صحافة دولية

ماذا قال الصحفي الفلسطيني ياسر مرتجى قبل استشهاده؟

انتهى موقع ميدل ايست مونيتور من قصة ياسر وعمله بعد استشهاده- جيتي

أجرى موقع "ميدل ايست مونيتور"، مقابلة مع الصحفي الفلسطيني الشهيد ياسر مرتجى قبل استشهاده، وقد نشر الموقع تقريرا إنسانيا عن حياة الشهيد ياسر مرتجى، بالتعاون مع مؤسسة عين ميديا التي كان أحد مؤسسيها.


وقال الموقع في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن "مهنة التصوير بدأت مع ياسر كهواية اتجهت به إلى مسار مهني خطير، حيث تحول خريج المحاسبة إلى صحفي، في منطقة أحكم حصارها منذ عام 2007، ويحمل دائما كاميرته، ويرسم الابتسامة دائما، ويكرس فيها حياته ويروي قصص الفلسطينيين في قطاع غزة".


ووفقا للتقرير، تحدث الموقع، مع ياسر قبل استشهاده بثلاثة أسابيع على أيدي قناصة الاحتلال، أثناء تغطيته لمسيرات العودة على الخط العازل مع قطاع غزة.


ويذكر التقرير، أن أول تفاعل لياسر مع الكاميرا عندما كان يبلغ من العمر 12 عاما، حينما زارهم عمه، يقول ياسر "كان معه كاميرا واستعرتها منها، واستمريت بالتقاط الصور بها، وعندما لاحظ عمي شغفي بالتصوير أهداني إياها".

 

اقرأ أيضا: واشنطن بوست: هكذا بررت إسرائيل قتلها للصحافي مرتجى


ويضيف ياسر: "بدأت بتصوير كل شيء أصادفه في المنزل والحي والطبيعة، ولم أتمكن بعد ذلك من وضع الكاميرا"، لافتا إلى أنه في أحد الأيام بينما كان في طريقه لتصوير لعبة كرة الطائرة في حيه، سمع صوت انفجار غارة جوية إسرائيلية، فغير طريقه على الفور وذهب لتصوير الحدث، وسقطت كاميرته أثناء التصوير وانكسرت، ولكنه احتفظ بكرت الذاكرة وأرشفها لديه.


ومع هذه الحادثة بدأ ياسر بتعليم نفسه كيفية التصوير وتحرير والتقاط الصور الأكثر احترافية، قائلا: "اعتدت على تصوير أصدقائي، وإضافة التعديلات والمونتاج وأجمعها جميعا، لاستعرض اللقطات والضحك".


توافقت الأحداث المتزايدة مع قطاع غزة مع رغبة ياسر في تصوير واقع الحياة في غزة، حيث انضم للعديد من الجمعيات والنشاطات في غزة.


جذبت صور ياسر والمقاطع التي كان يصورها، اهتمام العديد من الوفود وقوافل التضامن التي كانت تأتي لزيارة قطاع غزة، فبدأ ياسر بإنتاج أفلام قصيرة عن واقع الحياة في غزة، وقضاياها.

 

هذه البداية


وتطور هذا الشغف لياسر، ليبدأ مع صديقه "رشدي السراج" ، تأسيس شركة إعلامية أطلقوا عليها "عين ميديا"، بكاميرتين ومبلغ قدره 1500 دولار من مدخراتهما، واشتريا جهاز كمبيوتر محمول (لاب توب) وبدأوا بإنتاج صور وأفلام صغيرة من غرفة صغيرة استأجروها.


وكانت البداية بنشر الصور على صفحتهم على "فيسبوك"، والتي تكشف الوجه الآخر للقطاع المحاصر والذي كان يتم إهماله من وسائل الاعلام كالمناظر الطبيعية والحياة اليومية في غزة.


وعلى الرغم من افتقارهم للموارد والتقنيات، نمت شركة "عين ميديا" لتصبح شركة إنتاج إعلامية تضم 15 موظفا، ويقول ياسر إنه "من الصعب للغاية الحصول على المواد والمعدات اللازمة بسبب القيود المفروضة على القطاع".


ويتابع ياسر قائلا إنه "اضطررنا إلى الطلب من صحفي عالمي عملنا معه، وجلب لنا كاميرا طائرة دون طيار، حيث أن بعض الصحفيين الدوليين لديهم تصاريح خاصة لدخول غزة بالإضافة لامتيازات".

 

اقرأ أيضا: ياسر مرتجى.. "الحالم" عاشق الكاميرا وشهيد مسيرة العودة


ويستكمل ياسر بفخر: "كنا من أوائل أطقم الإنتاج التي تمتلك تلك الكاميرا في غزة"، مضيفا أنهم "كانوا يطلبون من العديد من الأشخاص أن يجلبوا لهم معدات من خارج غزة دون اختبارها أو معرفة أدائها، وكنا ندفع ثمنها".


وأشار ياسر إلى أن "كل شيء كان تجربة"، مردفا: "لقد تدربنا، حتى طورنا أنفسنا وبدأنا بالعمل على إنتاجات كبيرة جذبت اهتمام وسائل الإعلام الدولية والعديد من جمعيات حقوق الانسان".


وأنتجت شركة "عين ميديا" العديد من الأفلام الوثائقية للجزيرة، وقناة بي بي سي العربية، وفايس، والتلفزيون العربي، واليونيسيف، والأونروا، وأوكسفام وغيرها.


وشرع ياسر بتوثيق الحرب الإسرائيلية على غزة منذ لحظة اندلاعها، دون مقابل مادي أو تكليف من أحد، قائلا: "كنت أتممت خطبتي قبل أيام قليلة من بداية الحرب، وأردت البقاء مع خطيبتي، ولكنني كنت أعلم أيضا أنه علي أن أقوم بتوثيق ما كان يحدث".

 

الطفلة بيسان


ويتابع ياسر قوله: "لقد رافقت أطقم الإسعاف والخدمة المدنية وصورت الكثير من المشاهد المؤلمة"، واصفا إياها بأنه "أكثر فظاعة من العمليات العسكرية الإسرائيلية الثلاث على مدى السنوات العشر الماضية".


اشتهر ياسر بفيلم وثائقي للجزيرة الوثائقية بعنوان، "غزة: النجاة من الشجاعية"، والذي صور فيها طفلة فلسطينية تم إنقاذها من تحت أنقاض بيتها في الشجاعية، حيث فقدت الطفلة بيسان معظم أفراد أسرتها في عملية القصف، أقام معها بجانب المسعفين علاقة صداقة لمساعدتها لتخطي الصدمة.


وقال ياسر إن "الكاميرات غالبا ما تستدعي القصف، فلا تتورع القوات الاسرائيلية عن استهداف الصحفيين، لأنهم يخشون من ظهور الحقيقة"، مشيرا إلى أنه "أنتج فيلما بعنوان، تكميم الصحافة"،  يتحدث عن الصحفيين الذين قتلوا أو أصيبوا على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي أثناء القيام بواجبهم.


ولفت ياسر إلى أن "المسعفين في بعض الأحيان يرفضون السماح لهم بمرافقتهم لأنهم يخشون من خطورة وجود الكاميرا"، مشددا على أنه "بغض النظر عن الخطر على حياتي، فإن توثيق الحرب كان حقل ألغام عاطفيا وأخلاقيا".

 

اقرأ أيضا: تنديد واسع باستهداف الاحتلال للصحفيين في غزة


واستدرك قائلا: "لكنني أردت التقاط الصورة، وتحويل غير المسموع إلى مسموع"، إضافة إلى توثيق شجاعة المسعفين ورجال الإطفاء.


كان حلم ياسر هو السفر ورؤية العالم، ويقول "عمري 30 عاما لكنني لم تطأ قدماي خارج غزة أبدا، ولم أذهب إلى مطار"، منوها إلى أنه "تلقى عروضا للعمل في الإمارات، ولكن بسبب الحصار وإغلاق الحدود لم أتمكن من الذهاب".


كان إغلاق المعابر يعني أن تفوت ياسر وفريقه العديد من فرص المنح الدراسية، والمشاركة في مهرجانات، موضحا أنه "حاول مؤخرا الخروج من غزة، لكن تم إرجاعه من معبر رفح"، مؤكدا أنه لم يستسلم لذلك، ومستشهدا بقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "نحن الفلسطينيون نعاني من مرض عضال اسمه الأمل".


قبل أن يتمكن ياسر من تحقيق حلمه في الطيران ورؤية العالم، أطلق عليه قناص إسرائيلي النار في 6 نيسان/ أبريل، بينما كان يغطي "مسيرة العودة " الفلسطينية التي تدعو إلى حق العودة وفك الحصار.

 

قصة ياسر وعمله


ويقول الصديق المقرب للشهيد ياسر مرتجى والمؤسس المشارك في "عين ميديا" رشدي السراج، "نقلنا ياسر إلى المستشفى؛ حيث أجرى عمليتين جراحيتين، وبعد 12 ساعة غادرنا ياسر"، واصفا ياسر بأنه "صحفي محترف للغاية وإنسان طموح كان لديه مبادرة وشغف لعمله".


وأكد رشدي أن خبر استشهاد ياسر جاء بمثابة صدمه له ولزملائه، قائلا: "لقد صدمنا جميعا بكم من الحزن لا يوصف".


وانتهى موقع ميدل ايست مونيتور من قصة ياسر وعمله بعد استشهاده، و عمل زملاؤه في عين ميديا مع الموقع لاستكمال القصة تكريما له ولجميع الصحفيين الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم لتوثيق الحياة تحت الاحتلال في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.


ويشير المخرج إبراهيم العتلة إنه "كان من المفترض تصوير فيديو المشهد الأخير يوم السبت، وهو اليوم الذي مات فيه ياسر"، مضيفا أنه "تبين أن هذا المشهد هو مشهد وفاته".