صحافة دولية

واشنطن بوست: ما هي حقيقة العلاقة بين ترامب وبانون؟

واشنطن بوست: بانون لم يكن مجرد "موظف" بل كان موجها لترامب- أ ف ب

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحافي الاستقصائي مايكل كرانيش، يقول فيه إن وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء لستيفين بانون على أنه مجرد "موظف"، وأنه لم يكن له دور في "انتصارنا التاريخي"، ما هو إلا المحاولة الأخيرة لتصوير من كان مستشاره يوما ما لاعبا غير مهم، ولم يكن له أي أثر على سياساته. 

 

ويستدرك كرانيش قائلا إن "الحقيقة، بحسب أصدقاء الطرفين، هي أن بانون كان الشخص الموجه لترامب لسنوات، عندما بدأ مقاول نيويورك بالتفكير في الترشح للرئاسة".   

 

وينقل الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، عن سام نانبيرغ، الذي رتب عدة اتصالات هاتفية بين بانون وترامب منذ عام 2013، قوله إن الرجلين لم يستغرقا وقتا طويلا حتى أصبحا صديقين أيديولوجيين حميمين، وأضاف نانبيرغ أنه في الوقت الذي لم يكن يعد فيه ترامب مرشحا ممكنا، فإن بانون أخذه بجدية، وروج له على موقع "بريتبارت نيوز"، الذي كان يديره. 

 

ويشير كرانيش إلى أنه من تلك الأيام الأولى فإن بانون شجع ترامب على دخول السباق للبيت الأبيض، وفي الأشهر الأخيرة من الحملة قام بإدارتها عندما كانت فرصها في النجاح تبدو ضئيلة جدا.

 

ويقول نانبيرغ، الذي عمل لترامب مستشارا سياسيا ومستشار شؤون عامة، إنه في الوقت الذي تسلم فيه بانون الحملة فإنها كانت "في أزمة شديدة، ولا أعتقد أنه كان بإمكان الرئيس أن يفوز في النهاية دون ستيف بانون". 

 

ويجد الكاتب أنه "من الممكن، إن لم يكن من المحتمل، أن يتحد ترامب وبانون قريبا، فتاريخ الرئيس حافل بالتصالح مع أصدقائه الذين انتقدهم بشدة، لكن الآن لا يبدو أن العلاقة ممكنة، خاصة بعد الكشف الذي جاء به كتاب مايكل وولف الجديد (النار والغضب: داخل البيت الأبيض في عهد ترامب)، حيث نقل الكتاب عن بانون قوله بأن اجتماع ابن دونالد ترامب بالمحامية الروسية في (ترامب تاور) في حزيران / يونيو 2016، يعد (خيانة)، ورفض بانون التعليق يوم الأربعاء على الموضوع".

 

وتلفت الصحيفة إلى أن جون ثورنتون، وهو زميل بانون سابقا في "غولدن ساكس"، الذي يصفه بانون بأنه "معلم"، رأى بانون يعمل بشكل قريب من ترامب خلال الفترة الانتقالية في الأيام الأولى من الإدارة، وقال في مقابلة معه يوم الأربعاء إنه كان معجبا بسلاسة العلاقة بين الرجلين، وكيف كان الرئيس يستمع لاستشارات بانون في قضايا مختلفة من الاقتصاد إلى الصين.

 

وأضاف ثورنتون: "لقد كانت علاقة صحية متفاعلة جدا وحميمة، وهو ما يمكن أن تتوقعه بين شخص فاز للتو في الانتخابات والشخص الذي أدار الحملة.. وما من شك أنه (بانون) كان شخصية مركزية، وكان يساعد الرئيس على تحقيق أهدافه".

 

وينوه كرانيش إلى أنه تم تعريف بانون على ترامب عام 2010 عن طريق ديفيد بوسي، الذي صعد نجمه بصفته بطلا في تسعينيات القرن الماضي، عندما كان يعمل في الكونغرس، وساعد عندما كان موظفا في التحقيق في شؤون الرئيس بيل كلنتون، ثم أصبح رئيس "ستزنز يونايتد"، وهي جمعية محافظين شملت أعمالها فيلما يشهر بهيلاري كلينتون، مشيرا إلى أن بوسي رفض الاستجابة لطلب التعليق.

 

ويعلق الكاتب قائلا: "في الظاهر ليس هناك قاسم مشترك بين الرجلين، فأحدهما يحقق الشهرة والثروة أمام الكاميرات، والآخر يبني قاعدة شعبية خلفها، وكان ترامب يهتم كثيرا بشكله وهندامه وشعره، وسوق نفسه على أنه مقدم لبرنامج (ذي أبرينتس)، وفكر أكثر من مرة في الترشح لرئاسة أمريكا منذ عام 1987، إلا أنه كان يتراجع عندما يستنتج أن لا فرصة له في الفوز".

 

ويبين كرانيش أن "بانون لم يهتم بشعره ولا بهندامه، بالرغم من خلفيته في البحرية وكلية التجارة في هارفارد، والعمل في (غولدمان ساكس) وكسب الملايين من شركة البوتيك التي كان يمتلكها في هوليود (بانون أند كو)، بالإضافة إلى بيع البرامج التلفزيونية المنتهية، فحصل على الملايين من إعادة بث مسلسل الكوميدي (سينفيلد)، واستفاد في تجارته من العلمنة التي شيطنها فيما بعد، ثم قام بإنتاج أفلام انتقدت وول ستريت والمؤسسة السياسية، و(الفاشية الإسلامية)، وألقى الخطب في أنحاء البلاد، مروجا لبرنامج حزب الشاي".

 

وبحسب الكاتب، فإن علاقة الرجلين توطدت بسبب تمكنهما من أن يصبحا من النخبة الساحلية "المتعلمين والأثرياء الذين يعيشون في السواحل الشمالية والغربية للولايات المتحدة"، في الوقت الذي كانوا يقدمون فيه أنفسهم على أنهم مدافعون عن طبقة العمال الكادحة والغضب المشترك ضد المؤسسة الجمهورية.

 

ويفيد كرانيش بأن العلاقة بينهما تعززت بعد أن خسر ميت رومني السباق الرئاسي في 2012، حيث غرد ترامب على "تويتر"، قائلا لقد سلب الجمهوريون "فرصة النجاح"، وأضاف: "هذه الانتخابات زائفة ومخادعة، يجب ألا نسمح لذلك بالحدوث، إن العالم يسخر منا"، وقبل حملته غرد ترامب قائلا: "يجب أن نزحف إلى واشنطن لنوقف هذه المهزلة، إن شعبنا منقسم تماما".

 

ويذكر الكاتب عن أنه في العام ذاته أصبح ستيف بانون مديرا لـ"بريتبارت نيوز"، وقام بإعادة تشكيل الموقع إلى موقع يتبنى الآراء القومية، وبعد ذلك أعلنه "منصة لليمين المتطرف"، وأصبح الموقع يجذب إليه القوميين البيض، مع أن بانون أنكر الاتهامات بأنه يثير الآراء العنصرية. 

 

ويشير كرانيش إلى أنه بعد انتخابات عام 2012، بدأ ترامب بالتفكير ثانية في الترشح، وبدأ بالحديث مع بانون حول الموضوع، ومع حلول عام 2015 لم يعد هذا الكلام سرا، حيث بدأ ترامب يظهر في برامج بانون على الراديو، وكان يناقش سياساته، خاصة ما يتعلق بالهجرة في تلك البرامج، واعترف بانون في وقتها بتعرضه "للسخرية"؛ بسبب اقتراحه ترشح ترامب، لكنه كان يعرف أن لدى ترامب إمكانية جذب التأييد.

ويكشف الكاتب عن أنه عندما بدأت حملة ترامب الانتخابية كان بانون يقدم النصح دائما له ولزوج ابنته جارد كوشنير، وفي الوقت ذاته كان يروج على موقع "بريتبارت" لترشحه، لافتا إلى أنه عندما ظهر أن الحملة تسير نحو الفشل، فإن ترامب قام بتوظيف بانون في آب/ أغسطس 2016 مديرا للحملة، و"هو ما أعطى بانون تحكما في الرسالة الصادرة عن الحملة واستراتيجيتها، ودفع بانون ترامب مزيدا نحو اليمين، ودفعه لمحاربة هيلاري كلينتون بلا هوادة".

 

ويلفت كرانيش إلى أن "استراتيجية بانون نجحت، وكافأه ترامب بأن جعله مسؤول الاستراتيجيات في البيت الأبيض، وهو دور كبير وضعه في صراع مع جارد كوشنر، الذي عينه ترامب كبير مستشاريه، وكان بانون عمل مع كوشنر بشكل جيد خلال الحملة، لكنهما اختلفا في البيت الأبيض، ففي الوقت الذي دفع فيه بانون نحو سياسات مثل الخروج من اتفاقية الانحباس الحراري كان كوشنر وزوجته إيفانكا مؤيدين للاتفاقية".

 

وتورد الصحيفة أن بانون قام بمهاجمة الإعلام لدى وصوله إلى البيت الأبيض، وقال في مقابلة مع "نيويورك تايمز": "الاعلام هو الحزب المعارض، ولا يفهمون هذا البلد، ولا يزالون لا يفهمون لماذا أصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة".

ويبين الكاتب أن "هذا الهجوم أفرح ترامب، لكن بانون ظهر بعد ذلك على غلاف مجلة (تايم) وتحت صورته العنوان (المناور الأعظم)، وهو تصوير له بأنه العقل المدبر خلف الرئيس، واشتهر عن ترامب أنه يجمع أغلفة المجلات التي يظهر عليها ويعلقها في مكتبه في (ترامب تاور) وينزعج عندما تعزى إنجازاته لغيره، وانتقد أعداء بانون في البيت الأبيض، بمن فيهم كوشنر، ظهوره على غلاف المجلة". 

ويقول ثورنتون إنه في الوقت الذي قد تحير فيه علاقة ترامب ببانون البعض، إلا أن هناك "صورة أكبر" تبدو منطقية بالنسبة لبانون، ويضيف: "بانون يرى نفسه رئيسا لحركة، ويرى ترامب المستفيد من تلك الحركة في هذا الوقت.. ويرى بانون نفسه مساعدا لترامب في البقاء صادقا مع تلك الحركة، وإن انحرف ترامب أو إدارته عن الحركة سيقوم بانون بالهجوم، وإن بقي ترامب وفيا فسيبقى بانون معه".

 

ويعلق كرانيش قائلا: "يبدو أن العلاقة ساءت في آب/ أغسطس، عندما نقل عن بانون قوله خلال مقابلة مع مجلة (أميركان بروسبيكت): (ليس هناك حل عسكري) لمقدرة كوريا الشمالية النووية، فقام ترامب بعزله، لكن بانون يقول إنه استقال، ثم قال بانون لـ(ويكلي ستاندرد): (إن رئاسة ترامب التي حاربنا لأجلها وكسبناها، انتهت، ولا تزال لدينا حركة ضخمة، وستحقق شيئا من رئاسة ترامب، لكن تلك الرئاسة انتهت، وستكون هناك أشكال الصراع كلها، وستكون هناك أيام جيدة وأيام سيئة، لكن الرئاسة انتهت".

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن الأخبار جاءت بعد ذلك يوم الأربعاء عن كتاب وولف، حيث قال الرئيس عن مسؤول استراتيجياته السابق بأنه "فقد عقله".