كتاب عربي 21

انتصرنا.. انتصرنا.. انتصرنا!!

1300x600

لم أتمالك نفسي، ووجدت ابتسامة تغزو وجهي وأنا أقرأ اسم المؤتمر أو المنتدى أو الاجتماع أو سمه ما شئت، الذي اختاروا له اسما ناصريا كوميديا (حكاية وطن)، وهو اسم قريب من اسم أغنية (حكاية شعب). 
 
اسم المؤتمر الذي يكاد يستعلن بناصريته، جعلني أسرع إلى البحث عن الأغنية، والحقيقة أنه هالتني حالة الاستحواذ الكاملة على عقول المشاهدين التي شاهدتها في فيديو الأغنية. وربما يعود هذا في جانب كبير منه إلى عدم وجود أصوات مخالفة، ففي ذلك العصر كان النظام يستحوذ بالكامل على كل منابر الرأي. 
 
في الفيديو، وفي لحظات معينة، وبعد أن تجول بالجمهور بين الكلمات والنغمات، وصل عبد الحليم حافظ إلى نقطة رفع فيها ذراعيه في حالة من الاندماج الكامل هاتفا (انتصرنا.. انتصرنا.. انتصرنا.. يوم ما هب الجيش وثار) وإن لم تخني الذاكرة، فالأغنية كانت عن السد العالي، أي أنها انتجت بعد هزيمة 1956، التي أمر عبد الناصر في بدايتها بالانسحاب من سيناء. 


ورغم هذا، كانت تبدو على الجمهور في اللقطات القصيرة التي استعرضتها الكاميرا في الفيديو حالة من الانسجام مع الأغنية، بل إنك ستجد بعضا منهم يتمايلون مع الكلمات. وستجد أحدهم واقفا يرقص طربا بينما عبد الحليم يكرر (والحصار الاقتصادي برضه ما ذلش بلادي)!! 
 
وهكذا، وبعمل غنائي جرى الإعداد له جيدا كما هو واضح بمقاييس تلك الأيام، نجح نظام عبد الناصر في تسويق هزيمة 1956 على أنها نصر مذكرا تلك النسبة من الجمهور التي ربما كانت لتتساءل عن أي نصر تتحدث الأغنية أن النصر المقصود كان (يوم ما هب الجيش وثار وأشعلها ثورة نور ونار). 
 
كانت الهزائم العملية تتوالى بينما تنهال على الجمهور الانتصارات الغنائية التي يصدق معها فعلا أن ما حدث كان (ضربة من معلم.. خلت الاستعمار يسلم) كما تقول كلمات الأغنية ثم ينصرف معها إلى فراشه منتشيا وهو قد شعر أن الاستعمار استسلم وأن الحياة وردية اللون وأنه ليس في الإمكان ألطف مما كان. 
 
هي أجواء لا فرق بينها وبين الأجواء التي وقف فيها عسكري الانقلاب ليحدث الناس عن إنجازات وهمية وعن تشغيل ملايين الشباب وإقامة 11 ألف مشروع بمعدل ثلاثة مشاريع يوميا!! 
 
لا فرق بين تلك الأجواء وبين ما يحاول الانقلاب صناعته الآن إلا في الجودة، فبينما كان عبد الحليم حافظ يستطيع إقناع الناس بالانتصارات والإنجازات، لم يبدُ عسكري الانقلاب قادرا حتى على الاقتناع بما يقوله.


بدا الأمر، وكأنهم يحاولون بعث الحياة في مشهد قديم قُدِّمَ على مسرح غطته خيوط العنكبوت وعلت ديكوراته الأتربة. كان استحضار هذه الأجواء باستخدام اسم درامي كهذا مجلبة للسخرية، فالحكاية الحقيقية للشعب ترويها مجازر رابعة والنهضة ومجزرة عربة الترحيلات. 
 
الحكاية الحقيقية للشعب ترويها تلك المشاهد التي توقف عندها كل شيء ولم يغادرها ولو ادعوا العكس. حكاية الشعب الحقيقية ترويها نظرات الرئيس مرسي وهو يدق بيده وملامح وجهه تمتلئ بإصرار نبيل وهو يقول (ليعلم أبناؤنا أن آباءهم كانوا رجالا)!! 
 
أنا ما زلت أحار في الحقيقة من تلك القدرة الأسطورية على ترتيب الأكاذيب في عدة صفحات والوقوف أمام الكاميرات لسردها. أتعجب حقيقة من هذه القدرة على الحديث عن 11 ألف مشروع وتشغيل ثلاثة ملايين ونصف شاب، بعد أيام من دعوته لتحلية مياه الصرف الصحي. 
 
كان من المضحك أن نشاهد عسكري الانقلاب وهو يتحدث عن آلاف المشاريع بعد أسابيع من افتتاحه خط الجمبري العسكري. وكان من الكوميدي أن يسموا المؤتمر بذلك الاسم الدرامي بينما شبح سد النهضة يخيم على مصر.