وهيئة الأركان، وفي الحقيقة فإن تاريخ الرجل لا يشير إلى الانضباط بالأوامر العسكرية، بصفته كان طوال قيادته للحرس الجمهوري لا يتلقى أوامره إلا من والده فقط. وتاريخ العلاقة العسكرية بين علي محسن الأحمر وأحمد علي عبدالله صالح؛ لا يشير إلى احتمال حدوث ذلك، لذلك فإما أن يدعم التحالف الأحمر أو نجل صالح.

يمكن كخيار مختلط؛ أن تُفرض ورقة دولية عبر فاعلين دوليين (الولايات المتحدة - روسيا - الصين - بريطانيا - الاتحاد الأوروبي) اتفاقا يوافق عليه الجميع، تحت ضغوط هائلة ضد كل الأطراف الإقليميّة والمحلية.