قضايا وآراء

عباس: علي وعلى أعدائي وعلى الفلسطينيين!!

1300x600
هاجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس حماس، في خطابه أمام اللجنة التنفيذية للمنظمة في 19 آذار/ مارس 2018، بضراوة وشراسة وبشكل لم يسبق له مثيل، زاعما أن حماس مسؤولة عما زعم أنها محاولة اغتيال رئيس حكومته رامي الحمد الله ومدير مخابراته ماجد فرج. وفي خطاب متجهم ونفسية متوترة، صب عباس جام غضبه على هذه الحركة التي خاض معها حوارا برعاية مصرية؛ أفضت إلى تنازلها عن حكم غزة وتسليم الوزارات والمعابر لسلطته، دون أن يفي هو بوعده في إعادة رواتب عشرات الآلاف من موظفي حماس بعد 2006، ودون أن يحرك ساكنا في بقية قضايا الحوار، مثل الانتخابات وإدماج هذه الحركة المتجذرة في الشارع الفلسطيني في مؤسسات المنظمة التي تهيمن عليها فتح وتتحكم من خلالها بالقرار الفلسطيني.

وذب عباس عن نفسه اتهامات المعارضة بأنه يعطل المصالحة؛ من خلال مهاجمة حماس، والزعم أنها لا تريد المصالحة ملمحا أنها تعمل على التعاون لتطبيق صفقة القرن بغزة وفق دور قال إنه يتناقض مع الأهداف الوطنية!!

واتهام حماس بتفجير غزة جاء بعد ساعات قليلة من الهجوم، دون انتظار نتائج التحقيق من الأجهزة الأمنية المختصة في غزة، ولا حتى التحقيق فيما جرى من قبل أجهزة رام الله (المتورطة قطعا بالمؤامرة)، الأمر الذي يشير إلى تورط السلطة التي لا تريد المصالحة وتسعى لتخريبها!!

من الواضح أن حماس متضررة من هذه العملية، ولذلك من المستبعد تورطها فيها. وجاء خطاب عباس الموتور متساوقا مع الاتهامات التي لم تستند لدليل، ولكن الخطورة كانت في الاتهامات بالجملة التي ساقها ضد الحركة الوطنية؛ متوعدا غزة بإجراءات عقابية جديدة في الإطار الوطني والاقتصادي ليزيد بذلك معاناة غزة.

التضحية بحماس

ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الجهد لتوجيه الاتهام للسلطة بتدبير مخطط الاغتيال ومحاولة إلصاقه بحماس، وذلك من أجل تبرير موقف السلطة المعطل للمصالحة، ومطالبة حماس بتسليم سلاح المقاومة كشرط لإتمامها، وهو شرط تعجيزي ويستدعي التسليم للعدو وتجريد الفلسطينيين من سلاحهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي!

ويريد عباس وحكومته تقديم هذا المطلب لإسرائيل، رغم أنه يعرف أنه مستبعد في المرحلة القادمة، وهناك رغبة أمريكية وعربية وإسرائيلية باستبداله لتمرير الصفقة.

ولم يتخذ الرئيس الفلسطيني إجراء جديا واضحا لمواجهة الصفقة، واستمر على مراهنته على التسوية من خلال دعوته للرعاية الدولية لأي اتفاق يتم التوصل إليه؛ يتبعه تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل.

وأضاف عباس معاناة جديدة لغزة بالإعلان عن عقوبات اقتصادية وقانونية ووطنية على غزة، من أجل ما أسماه "المحافظة على المشروع الوطني في ظل رفض حركة حماس لإنهاء الانقسام".

ويشعر عباس أن عليه أن يقطع الطرق على إتمام المصالحة التي ترعاها مصر، معتقدا أنه بهذا الإجراء يمنع مخططا إقليميا ودوليا تشارك فيه مصر وإسرائيل لاستبعاده واستبداله بشخصية أخرى؛ ربما تكون محمد دحلان وتوطين الفلسطينيين في سيناء التي ستكون امتدادا جغرافيا لغزة.

وربما دار في خلده أن حماس متساوقة مع صفقة العصر على اعتبار أن الدولة المستقلة ستضم غزة، بالإضافة إلى أجزاء من سيناء لتوطين اللاجئين. ولذلك فهو يدفع بحماس للمواجهة مع إسرائيل التي يريد إشغالها بهذا الأمر، ومنعها من استكمال مخطط صفقة القرن.

مجلس وطني للجميع

وسعى عباس باكرا لاستبعاد حماس من حضور اجتماعات المجلس الوطني، من خلال عقده في رام الله وليس الخارج، كما تم الاتفاق عليه في اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت العام الماضي. كما لم يوجه للحركة أي دعوة للحضور، رغم أن ذلك يعتبر من متطلبات إنجاح المصالحة.

ويريد عباس أن يعقد مجلسا لينال الشرعية في هذه المرحلة الحساسة له، ولا يريد أي تشويش من حماس أو البحث في إدماجها بالمنظمة، ولاحقا في اللجنة التنفيذية، حتى لا تكون معارضا شرسا وقويا لسياساته داخل المنظمة؛ بما يؤدي للتشويش على قراره الاستراتيجي بالتعامل مع المفاوضات فقط إلى ما لا نهاية.

وتعتبر حماس أهم عنصر فاعل في المعادلة الفلسطينية، رغم أن عليها فيتو مصري وعربي للمشاركة في الرسمية الفلسطينية، وذلك في الوقت الذي ترعى فيه مصر الحوار الوطني الفلسطيني، فضلا عن الحوارات المتعددة بين أجهزة المخابرات المصرية وحماس.

ولا تفكر القيادة الفلسطينية في الاستقواء بالمعارضة ولا بالشعب في مواجهة مخطط ترامب وإسرائيل الخطير على القضية وثوابتها، طالما هي متمسكة بمسار المفاوضات لا غيره.

وهذا السلوك يدل على عدم الجدية في مواجهة المخطط؛ إلا بقدر ما يحفظ وجود القيادة الفلسطينية ومنع استبدالها بقيادة أخرى فقط، مع العلم أنه لا يمكن تفكيك أو تجزيء مخطط الاستهداف الذي يشمل القضية وقيادتها.

إن خطاب عباس الأخير يدل على عدم اتزان القيادة الفلسطينية ورغبتها في التقوقع ضمن فتح لحماية نفسها فقط، دون أن تستفيد من الساحة الفلسطينية أو الدعم من قبل تركيا والأردن.

يتباكى عباس على المشروع الوطني الذي لم يفصح لنا عن ماهيته، ولكنه يتقزم إلى حماية شخصه وأولاده الذين أثروا على حساب الفلسطينيين! فالمشروع الوطني الفلسطيني يقوم على ثوابت محددة؛ ليس من ضمنها محاربة جزء من الشعب وتقديمه لقمة سائغة للعدو ومعاونة العدو على حصاره ومحاولة إخضاعه.

وعلى هذا، فقد عباس أهليته للقيادة ما يستدعي مجهودا وطنيا للبحث عن بديل له، وبالتأكيد لن يكون دحلان أو أمثاله.

حماية المكتسبات والثوابت

هناك فشل ذريع للمنظمة في مواجهة التحديات يستدعي البحث عن خيارات بديلة للمصالحة التي فشلت بسبب تعنت عباس، والمسار الأهم هنا هو التركيز على جبهة وطنية موحدة تعيد الاعتبار للمقاومة وتحمى الثوابت الفلسطينية وتتمسك بالقدس وباللاجئين وضرورة تفكيك المستوطنات؛ ضمن بوتقة موحدة تحفظ القرار الفلسطيني مستقلا وقويا، بما يشمل كل قوى الشعب الفلسطيني بما فيهم المخلصين من فتح.

ويتطلب هذا دعوة كل فصائل العمل الفلسطيني للاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة الاحتلال والتمسك بالأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، بما فيها حق تقرير المصير وحق عودة اللاجئين والدولة المستقلة. ويقف على رأس هذه الأولويات التمسك بحق المقاومة لاستعادة الحقوق المستباحة والتحلل من التنسيق الأمني مع الاحتلال.

ولا يبدو أنه هناك مستقبل لقضية الشعب الفلسطيني إلا بذلك، ومن خلال استدعاء المحيط العربي والإسلامي وتحصيل الدعم الدولي لذلك.

أما استمرار السعي خلف التسوية وخلف عباس الذي فقد صوابه، فقد ثبت أنه سراب خادع وفخ للفلسطينيين سينتهي بتجريدهم من حقوقهم.