قضايا وآراء

كلام الحكومة المصرية وأوهام الواقع

1300x600
ألقى رئيس مجلس الوزراء المصري شريف إسماعيل كلمة في بدايات هذا الأسبوع، في فعاليات الجلسة الافتتاحية لمؤتمر "النمو الشامل وخلق فرص العمل"، الذي أقيم بتنظيم مشترك من البنك المركزي المصري وصندوق النقد الدولي. وقد جاءت كلمته تحمل الكثير من القضايا، لعل من أهمها ما ذكره من أن مصر من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي حققت نجاحات فاقت التوقعات على مدار العامين الماضيين، وقد شهدت بذلك كافة المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية، بدءاً من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وأرجع نجاح ذلك لدعم الإرادة السياسية الواعية والطموحة والمساندة الشعبية القوية.

كما ذكر إسماعيل سعيه للوصول لاقتصاد قوى ومستدام؛ مدعوم باقتصاد خاص قوى وقادر على المنافسة والتطوير والابتكار، وينعكس بوضوح على تحسن ملحوظ ومستدام في مستوى معيشة المواطنين وفي الخدمات المؤداة لهم، وفي فرص العمل اللائقة التي تتولد، وخاصةً للشباب.

وفي التأكيد على مكانة القطاع الخاص، قال إسماعيل: لقد أدركنا جيداً أن تحقيق انطلاقة اقتصادية قوية يتطلب إيجاد شراكة بناءة مع القطاع الخاص كقاطرة النمو الرئيسية جنباً إلى جنب مع دور قوى للدولة، كداعم ومنظم ومحفز للنشاط الاقتصادي. ولم ينس إسماعيل البنك المركزي الذي وصفه بأنه أدار السياسة النقدية باحتراف.

وما ذكره رئيس الوزراء المصري يعكس أننا في عصر الكلمات المفخخة ذات الألفاظ المبالغ فيها، والتي لا تعكس واقعا ولا تتحرى صدقا، ولا تملك سوى التجميل المتعمد لواقع أكثر سوءا.

إن إسماعيل محق بأن برنامج الإصلاح الاقتصادي فاق التوقعات على مدار العامين الماضيين، ولكن ليس في معالجة التضخم والبطالة والتحول من تجميل السياسة النقدية والمالية إلى التغير الهيكلي. بل من خلال زيادة الدين العام بصورة لا مثيل لها في تاريخ مصر المعاصر، حتى تضاعف خمس مرات في الخمس سنوات الأخيرة، وفقا لتصريحات وزير ماليته نفسه في نفس المؤتمر. كما أن المؤسسات الدولية التي يتغنى بها إسماعيل هي من ورطته في الديون، ثم تعلنها صراحة في نفس المؤتمر بخطورة الدين العام، حيث قالها ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي: "الدين العام لا يزال شديد الارتفاع، ويتعين بذل جهود كبيرة لضبط الأوضاع المالية". كما حذر من عدم توفير فرض عمل للمصريين بقوله: "مصر لا يسعها التأخر في جهود خلق فرص العمل، فمع حلول 2028 سيرتفع عدد السكان في مصر ممن هم في سن العمل بنسبة قدرها 20 في المئة، الأمر الذي سيؤدي إلى بلوغ حجم القوى العاملة 80 مليون مصريا بعد 10 سنوات فقط". وأضاف: "خلق فرص العمل لكل هؤلاء المواطنين هو حتما أكبر تحد اقتصادي أمام مصر". واعتبر ليبتون أن توظيف الشباب هو التحدي الأكبر أمام الحكومة.

فإذا كان إسماعيل يتغنى بانخفاض البطالة والتضخم، فإن ما ذكره ليبتون يرد عليه. كما أن انخفاض البطالة هو أمر مشكوك في صحته، في ظل عدم وجود طريقة موضوعية لحسابها، كما أن انخفاض التضخم يرجع لسنة الأساس بعد التعويم، ولا يمثل انخفاضا حقيقيا في الأسعار.

كما أنه كيف تنخفض البطالة، والقطاع الخاص قد أصابه الاختناق والطرد من قبل الجيش الذي سيطر على مفاصل الاقتصاد وقتل منافسيه وفقا لمبدأ المزاحمة وما يمتلكه من مزايا؟!.. ثم يتغنى إسماعيل بعد ذلك بإيجاد شراكة بناءة مع القطاع الخاص قاطرة النمو، مع أن تلك القاطرة بيد الجيش الذي أعاق تقدمها، ولا يمكن وفقا للمبادئ الاقتصادية أن يحقق تنمية مستدامة سوى لنفسه بعيدا عن باقي المصريين.

أما وصف إسماعيل البنك المركزي بأنه أدار السياسة النقدية باحتراف، فهو تغييب وتزييف للواقع، فالبنك المركزي بسياسته هو من ألهب ظهور المصريين بالغلاء نتيجة تعويم الجنيه، وهو الذي جعل الاحتياطي محصلة للديون، من أجل المظهرية والتجميل والخداع.

إن ما يلفت النظر في حديث إسماعيل هو زعمه بأن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي يرجع لدعم الإرادة السياسية الواعية والطموحة والمساندة الشعبية القوية، وهذا البرنامج في الأصل لم ولن يكتب له النجاح. وإذا كان يعلل ما قاله بالإرادة السياسية الواعية والطموحة ، فهي فعلا واعية وطموحة لمصالحها لا مصالح الشعب.. إنها بحق إرادة سياسية قوامها القوة الباطشة لا القوة العادلة.. أما زعمه بالمساندة الشعبية القوية فهو قول يحمل معه عوامل سقوطه في ظل عجز المواطن المصري وحيرته وحصره بين السكوت وكظم الغيظ والموت جوعا أو سجنا.

إن الأيام القادمة ستشهد مزيد من السواد على المواطن المصري برفع مزيد من الدعم لا سيما دعم الطاقة، فضلا عن المزيد من الضرائب، لا سيما للمشروعات الصغيرة، وهذا ما يدعو إليه صندوق النقد الدولي بقوة.. ذلك الصندوق الذي ستبدأ مصر في سداد قرض النكبة الاقتصادية الخاص به في العام 2021.. هذا الصندوق الذي ذكر في تقرير أخير له أن مستويات الدين العام مرتفعة في مصر، وأن هذه الأرصدة الضخمة من الدين العام تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد وتزاحم مدفوعات خدمة الدين النفقات المعززة للنمو، وأن مصر لا تزال تعاني من ارتفاع مستويات العجز وضخامة الديون الخارجية قصيرة الأجل.

إن أسطوانة التنمية التي يتغنى بها رئيس وزراء العسكر باتت أسطوانة مشروخة، منذ استيلاء العسكر على حكم مصر في العام 1952. وكلام رئيس الوزراء لا يساوي في الواقع الحبر الذي كتب به، فأي كلام إيجابي لا تنعكس إيجابيته على حياة المواطنين ما هو إلا حلقة في سلسلة بيع السراب والوهم للمصريين.