قضايا وآراء

الاحتلال يشن حربا ممنهجة على غزة من غير إعلان

1300x600

حافظت المقاومة على خاصية الردع طيلة عشر سنوات مضت بين الحروب، أو في مساحة سبقت نية الاحتلال اغتيال شخصية وازنة كما حصل في العام 2012 حين قرر الاحتلال اغتيال القيادي في حماس الجعبري.

منهجية الردع صمدت بعد الحرب الأخيرة بشكل لافت، لكن منذ عام غير الاحتلال قواعد حربه على غزة بمنهجية أطلقت عليها القناة الثانية العبرية "الحرب الهادئة" والتي يمكن تلخيصها بأنها "إفقاد المقاومة عناصر قوتها، من خلال هجمات مركزة، تأتي بعد عمليات إطلاق للصواريخ من قطاع غزة".

قائد أركان الجيش الصهيوني أكد على هذا المعطى بعد اتهام الإعلام الصهيوني الجيش بعبثية العمل ضد حماس في غزة قائلا: "كل رصاصة وغارة على قطاع غزة تتم في الشهور الماضية، كانت تستهدف موقعا مهما للعدو".

هذا الحديث أيضا ما أكده وزير حرب الاحتلال ليبرمان في تصريح نقلته القناة العاشرة قال فيه: "لن نسمح للمخربين بالمس بأمن السكان، وما نقوم به يأتي في سياق دفاعي ممنهج ضد هذه القوى". 

ومن خلال المتابعة رصد خلال الأشهر الثمانية الماضية 37 اعتداء مركزا على قطاع غزة كان أهمها:

أولا: اغتيال الشهيد مازن الفقهاء في العام 2017، هذه العملية وبرغم استخدام التمويه فيها عبر أداة الاستخدام، إلا أنها شكلت تحولا مهما في منطق المواجهة مع كتائب القسام، وخلقت إمكانية لتصعيدها في ساحات أخرى.

ثانيا: استهداف نفق الجهاد الإسلامي نهاية العام 2017، مثل هذا الهجوم العلامة الأبرز في الاستهداف الواضح للمقاومة، الأمر الذي فتح شهية الاحتلال لمواصلة سياسة تقليم الأظافر مع مقاومة غزة، لإدراكه أن الانضباطية العالية بسبب الظروف المحيطة تتيح له تسريع عمليات الاستهداف لمواقع حيوية.


ثالثا: غارة على مواقع منتقاة للقسام في شهري 11 و12 بعض هذه الغارات ارتقى فيها شهداء، حيث شكلت هذه النمطية تأكيد سلوك الاحتلال في ضرب مواطن المقاومة، ومصانع تسليحها، وإنفاقها بهدوء.

لكن التحول الجديد هو بيان الجيش الصهيوني الصادر فجر اليوم، والذي أعلن حربه على مواقع المقاومة وتغيير قواعد المواجهة إلى العلن خاصة في جانب توسيع مدار الاستهداف عبر قصف الليلة الماضية لنفق وصفه الاحتلال بالهجومي والاستراتيجي.

هذا الإعلان له ما بعده، كونه بات يرسي منهجية الحرب الهادئة، إذ لم يربط الهجوم بحوادث إطلاق الصواريخ، بل توعد بمواصلة مكافحة الأخطار كما أشارت إلى ذلك صحيفة معاريف صباح اليوم.

هذا التسلسل أردناه للوصول إلى تحليل شكل الحرب القائمة على غزة والتي يمكن إجمال صورها عبر الآتي: 


أولا: استمرار الحصار على غزة، عبر إضعاف بيئة المقاومة وتصديعها وإتاحة اختلالات فيها يتعذر معها الصمود أو اتخاذ خطوات مهمة للمواجهة.

ثانيا: التعاون مع الإقليم وجماعات منحرفة، لضرب خطوط إمداد المقاومة الفلسطينية للحد من تطوير القدرات الذاتية.

ثالثا: ضرب مواطن القوة والأنفاق عبر الاعتماد على سياسة التدمير، وبناء الحائط الأمني القادر على إيقاف امتدادها داخل الأرض الفلسطينية.

رابعا: تدمير مكامن التسليح وبعض مصانع المقاومة ودشمها من خلال عمليات قصف مركز يؤثر على تموضع المقاومة ويصيبها باستنزاف عال.

خامسا: خلق بيئة أمنية غير آمنة عبر منهجية من تجنيد العملاء على الأرض الأمر الذي يمكن الاحتلال من قياس قوة المقاومة، وضعفها وجوانبه.

سادسا: ليس من المستبعد التطور للوصول لبعض عمليات الاغتيال الممنهج لبعض الشخصيات التي لها حضور مقاوم مهم على الأرض.

هذه النقاط تأتي في سياق أوسع، يتصل بحركة الحصار على المقاومة في الخارج والمتابعة لمصادر تمويلها، وطرق إمدادها بشراكة مع أنظمة باتت معروفة ويمكن الإشارة إليها بشكل جلي.

المقاومة والسيناريوهات المتوقعة لسلوكها في المرحلة القادمة

أولا: امتصاص الضربات لفهم حركة الإقليم وخطورة الواقع، الأمر الذي يفتح شهية الاحتلال للاستمرار وتوسيع ضرباته العلاجية الماسة.

ثانيا: اعتماد منهجية توسيع رقعة المقاومة.. هذه المنهجية من الواضح أنها لم تحصد نجاحا في ظل البيئة الأمنية في الضفة الغربية، الأمر الذي لا يشكل معها متغيرا قادرا على تصحيح التوازنات على الأرض.

ثالثا: اعتماد تحريك البيئة المجتمعية باتجاهات مختلفة منها الحدود العربية لفكفكة الحصار وإرسال رسائل هادئة للإقليم، الأمر الذي يتوقعه الاحتلال ومصر، برغم حساباته المتشعبة في ظل الواقع الحالي.

رابعا: تسييل واسع لجبهة غزة الأمر الذي يتوقعه الاحتلال ويراه مقدمة لحرب على غزة، في ظل ظروف إقليمية معقدة، لكنها في ذات الوقت فرضية مرجحة في حال استمر الواقع الأمني القائم.


خامسا: تصعيد مؤقت مفتوح.. هذه الفرضية يبدو أن الحالة تدفع بها، برغم الانضباطية العالية، لكن من الواضح أن جرأة الاحتلال باتت تأخذ القطاع إلى هذه المساحة الخطرة. 


سادسا: رسائل الحلفاء ومتانة الجبهات المحيطة؛ سيناريو يظل ضعيفا على خطوط الشمال لكن ظروف الواقع في المنطقة يبدو أنها تدفع نحو تطور هذه الفرضية.

خلاصة الأمر 


ما بين الحرب غير المعلنة وما بين صبر المقاومة مساحة تضيق، لكن في ذات الوقت التقدير بأن المقاومة على الأرض لن تستطيع احتمال مستوى التصعيد القائم، هذا الواقع سيفرض أشكالا من الردود المحسوبة في منطقة رمية سائلة.

الاحتلال يرى أن هناك زحفا سيتحول إلى شكل من أشكال المواجهة ولو بعد حين، حتى في ظل إدراك أن الحالة العامة والإقليمية ليست في صالح المقاومة في هذه المرحلة.


المعادلات المنضبطة في هذه القضايا تفتقد العلمية الدقيقة، فرب ساعة جنون تغنيك عن ألف تقدير من عاقل، هذه هي واقعية الشرق المحترق اليوم.