قضايا وآراء

متى نشيع الثورات المضادة؟!

1300x600
خرجت أعداد كبيرة من الليبيين في العديد من المدن؛ احتفالا بذكرى ثورة 17 فبراير الليبية. الأمر الذي يطرح استفسارا مهما عن نوعية الاحتفالات التي يمكن أن تقام في بلد يشهد صراعا مسلحا على السلطة، في ظل سردية تسري من سوريا إلى مصر ومن اليمن إلى ليبيا، وهي أن الثورات العربية قد انتهت وأن الشعوب قد ندمت عليها. والحقيقة أن الأمر أعقد من هذه السردية، ويمكن التعبير عنه ببساطة وعفوية مواطنين ليبيين يقولون إن ذكرى الثورة مناسبة تستحق الاحتفال، أما النتائج النهائية المأمولة فمن المبكر الحديث عنها الآن.

لم تستطع الثورات المضادة أن تتجاوز شرعية الثورات الحقيقية التي انطلقت في 2011. وليس أدل على ذلك من أن الدستور المعدل ما بعد الانقلاب في مصر - على سبيل المثال - نص صراحة على مرجعية ثورة 25 يناير. الأمر نفسه كرره عبد الفتاح السيسي في خطابه أثناء تنصيبه رئيسا. وتنطلق الأصوات الإقصائية في تونس من مرجعية ثورة الياسمين. أي أن الثورة العربية الحديثة دشنت مرجعية لا يمكن تجاوزها على الأقل على المستوى النظري، وهي لا تملك مالا ولا سلاحا يضاهي إمكانات الثورة المضادة ومن شايعها.

ويعد جزءا من هذه الشرعية الشعبية أن البديل السابق على الثورة لم يكن بأحسن حال؛ مهما حاولت بعض الأصوات هنا أو هناك الترويج لذلك. فلم تكن سوريا مرشحة لأي تحول ديمقراطي في القريب العاجل، وإنما انفجار مؤجل بسبب الوضع الاقتصادي. كذلك الحال في مصر، فعبد الفتاح السيسي كان مديرا للمخابرات الحربية، وله سيطرة كبيرة على الجيش في ظل أستاذه وزير الدفاع السابق حسين طنطاوي. وكان يمكن أن يأتي للسلطة مع أي صراع بين الأجنحة إذا وصل جمال مبارك لمنصب الرئاسة. وساعتها، لم يكن ليتوانى عن قمع المعارضة كما يفعل الآن. كل ما فعلته الثورات هي أنها سرعت عجلة التاريخ، وفاجأت المستبدين، فكسبت جولة، لترغمهم على إظهار خططهم الشيطانية التي نراها الآن.

ومع هذا، لا يزعم عاقل أن الدول العربية التي قامت فيها الثورات تغير حالها للأحسن باستثناء تونس إلى درجة ما. لكن لا يمكن لمنصف أن يغفل أن الثورات المضادة تحاول خلال سبع سنوات الآن أن تطفئ شمعة أضيئت عام 2011. وتستخدم في محاولة الإطفاء هذه عشرات المليارات ومخازن أسلحة، وإمكانيات دولة دبلوماسية ومالية بسخاء بالغ. ورغم هذا لم تحقق ما تصبو إليه، والدليل أنها ما تزال مستمرة في حربها تلك وتخاف من بزوغ الثورة والثوار في أي لحظة.

إن الثورة المضادة تعتمد بشكل رئيسي على العامل الخارجي، والذي كان العامل الأبرز في محاولة إفشال تجربة التحول الديمقراطي الأبرز في العصر الحديث؛ المحمولة على كتف ثوار 2011.

وللأسف الشديد تقود السعودية والإمارات هذا الحشد الدولي الهادف لعرقلة أي تحول ديموقراطية في المنطقة العربية تحت غطاء حربها على الإخوان المسلمين. وهي موجودة بشكل مباشر بالمال والسلاح في الحالة الليبية واليمينية، وبشكل غير مباشر في الحالة المصرية والتونسية والسورية. ولا يمكن التذرع بالدفاع عن مصالحها في هذه الأماكن لتبرير هذه التدخلات السافرة التي نتج عنها مزيد من الدماء والقتل. فالدفاع عن المصالح له أشكال عديدة أهمها، وأبرزها السعي لحل الخلافات الداخلية للحصول على بعض المصالح الاقتصادية والنفوذ الدبلوماسي، وليس إثارة النزاعات والقلاقل. ولم تسجل أية محاولة من قبل هذه الدول لإصلاح الوضع الداخلي في أي من هذه الدول.

حقيقة هذا الدور للدول الداعمة للثورات المضادة يربط مصيرها بمصير هذه الدول، مما يعني أن أي تغير في طبيعة العلاقات الخارجية لتلك الدول؛ سينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على مصير الثورات العربية والتحول الديمقراطي المأمول. وهو أمر ربما يحدث إن عاجلا أو آجلا لأسباب متعددة لا يتسع المجال لذكرها. لكن بدلا من الانتظار، لا أدري لماذا يتم غض الطرف عن دور هذه الدول في إفشال التحول الديمقراطي عربيا؟ نتفهم أن يحدث نوع من الانكفاء الذاتي داخل كل بلد عربي بسبب تصارع الأحداث وتلاحقها. لكن ينبغي أن تتم تسمية الأشياء بمسمياتها، ودمج فضح دور الثورة المضادة ضمن الخطاب السياسي للديمقراطيين العرب حتى تحين اللحظة الحاسمة لنشيع الثورات المضادة إلى غير رجعة.