عقب زيارة د. عبد المنعم أبو الفتوح إليّ لندن الشهر الماضي، والتي
لم أعلم بها إلا بعد عودته وما تبعها من اعتقاله فور نزوله
مصر، تلقيت اتصالا
هاتفيا من رقم الدكتور عبد المنعم وهو في السجن.
كنت وقتها أصلي العشاء في المسجد، وخرجت لأجد رقمه على هاتفي، فتعجبت
وقلت دعني أرد المكالمة. اتصلت به، فإذا بابنه أحمد يرد على الهاتف ويخبرني بأن
والده، والذي يعاني من صعوبات بالتنفس أثناء النوم ويحتاج لجهاز مساعد لضخ الهواء،
لم تسمح له إدارة السجن بذلك إلا بعد تقرير طبي. وحين راجعوا ملف الدكتور الطبي
وجدوا أن آخر تقرير طبي متكامل عن الحالة كان في عام 2010، وكان التقرير موجها لي،
حيث كنت من رتب له هذا الكشف الطبي وصحبته فيه لدي اختصاصي في لندن.
وأخبرني أحمد أنه قدم هذا التقرير للنيابة وأن رئيس النيابة طلب
تقريرا حديثا. وعدت أحمد أبو الفتوح أن أتواصل مع آخر طبيب أجرى مراجعة طبية
لوالده وأن أزوده بتقرير جديد، وقد فعلت.
في
صبيحة الْيَوْمَ التالي، وجدت اسمي منورا في القائمة
الإرهابية مع د. أبو الفتوح
ورفاقه.
الطريف
في الأمر أن أكثر من نصف القائمة لم يروا د. أبو الفتوح ولَم يتواصلوا معه، على
الأقل لسنوات، وآخرون لم يتواصلوا معه طيلة حياتهم.
لقد
شرفت بتسهيل المتابعات الطبية والعملية الجراحية للدكتور محمد مرسي وكثير من
قيادات الإخوان وعموم الناس، حتى أولئك الذين لا أعرفهم، بل حتى وأخالفهم.
وأعتبرها نعمة من الله أن يعينني على قضاء حوائج بعض عباده. وتعاملت مع كل هؤلاء
في أضعف لحظات الضعف البشري، وهو المرض. وتأكد لي أن الشر المطلق لا يوجد إلا في
الشيطان، وكلنا لنا وعلينا.
بالنسبة
لي، فهذه ثالث قائمة أدرج فيها. كنت في قائمة الألف مع أبو تريكة، ثم قائمة المئة،
ثم ترقيت لأكون خامس قائمة الخمسة عشر.
بالطبع،
يسوؤني أن يصل حال القضاء في مصر إلى هذا الدرك، لكن الذي يعنيني بدرجة كبيرة أن
أثمن الموقف الشجاع الذي اتخذه د. أبو الفتوح، وآثرت ألا أتكلم في الأمر حتى يهدأ
الصخب الذي صاحب هذه الأحداث؛ حتى يكون هناك من يسمع لصوت العقل.
لقد
تعلمت منذ 40 سنة في مدرسة الإخوان المسلمين أن نزن المسلم بحسناته وسيئاته، وذلك
من خلال أبجديات المنطلق للأستاذ الراشد، وكان هذا تطبيقا لسنة النبي صلي الله
عليه وسلم. ولا ننسى أن أحد الصحابة ارتكب الخيانة العظمى تحت تأثير ضغط نفسي، وهو
حاطب بن أبي بلتعة، حين أرسل للمشركين في مكة بخبر تجهز الرسول لفتح مكة.. إلى آخر
القصة المعروفة.
كذلك موقف سهيل بن عمرو حين كان من أشد أعداء الإسلام، وأراد عمر بن
الخطاب قتله أو كسر سنه حين أسر في بدر، ثم قال الرسول صلي الله عليه وسلم: لعله
يقف موقفا نحمده له يا عمر.. وكانت خطبته في مكة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة
والسلام سببا في تثبيت كثير من أهلها علي الإسلام، في لحظة اهتز فيها كبار
الصحابة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب، والذي رفض تصديق خبر وفاة الرسول.
وحديثا
نال أبو العلا ماضي وعصام سلطان وأمثالهما؛ من سهام الإخوان على مدار أكثر من خمسة
عشر عاما ما لم ينله مبارك وأذنابه، ثم رأى منهم الناس ما رأوا من إنكار الظلم حين
وقع.
الدرس
المستفاد للإخوان وغير الإخوان أن نزن الناس بالقسط كما أمرنا ربنا، وألا نجعل
خلافنا يعمي بصيرتنا، وأن نحب من شئنا هونا ما حتى لو كان في قيادتنا يوما ما، وأن
نكره من شئنا هونا ما حتى لو كان في معسكر مخالفينا حتى الآن.
ليس
كل من أيد العسكر معدوم الضمير والإنسانية أو اتفق علي سفك الدماء أو تآمر عليها.
حتى في أنذل ساحات المعارك، تفتح ممرات آمنة للمدنيين والمستسلمين. افتحوا قلوبكم
وعقولكم لبعضكم البعض. مصيبة مصر الآن أكبر من أي مصيبة، وأكبر من أي فصيل. مصيبة
انعدمت فيها القيم الإنسانية، فما بالك تتحدث عن قيم دينية!
أقول
لكل مصري حنانيك في أقوالك وأفعالك ومشاعرك، ولنضع نصب أعيينا قول ربنا عز وجل:
"واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه"، وقوله: "واتقوا يوما
ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".
أعود
لقائمة الإرهاب، وأقول للمحكمة: لقد وضع لقبي بجوار اسمي أنني مدرس في كلية طب
المنصورة، رغم أن الجامعة فصلتني بتوجيهات الأمن منذ أعوام، فهل أعتبر هذا القرار
إعادة لوظيفتي؟
الأمر
الآخر أنني لست مدرسا، أنا أستاذ حتى بفرض فصلي من الجامعة، فأنا أستاذ بجامعة
بكينجهام بإنجلترا، لذلك أرجو تصحيح الصفة.
أنا
إرهابي بدرجة أستاذ.