كتاب عربي 21

إسلام السلطة إسلام الجماعة

1300x600
"إسلام السلطة إسلام الجماعة محنة أمة " عنوان كتاب أصدره مؤخرا الصديق والزميل لطفي حجى مدير مكتب الجزيرة بتونس. ولطفي عرفته منذ سنوات طويلة، ولا أزال أذكر أول محاكمة يتعرض لها الإسلاميون في تونس عام 1981. كانت محاكمة سريالية، وذلك بحكم الأجواء التي جرت فيها. كان حجي أصغر متهم في المجموعة، وكان يبدو نحيفا إلى درجة جعلت القاضي تفاجأ بوجوده في قاعة المحكمة، فسأله بنبرة استغراب غاضبة " ماذا تفعل هنا ؟ "، ظنا منه بكونه حشر ضمن القضية عن طريق الخطأ، وكاد فعلا أن يخرجه من القاعة لو لم يتم إشعاره بأنه متهم، وأنه تجاوز السن القانونية.

جمع المؤلف بين دفتي كتابه جملة من المقالات التي نشرها طيلة السنوات الماضية، وضمن وحدات متجانسة من حيث المضمون والاتجاه. وتعكس هذه المقالات تفاعله مع عديد الأحداث والقضايا التي تمس الإسلام والفكر الإسلامي وحركات الإسلام السياسي بشكل عام. وبحكم تجربته الحركية السابقة، وأيضا بحكم مساهمته في نشأة وتأسيس تيار الإسلاميين التقدميين الذي شغل التونسيين عامة والإسلاميين خاصة فقد أثرت تلك التجربة فيها بشكل قوي، ولهذا يعرف نفسه بأنه مدين لمجلة ) 15 . 21 ( التي كانت تعبيرا فكريا عن هذا التيار. وبناء عليه تعددت عناوين المقالات التي لها علاقة مباشرة بالتجديد والإصلاح والمراجعات. ومن هذه العناوين يمكن للقارئ أن يفهم الهواجس التي تشغل صاحب الكتاب مثل " إسلام واحد والأفهام المتعددة "، " إسلام الفرقة الناجية " ، " إسلام السلطة وإسلام الجماعات "، " في مداخل الإصلاح الديني "، " نحو فقه جديد للحريات "، " من الرعية إلى المواطنة".

هذه بعض القضايا التي كانت تشغلنا عندما قررنا كمجموعة صغيرة التمرد على الفكر الإخواني. هذا التمرد الذي سرعان ما اتسعت دائرته ليشمل نقد التراث الإسلامي، ويمتد ليبلغ طرح الأسئلة الحارقة حول كيفية فهم التاريخ واختراق جملة المسلمات الفكرية والدينية كما قدمها السلف والسلفيون، وكيفية إعادة قراءة النص الديني في ضوء جدلية العلاقة بين النقل والعقل.

كانت مغامرة فكرية جميلة عاشتها لبضع سنوات المجموعة المؤسسة قبل أن تتفرق سبل أعضائها، وتستهلكهم القضايا اليومية وتضعف من حضورهم الخلافات الصغيرة. لهذا ما أن تشرع في قراءة الكتاب حتى تعود بك الذاكرة إلى مرحلة الغليان الفكري، وكأن المؤلف أراد بذلك أن يعود بالجميع إلى تلك المرحلة، ليس من باب الحنين إلى الماضي ولكنها دعوة منه إلى استئناف تلك الجهود والعمل على تنضيجها بعد ان أثبتت الأحداث والوقائع صحة الكثير من المواقف التي صدرت سابقا عندما انفجر الخلاف بين هذه المجموعة الصغيرة وبين حركة الاتجاه الإسلامي / النهضة حاليا.

فعلا، توفرت اليوم في تونس سقوف عالية في مجالات حرية التعبير والتنظيم والانتخاب وغيرها من الحقوق السياسية الكبرى. لكن بعد سبع سنوات من المخاض الصعب والمتوتر تبين أن الانتقال الديمقراطي المتعثر يشكو حاليا من ثغرة مخيفة تخص الجانب الثقافي والفكري. تغير المشهد لكن دون تأسيس لتيار أو تيارات فكرية عميقة ومتقدمة في مضامينها ومناهجها. فالممارسة السياسية الآن تكاد تكون منفصلة عن الـتأصيل الفكري وهو ما حول خطاب النخب إلى شعارات فضفاضة يكررها الجميع دون أن يفقه الكثيرون دلالاتها وخلفياتها وتداعياتها.

في هذه الأجواء أيضا عادت الأفكار الدينية المحافظة والخطيرة أحيانا لتكتسح الساحة التونسية من جديد، وترمي بتلك الجهود الفكرية التي بدأت تتبلور منذ الثمانينات عرض الحائط. وارتفعت مرة أخرى الأصوات الداعية إلى الانغلاق الفكري داخل تونس وخارجها، لتعلن الحرب على المختلفين معها في الرأي والمذهب والدين. وقد أحدثت هذه الردة الفكرية أزمة كبرى، وكادت أن تدخل البلاد في حرب حقيقة. وانعكس ذلك على العلاقة بين الأطراف المتنافسة على الحكم، مما هدد الثورة والمسار الانتقالي برمته.

إن صدور هذا الكتاب إلى جانب كتب أخرى لا يزال عددها قليل، يؤكد أن العودة إلى الحصون الفكرية المفتوحة وإلى الإصلاح الديني العميق أصبح أمرا عاجلا وضروريا قبل أن يعم الطوفان، ويغيب العقل، ويصبح الدين وسيلة للتقاتل بدل أن يكون أداة للوحدة والنهوض.