كتاب عربي 21

أحداث عدن وأجندة تقسيم اليمن

1300x600

لم يغلق ملف انقلاب عدن بعد، فقد نُفذ هذا الانقلاب المثير للجدل بتدبير مفضوح من التحالف ورأس حربته، الإمارات، وبواسطة التشكيلات العسكرية اللاوطنية التي أنشأتها أبو ظبي في المحافظات الجنوبية.

لا تزال الحكومة تصر على إجراء تحقيق في أحداث الثلاثة الأيام الدامية التي شهدتها عدن بين 28 و30 كانون الثاني/ يناير، وانتهت بفشل الانقلاب وانكشاف المهمة السيئة للتحالف العربي؛ في مقابل تطمينات صادرة عن سفير المملكة لدى اليمن، محمد آل جابر، بانتهاء الأحداث، دون النية لإجراء تغيير في الحكومة.

لكن رئيس الحكومة، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وجه رسالته مباشرة إلى المملكة العربية السعودية، ليس فقط باعتبارها قائدة التحالف، ولكن أيضاً لأنها تتحمل المسؤولية الأخلاقية عما حدث بسبب المخاتلة التي ميزت سياستها؛ وجعلت الحكومة تثق بأن الأمر لا يمكن أن يصل حد الخلاص منها، كما كان يتطلع إلى ذلك انفصاليو المحافظات الجنوبية المدعومين من الإمارات.

 

أحمد عبيد بن دغر، وجه رسالته مباشرة إلى المملكة العربية السعودية، ليس فقط باعتبارها قائدة التحالف، ولكن أيضاً لأنها تتحمل المسؤولية الأخلاقية عما حدث

ألوية الحراسة الرئاسية التي كانت هدفاً للتحركات العسكرية في عدن؛ أنشئت بدعم من المملكة العربية السعودية، وعكست بشكل أو بآخر وجود أجندتين، إحداهما إماراتية والأخرى سعودية، ورغبة خفية لحراسة المكتسبات الخاصة والدفاع عنها وقت الحاجة، رغم أن هاتين الأجندتين تتأسسان على تفاهم مشترك بتفكيك اليمن إلى أكثر من دولة.

نداء رئيس الوزراء الأخير للرياض لإجراء تحقيق فيما حدث؛ لن يلقى ارتياحاً بالتأكيد من التحالف، لكنه إن لم يأت هذا النداء في سياق تفاهم مع الرياض، فإنه إنما يعبر عن حالة يأس لا سابق لها؛ تعاني منها الحكومة، إزاء سلوك التحالف، بشقيه السعودي والإماراتي معاً، لذا لم يعد لدى الحكومة ما تخسره وهي تواجه ما يشبه الحصار لمقرها الرئيس، والمنعزل أصلاً، والواقع في حضن جبل شمسان يسمى المعاشيق، بجنوب المدينة.

 


فضيحة التآمر على الحكومة من جانب التحالف، والذي وصل حد تقديم الدعم العسكري النوعي للمتمردين الانفصاليين في عدن، كشف من جهة ثانية؛ عن وجاهة المقترح الذي يجري تداوله بين لندن ومسقط والرياض وأبو ظبي، والذي يسوق لدولة يمنية من ثلاثة أقاليم، هي إقليم صنعاء، وإقليم عدن، وإقليم حضرموت.

 

لم يعد لدى الحكومة ما تخسره وهي تواجه ما يشبه الحصار لمقرها الرئيس، والمنعزل أصلاً، والواقع في حضن جبل شمسان يسمى المعاشيق

يقضي هذا المقترح بضم جزء مهم وحيوي من محافظة تعز يشمل المنطقة الممتدة من مضيق باب المندب وحتى ميناء المخاء، وعزل الكتلة السكانية الكبيرة في تعز عن الساحل والمنفذ البحري، وضمه إلى إقليم عدن الذي سيضم أيضاً أرخبيل سقطرى؛ حيث تسابق أبو ظبي الزمن لإضفاء الملامح الإماراتية على هذه الجزيرة على كافة المستويات.

مقترح التقسيم يتجاوز مشروع الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي استند إلى حالة وفاق في مؤتمر الحوار الوطني، ومعه يتجاوز المرجعيات المهمة، وفي المقدمة منها قرارات مجلس الأمن الدولي التي شددت على وحدة التراب اليمني.

إنه بالضبط الوصفة التكتيكية لخارطة النفوذ الإقليمي في اليمن، حيث تطمح السعودية - في مقابل النفوذ الإماراتي في عدن وباب المندب - لفرض نفوذها في حضرموت، وإحياء فكرة القناة المائية التي تربط بين الخليج العربي وخليج عدن، عبر محافظة المهرة، الأمر الذي يفسر التواجد العسكري الكبير للسعودية في هذه المحافظة الهادئة والمستقرة إلى حد كبير؛ على هامش الحرب الدائرة في البلاد.

 

إنها بالضبط الوصفة التكتيكية لخارطة النفوذ الإقليمي في اليمن، حيث تطمح السعودية - في مقابل النفوذ الإماراتي في عدن وباب المندب - لفرض نفوذها في حضرموت

شخصيات يمنية بارزة بدأت تطرح علناً آراء تصب في إطار التحذير من مقترح كهذا، وتدعو إلى التضامن مع الحكومة المستهدفة بالحصار السياسي والاقتصادي الشاملين.

وهذا الذي يدفع الحكومة على وجه الخصوص إلى أن تُصعد في وجه المؤامرة التي استهدفتها في عدن، وتصر على الاستمرار في النقاش الرسمي مع التحالف حول دوافع الأحداث العسكرية الدامية التي اندلعت تنفيذا لهذه المؤامرة.

 

من المرجح أن تتسع دائرة الرفض والغضب لتشمل معسكر الشرعية الذي كان يهادن من أجل أن تصل الأمور إلى نهايتها؛ دون كلفة بشرية واقتصادية عالية


لقد غامر طرفا التحالف في طرح أفكار ومخططات خطيرة بشأن مستقبل اليمن، وفي المقابل تصاعدت لهجة الحكومة، ومن المرجح أن تتسع دائرة الرفض والغضب لتشمل معسكر الشرعية الذي كان يهادن من أجل أن تصل الأمور إلى نهايتها؛ دون كلفة بشرية واقتصادية عالية.

لكن هذا المعسكر لن يتردد في مواجهة الكلفة الاستراتيجية غير المحتملة لطموحات الأباطرة الجدد والمراهقين في منطقتنا المفتوحة على كل الاحتمالات السيئة.