قضايا وآراء

ثورة تونس بعد سبع سنوات.. ماذا تحقق منها؟

1300x600

سَتحُل بعد أيام الذكرى السابعة لهروب الرئيس "ابن علي" (14 كانون الثاني/ يناير 2014)، وقلق فئات واسعة من التونسيين يزداد اتساعاً عن مآل "الثورة" التي أطلقتها حناجرُهم، وقادتها صدورُهم وسواعدُهم، واستبشروا بها خيراً، وعقدوا عليها كل آمالهم، عسى أن ترفع عنهم أشكال الغُبن والضيق التي ألمت بهم طوال عقود من الزمن، وولدت لديهم الإحساس بأنهم داخل وطن غير وطنهم، من حيث العدالة، والحرية، وحفظ العيش الكريم.

لم يتردد الكثير من التونسيين في القول بأن مطالب "ثورتهم" تبددت، وغدا عصياً تحقيقها، وأن سقوط رأس النظام لم يسقط النظام الاقتصادي المُكرس منذ عقود، وأن شبكات المصالح والامتيازات التي شكلت أذرع النظام المنهار؛ انصاعت للعاصفة، لكن سرعان ما استرجعت مواقعها في دواليب الاقتصاد والمؤسسات، وأنها تسير في اتجاه رد الاعتبار لرموزها والمعبرين عن مصالحها، وأن لحظة الثورة لم تكن أكثر من " قوس ثوري وثأري حاقد"، كما وصفها رئيس الجمهورية "الباجي قايد السبسي" في تصريحه الإعلامي في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر 2017.

 

 

يتضمن الإحساس الجديد والمتنامي لفئات واسعة من التونسيين، بخصوص مآل ثورتهم، قدراً كبيراً من الرجاحة والصدقية


يتضمن الإحساس الجديد والمتنامي لفئات واسعة من التونسيين، بخصوص مآل ثورتهم، قدراً كبيراً من الرجاحة والصدقية، وهو قلق تشفع لصحة وجوده ظروف تونس الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وتزكيه مُعطيات الواقع وتحدياته. فالاختلالات المجالية، وضعف العدالة الترابية، وتوسع الفجوة بين تونس الداخل وتونس السواحل، وسكان الأرياف والمناطق الهشة، ما زالت ظواهر بنيوية ضاغطة على سيرورة "الانتقال الديمقراطي" في تونس، بل إن تعاقب الحكومات منذ سقوط النظام، وتوالي الوعود بتجاوز الاختلالات، وإعادة إدماج مناطق الظل، لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ الفعلي، القادر على إعادة صياغة علاقة جديدة بين الدولة ومؤسساتها والمجتمع بكامل تعبيراته.. علاقة من شأنها إعادة بناء الثقة في ممكنات التغيير الذي وعدت به الثورة، واندلعت من أجله. فالبطالة، وهي أم التحديات، تجاوز متوسط معدلها الوطني 16 في المئة، وتراوح في بعض المحافظات الهشة ما بين 35 و40 في المئة، كما أن الشباب، وهم الفئة الأساسية في البلاد، ما زالوا بعيدين عن مواقع الإنتاج ومؤسسات التشغيل، ويتضاعف قلقهم بأن وطنهم لم يعد حاضناً لهم، وهم الذين سيعول عليهم في بناء مستقبله، والمحافظة على تماسكه. وحتى الطبقة الوسطى التي ظلت على الدوام مميزة للمجتمع التونسي، وصمام أمان لمناعته واستقراره، طالها الإضعاف والتآكل، من جراء عملية التفقير التي ألمت بالنسيج الاجتماعي العام للبلاد. أما إيرادات السياحة وتحويلات المهاجرين في الخارج، فأصيبت بدورها بالتراجع والانكماش، ولم تعد مصدر قوة للدخل العام للبلاد، ودعامة لتنشيط الاقتصاد وحركية الإنتاج.

 

 

 

الصورة العامة لأحوال تونس عشية حلول الذكرى السابعة لسقوط النظام، لا تُقنع بوجود تقدم نحو تحقيق مطالب "ثورة الياسمين"، ولو في حدها الأدنى


لا شك أن الصورة العامة لأحوال تونس عشية حلول الذكرى السابعة لسقوط النظام، لا تُقنع بوجود تقدم نحو تحقيق مطالب "ثورة الياسمين"، ولو في حدها الأدنى.. بل إن الواقع يقول إن ثمة وضعاً شبه محجوز تعيشه تونس ويعايشه التونسيون، وأن الأمور تدور في حلقة مفرغة. وإذا كان لهذا القول نصيب من الصحة، كما يذهب الكثيرون، فإلى أي سبب أو أسباب يمكن إرجاع ما حصل؟ وهل يمكن الحكم على "الثورة" بما آلت إليه استنادا على هذه السنوات؟ أم أن السيرورات الانتقالية التي تعقب الثورات؛ تعرف في عمومها مداً وجزراً، وأن تونس لا تشذ ولن تشذ عن هذه القاعدة، أو هذا القانون؟ ولربما ما زالت تونس في حاجة إلى مزيد من الوقت للحكم النهائي على ما حصل لثورتها؟

سيكون من غير الموضوعية الجزم في الحكم على "الثورة" التونسية بأنها فشلت تماماً، وأن لا أفق لها في القادم من الزمن. بل يقتضي الإنصاف التأكيد على أن "ثورة الياسمين" حققت كثيرا من الإنجازات، أبرزها أنها كانت سلمية، فحافظت للدولة على هيبتها ومؤسساتها، كما منحت المجتمع، بمختلف مكوناته وتعبيراته، مساحة واسعة من الحريات، أذكت روح الحوار والنقد والمتابعة في نسيجه العام، والأجدر من كل ذلك مكنت التونسيين من تحقيق تعاقد سياسي، أفضت ترجمته الفعلية إلى صياغة دستور تعاقدي، يمكن وسمُه، بدون تردد، بأجود الدساتير العربية الجديدة.

 

 

 

الإسلاميون الذين شكلوا قوة وازنة، شهدوا تغيراً غير مفهوم للعديد من التونسيين، وبشكل أكثر وضوحا بتحالفهم القوي، وأحيانا غير المشروط، مع "نداء تونس"


ما يمكن التوقف عنده، عند استحضار ما أنجز بعد سبع سنوات من قيام الثورة في تونس، هو الأعطاب التي حالت دون تعزيز الإنجازات السياسية والمؤسساتية بإنجازات اقتصادية واجتماعية، أي تعضيد "السياسي" بـ"الاقتصادي والاجتماعي". لا نجد مرة أخرى مصدرا قويا ومقنعاً للتفسير سوى "السياسة" ومعطياتها. فالملاحظ أن "الإسلاميين" (حزب النهضة) الذين شكلوا قوة وازنة، وما زالوا قوة راجحة في تونس، شهدوا تغيراً غير مفهوم للعديد من التونسيين في الثلاث سنوات الأخيرة، وبشكل أكثر وضوحا منذ الخريف المنصرم، بتحالفهم القوي، وأحيانا غير المشروط، مع حزب "نداء تونس"، الذي - لدى العديد من التونسيين - ليس سوى نسخة منقحة للحزب الذي ساد خلال حكم "ابن علي". ربما لأن النهضة وجدت ضالتها في ممارسة السلطة، وتتخوف من إضاعتها، بعدما توسعت شهيتها، وقد حصل هذا للعديد من الأحزاب، بما فيها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، أو ربما رأت في التحالف مع نداء تونس حماية لاستمرارها، بعدها أخرجت نظيراتها من الحركات الإسلامية من دواليب السلطة ووقع التنكيل بها، كما حصل في مصر.. ففي كل الأحوال هناك تحالف، يرى فيه الكثير من التونسيين طريقاً إلى القضاء على ما تبقى من مطالب الثورة وآمالها.