قضايا وآراء

هل يتفق الروس والأمريكان على تقسيم سوريا؟ وما احتمال نجاحهم؟

1300x600
عندما يُحذِّر رئيس دولة إقليميّة وازنة مثل تركيا من إعادة تشكيل جديد للمنطقة، فلا ينبغي المرور على هذا التحذير مرور الكرام، ولا سيّما أنَّ لهذا التّحذير الخطير ما يُعضِّدُهُ. فقد قال أردوغان صراحة: أن ثمة مساعٍ لتنفيذ مشروعٍ يهدف لإعادة هيكلة المنطقة انطلاقاً من العراق وسوريا.

فالمنطقة تواجه سايكس بيكو جديدة بعد مرور قرابة قرن على تقسيم المنطقة وفق أهواء القوى العظمى حينها.

ولا شكَّ أنَّ القوى الدوليّة الوازنة في منطقتنا العربية، ولا سيّما في العراق وسوريا، تتمثّل في الولايات المتّحدة وروسيا. فأمريكا من رسمت خارطة العراق السياسيّة عقب احتلاله والإطاحة بنظام صدام حسين، ويعيد الروس رسم خارطة سوريا السياسيّة عقب احتلالها، في مقاربة مشابهة من حيث المآلات مع فارق وجود منافسين على الجغرافية السُّوريّة، وهذه المنافسة تهيّئ الظّروف الملائمة للتقسيم.

تَدخَّلَ الرُّوسُ في سوريا للحفاظ على مصالحهم الجيوسياسيّة، إضافةً لحماية الاقتصاد الرُّوسي الرَّيعي القائم في جزء لا بأس منه على الغاز، وبالتّالي تجد روسيا أنّ التَّفريطَ بسوريا ذات الغاز الواعد؛ مجازفة غير محمودة العواقب، ولا سيّما أنَّ المنافسَ لا يحمل ودَّاً لها. وهنا تنظر روسيا لبشار الأسد باعتباره مجرّد غطاء لهذه المصالح، والحفاظ على سوريا موحدة تحت مظلّة الأسد يعني ضمان المصالح الرُّوسيّة. ولا تمانع روسيا عمليّاً بمشروع التَّقسيم ما دام ضامناً للقواعد العسكريّة على المتوسط وللغاز في الساحل ووسط سوريا (سوريا المفيدة غازيّاً). وقد سبق الرّئيس الرُّوسي فلاديمير بوتين الجميع عندما تحدّث عن التّقسيم صراحةً: هناك مخاوف أن تؤدي مناطق خفض التَّصعيد إلى تقسيم سوريا. رغم أنَّ روسيا من ابتكرت فكرة مناطق خفض التَّصعيد.

وعبّر نائب وزير الخارجيّة الروسي عن مخاوف رئيسه بشكل أكثر وضوحاً: "لا نعرف كيف سيتطور الوضع فيما يتعلق بمسألة إن كان من الممكن أن تبقى سوريا دولة واحدة". وهذا يدلل على ما يجري تحت الطاولة، فأهميّة هذا التّصريح تكمُن في تزامنه مع حديث ترامب عن انسحاب قوّات الولايات المتّحدة من سوريا وإحلال قوّات عربيّة محلّها. وسواء نفّذ ترامب كلامه - وهذا مستبعد - أو لم ينفّذ، فإنّ بقاء الشّرق السّوري تحت الحماية الأمريكيّة أو القوّة العربيّة يمهّد للتقسيم، ولا سيّما إذا تأخَّرَ الحلُّ السِّياسي الذي تحاول روسيا جعله انعكاساً لقوّة الواقع التي هيّأها الرُّوس بتدخلهم العسكري.

فما حققه الرّوس على الأرض فرضهم لاعباً أساسيّاً دفع الغرب والولايات المتّحدة - وفق تقارير صحفيّة غربيّة - لتقديم عرض لروسيا يضمن بقاء وجودها العسكري إضافة لدعم مالي، مقابل الموافقة على رحيل الأسد والدخول في حلٍّ سياسي حقيقي ينتج عنه انتقال سياسي.

ولعلّ هذا يفسّر جزءاً كبيراً من محدوديّة الضَّربة الثّلاثيّة عقاباً للأسد على استخدام الكيماوي. فقد كانت ضربة خجولة بكل المقاييس، ومنسّقة مع الجانب الرّوسي، ومتأخرة أيّاماً تعد كثيرة بالنّسبة لشخصٍ مثل الرَّئيس الأمريكي ترامب.

إنَّ محدوديّة الضَّربة تشبه تماماً غضّ أوباما الطّرف عن الخطِّ الأحمر الذي رسمه للأسد حينها. فقد تمَّ عام 2013 إبرام صفقة تسليم السّلاح الكيماوي، واليوم حصلت صفقة "ما" بين الرُّوس والأمريكان ربما في حيثياتها تقسيم سوريا، أو نظام فيدرالي أو يمهّد للتقسيم باعتبار أنَّ الفيدرالية لن يكتب لها النَّجاح وسيكون الفشل حليفها ما دام الأسد رئيسا، أو الدخول في مفاوضات جديّة حول العروض المقدمة.

ويدرك الرُّوس هذه الحقيقة، ولذلك كثُر الحديث عن التَّقسيم على لسان صنّاع القرار الرُّوسي مؤخراً. فهم عاجزون عن إعادة إخضاع سوريا كلّها للأسد، ويصعُب عليهم بالمقابل القبول برحيل الأسد؛ لأنّه الغطاء الضّامن للمصالح الرُّوسيّة، ولا يثقون بالعروض المقدَّمة.

وتبدو تركيّا المتضرّر الأكبر من سيناريو الفيدرالية أو التّقسيم وبنسبة أقل من الخيار الثّالث؛ لإدراكها جيّداً انعكاس المخطط المباشر عليها. ولعلّ الانتخابات التّركيّة المُبكِّرة تهدف في جانب منها مواجهة هذا الخطر، وهذا ما دفع الرئيس التركي أردوغان للقول: إنّ حساسيّة الفترة التي تمرّ بها بلادنا والبقعة الجغرافية التي نتواجد ضمنها تستوجب علينا اتّخاذ قرارات سريعة وتطبيقها بدراية.

وتصبُّ المخاوف التّركية في صالح سوريا كدولة موحدة خلافاً لما قد يتفق عليه الرُّوس والأمريكان فأيّ تقسيم لسورية يعني احتفاظ الأسد بسورية "المفيدة غازياً" ودويلة سنيّة إرضاءً لما تبقى من معارضة مسلحة ودويلة كرديّة بحماية أمريكيّة قد تُضَمّ وتُلحَق بكردستان العراق مما يصبُّ النَّار على الزّيت في الشَّرق التّركي.

ولا ينبغي التّسليم باتفاق التّقسيم على أنّه قدر حتمي للسوريين فعوامل فشله أكبر من نجاحه، فالظّروف التّاريخية مختلفة عن سايكس بيكو، ولا سيّما أنّ التقسيم الحالي سببه محاولة القوى الدّولية الخروج من المأزق السُّوري بما يحقق الحدّ الأدنى من مصالحها. وهذا مستبعد في ظلّ بقاء الأسد ولو كان بلا مخالب، كما أنّ إقامة دويلة كرديّة يعني القطيعة مع تركيا ودخول الصّراع منعطفاً جديداً، ولا سيما أنّ الجغرافية السُّوريّة والتركيبة الديمغرافيّة لا تسمح بقيام دول.