قضايا وآراء

خيارات الرُّوس بعد سوتشي

1300x600

على وقع طبول الحرب في الغوطة الشّرقيّة وريف إدلب، تعقد روسيا مؤتمر سوتشي بعد أن أحضرت من تستطيع، بهدف تحقيق "السّلام" في سوريا وفق المزاعم الرّوسيّة، سلامٌ تريده روسيا على نموذج غروزني.. "دمّر وأحرق كل شيء، ولا شيء للمهزوم". فهل ينجح الرّوس عبر "سوتشي" في مسعاهم، ويطبّقون سلام غروزني في سوريا؟

 

المؤتمر فشل قبل أن يُعقد لأنّه افتقد لشرطين مهمّين لإنهاء الصّراع..


تثبت المعطيات - حتى الآن - على نجاح الرّوس في تطبيق سياسة الأرض المحروقة للمدن السوريّة، تماماً كحال غروزني، لكنّ مؤتمر سوتشي وما سبقه يوضح فشل الرّوس في الخروج من المستنقع السّوري بحلٍّ سياسي روّجت له كثيراً. فالمؤتمر فشل قبل أن يُعقد لأنّه افتقد لشرطين مهمّين لإنهاء الصّراع..

- فَقَدَ المؤتمرُ شرط النّدية، سواء من حيث الحضور أو الوضع الميداني؛ فلا يرجى خير من مؤتمر غالبية الحاضرين السّاحقة فيه موالية للنظام أن يسفر عن مخرجات لا يرضاها الأسد، كما يعقد في ظل وضع عسكري صعب جداً للمعارضة السّوريّة. فلا مقارنة بين قوّة النّظام "روسيا" وقوّة المعارضة السّورية، بعد سنوات من التّدخل الرّوسي والإيراني. فعقدُ الرّوسِ للمؤتمر بعد اختلال الموازين العسكرية؛ هدفه إجبار المعارضة القبول بالحلول (الإملاءات) الرّوسية.

- غياب الحياديّة، فالرّاعي لسوتشي طرف رئيس في الصّراع، وغير مؤهل لإنجاح مؤتمر سلام، ولا سيّما أنّه يمارس الدّكتاتورية في بلده، فلا يصلح أن يلعب الرّوس دور الخصم والحكم في آن.

يكفي هذان السّببان لجعل مؤتمر سوتشي مؤتمراً للاستسلام لا السّلام؛ لو حضرته المعارضة السّوريّة ووافقت على مخرجاته.

 

لم يستطع الرّوس إضفاء أيّة شرعيّة وغطاء سياسي لسوتشي؛ الذي أرادت منه أن يكون نهاية سياسيّة ناجحة للقاءات أستانة بعد قضم مناطق المعارضة


فالمؤتمر لا يهدف لإخراج القضيّة السّورية من مظلّة الأمم المتّحدة فحسب، رغم ادّعاءات الرّوس الخادعة تمسكهم بالشّرعيّة الدّوليّة، إنّما يهدف أيضا لخطف القضيّة السّوريّة برمّتها، وجعلها مسألةَ خلافات داخليّة بسيطة حول وزارة هنا وتعديل مادة دستوريّة هناك؛ بإمكان الروس وبعض الحلفاء في الإقليم حلّها بالتّعاون مع نظام الأسد "الشرعي"، وفق المنطق الرّوسي.

وأخفق الرّوس في تحقيق مبتاغهم من "سوتشي"، إذ لم يستطع الرّوس إضفاء أيّة شرعيّة وغطاء سياسي لسوتشي؛ الذي أرادت منه أن يكون نهاية سياسيّة ناجحة للقاءات أستانة بعد قضم مناطق المعارضة، ومحاصرتها في جيوبٍ ما زال يجري قضمها جيباً تلو الآخر، وما بلدة "أبو الظهور" إلا مثال على ذلك.

تمثل الفشل الثّاني للروس في رفض المعارضة السياسيّة وحضور المؤتمر، رغم ما تعرضت له من ضغوط واتهامات الإقرار بالهزيمة السياسيّة. وأطلق هذا الرَّفضُ رصاصةَ الرَّحمة على سوتشي، حيث بانَ خواء الدّبلوماسية الرّوسيّة وعجزها عن الحلّ السّياسي منفردة، وظهر أنّها لاعب في الصّراع ليس بيده إلّا خيط واحد من خيوط الحل.

وهذا يقودنا لفتح دوائر أخرى أسهمت في إفشال أهداف الرّوس من "سوتشي" وبيان الأطراف التي تمسك ببقية الخيوط. منها:

 

تزداد خشية إيران كلّما ازداد النفوذ الروسي؛ لأنّه سيكون - بلا شك - على حسابها


الرّفض الإقليمي الضّمني للمؤتمر حتّى من حلفاء روسيا، فإيران التي تراقب مؤتمر سوتشي بعين؛ تُراقب بالعين الأخرى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على رأس وفد ضمّ شخصيات عسكرية أمنية إسرائيليّة لموسكو، حيث تزداد خشية إيران كلّما ازداد النفوذ الروسي؛ لأنّه سيكون - بلا شك - على حسابها. ويدرك الإيرانيون مهارة الرّوس في بيع الحلفاء، وليس مثال عفرين عنها ببعيد.

وليس موقف الأتراك ببعيد عن الموقف الإيراني، حيث اكتفت تركيا بتوجيه نصيحة للهيئة العليا للمفاوضات بالتّوجه لسوتشي، دون ممارسة أيّة ضغوط حقيقيّة. وهذه النّصيحة تندرج في إطار مجاملة روسيا من أجل كسب ودّها في معركة "غصن الزّيتون"، ومواقف المجاملات لا تحلّ قضيّة السّوريين. إذ يعتقد الأتراك أنّ الحل النّهائي يكون بإشراف الأمم المتحدة، وفق تعبيرهم. فهم يؤمنون بأن ترك الخيار لروسيا منفردة يعني بقاء الأسد، وهو أمر مرفوض.

وكشف بيان الدّول الخمس الذي سبق المؤتمر مواقف السعوديّة والأردن، واصطفافها خلف الولايات المتّحدة في ضرورة الحل عبر قنوات الأمم المتحدة بعيداً عن ضغوط الدّول.

كما كشف بيان الدّول الخمس مواقف فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لسوتشي وما يصدر عن سوتشي، ورفض الدّول الحضور، ولو بصفة مراقب، يوضح مقدار المأزق الرّوسي وتغريدها خارج السّرب. فالموقف الأمريكي كان واضحاً من خلال تصريح المسؤولة الإعلامية في السفارة الأمريكية في موسكو، ماريا أولسون، بأنّ "الجهود المشتركة للتسوية في سوريا يجب أن تكون موجهة نحو عمليّة سياسيّة برعاية الأمم المتحدة في جنيف".

 

بوّابة أستانة ذاتها قد تنهار في أيّة لحظة؛ نتيجة ارتدادات مؤتمر سوتشي الذي بدا واضحاً للجميع أنّه محاولة مفضوحة لإعادة إنتاج النّظام السّوري


ولن يستطيع الرّوس فرض سياسة الأمر الواقع، رغم كل المكاسب العسكريّة الميدانيّة. فالاتفاقات مع تركيا ما زالت في حيز التّفاهمات، ولم ترقَ لمستوى الانسجام والعلاقات الاستراتيجيّة.

والثّمرة الوحيدة التي قد تجنيها روسيا من وراء فشل سوتشي إعطاء الشّرعية للقاءات أستانة. إذ باتت أستانة البوّابة الوحيدة للروس لتنفيذ أجندتهم في سوريا، لكن في الوقت عينِه، فإنّ بوّابة أستانة ذاتها قد تنهار في أيّة لحظة؛ نتيجة ارتدادات مؤتمر سوتشي الذي بدا واضحاً للجميع أنّه محاولة مفضوحة لإعادة إنتاج النّظام السّوري على جثث ودماء السّوريين، حيث كان مجلس سوتشي صورة مصغرة لمجلس الشّعب السّوري.