مقالات مختارة

هل الإسلاميون عائدون؟

1300x600

خلال الشهر الأخير، كانت هناك أكثر من انتخابات في أكثر من بلد عربي وإسلامي تنشط فيه أحزاب إسلامية، وفي جميع تلك الانتخابات حقق الإسلاميون الفوز والسبق على بقية الأحزاب الممثلة لتيارات مختلفة، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وتأتي تلك التحولات اللافتة في أعقاب موجة من الكتابات والتحليلات الشرقية والغربية التي كانت تتحدث عن غروب شمس الحركات الإسلامية، خاصة بعد الانكسار الذي لحق بثورات الربيع العربي في أكثر من مكان.

في تونس، حقق حزب النهضة ذو الأصول الإسلامية نجاحا لافتا في أول انتخابات بلدية تجرى بعد الإطاحة بحكم الطاغية الفاسد زين العابدين بن علي، ولم تكن المفاجأة أنها تفوقت على أحزاب عريقة في تونس فقط، وإنما أيضا أنها تفوقت على حزب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي نفسه، الحزب الحاكم، وهو أمر يحسب للمنظومة السياسية الحاكمة بطبيعة الحال، أيا كانت التحفظات، وشهادة لها بالنزاهة في إدارة الانتخابات بشفافية، حصل حزب النهضة تقريبا على ثلث مقاعد البلديات في عموم تونس، وأصبح مؤهلا لرئاسة بلديات مدن كبرى بما فيها العاصمة.

وفي ماليزيا، حقق ائتلاف المعارضة الرئيس بقيادة مهاتير محمد، رمز النهضة الماليزية، فوزا مهما للغاية، في أول عودة لمهاتير بعد اعتزاله الحياة السياسية من سنوات بعيدة، وانتزع رئاسة الوزارة من رئيس الوزراء السابق نجيب عب الرزاق والذي يتهم على نطاق واسع بالفساد وأنه أدخل ماليزيا في دوامة تكاد تعصف بما حققته في عقود نهضتها، والغريب أن مهاتير الإسلامي العائد عبر صناديق الاقتراع يعيش الآن في عامه الثاني والتسعين، وهو سن متقدم للغاية، ولا أظن أن هناك ما يغريه بالسلطة وصولجانها في هذا العمر، وقد نال منها كل ما يتمنى أي سياسي، وتركها بمحض إرادته وعاش حياة مواطن عادي تماما لا يكاد يشعر به أحد، ولكنه عاد بدافع وطني محض، لإنقاذ تجربته ونهضة بلاده من الانهيار، وقد قرر استصدار عفو ملكي عن منافسه وشريكه في آن واحد، أنور إبراهيم، أحد قادة الحركات الإسلامية الأكثر شهرة في البلاد، ووعد بتسليمه قيادة البلاد بعد عامين.
في لبنان عقدت أول انتخابات برلمانية بعد توقفها قرابة تسع سنوات، وحقق فيها التحالف الذي يقوده جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران نتائج كبيرة أهلتها لتكون في صدارة البرلمان الجديد وصانعة السياسات اللبنانية الجديدة، وفي العراق اليوم جرت الانتخابات البرلمانية، وتقريبا لا يوجد منافس فعلي للأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية المتصدرة للمشهد السياسي في البلاد منذ إسقاط صدام حسين.

في المغرب، يخوض حزب العدالة والتنمية الإسلامي تجربة فريدة في العالم العربي، لأنه يرأس الحكومة المغربية الآن، وللدورة الثانية على التوالي، متجاوزا أحزابا عريقة تضرب في عمق مرحلة الاستقلال، ونجح الحزب في إدارة اقتصاد دولة معقدة إلى حد ما، ومترعة بالتحديات الأمنية والسياسية والحقوقية، وتعتبر الإنجازات التي حققها الحزب هي الأفضل بين جميع الأحزاب الأخرى التي تولت المسئولية في المراحل السابقة، كما نجح الحزب في الحفاظ على الحدود والسقوف الدستورية والتاريخية التي تحصن مقام ملك البلاد، باعتباره رمزا لوحدة البلاد وسيادتها على أراضيها، وفي الجزائر هناك ترشيحات متواترة ترجح مشاركة أحزاب إسلامية في الحكومة المقبلة، وفي ليبيا هناك إجماع على أن الأحزاب والرموز الإسلامية مرشحة لتحقيق نتائج كبيرة في الانتخابات المتوقع إجراؤها نهاية هذا العام بإشراف الأمم المتحدة ولذلك يحاول "الجنرال" خليفة حفتر تخريب هذه الانتخابات ومنعها بأي شكل، وفي تركيا ما زال حزب العدالة والتنمية ذو الأصول الإسلامية في صدارة الترشيحات للانتخابات البرلمانية المقبلة الشهر القادم، رغم صعوبة المنافسة والتحديات الاقتصادية المتصاعدة بفعل ضغوط غربية يقلقها نجاح التجربة.

تأتي تلك النجاحات التي تحققها أحزاب إسلامية أو ذات أصول إسلامية، في الوقت الذي تراجعت فيه قوى التشدد والتطرف في الحالة الإسلامية، وتقريبا تم تفريغ فقاعة "داعش" من قواها الدافعة، بعد أن شغلت العالم عدة سنوات ومثلت تحديا مفزعا، وتراجع حضور القاعدة، وبشكل عام تم تهميش الجماعات العنيفة والمتطرفة لأسباب متعددة، بعضها فكري وبعضها اقتصادي وبعضها عسكري، وهو ما أتاح للأحزاب الإسلامية المعتدلة أن تعود إلى صدارة المشهد السياسي من جديد، وتلفت الانتباه.

عودة الأحزاب الإسلامية إلى صدارة المشهد السياسي لم تأت وفق المعادلات السابقة التي كانت تعيش في ظلها، فقد تسببت الضغوط السياسية والفكرية التي عصفت بالإسلاميين خلال الأعوام الماضية إلى تحول مهم في تطور الوعي السياسي وفي القبول بالآخر واحترام التعددية وأولوية المشاركة لا المغالبة، وإدراك أن الصندوق الانتخابي لا يكفي وحده لكي تنجح، خاصة في التجارب الديمقراطية الوليدة والنامية والهشة، وهو ما ولد خطابا سياسيا جديدا أكثر اعتدالا وانفتاحا، كان واضحا جدا في التجربة التونسية والمغربية وأيضا التجربة التركية، وبشكل عام أصبح خطاب الإسلاميين الجدد أكثر تواضعا وأقل طموحا.

التيار الإسلامي متجذر في عمق التجربة العربية والإسلامية الحديثة، ويمتد لأكثر من ثمانين عاما، عبر تجارب عديدة، وليس عبر تجربة الإخوان وحدهم، فهو لا يمثل فقاعة سياسية أو فكرية عابرة، ويعود حضوره الدائم إلى تماهيه مع عمق الوجدان الشعبي المتصل بالإسلام وهوية الأمة وهو ما يساعده على النجاح دائما في أي احتكام إلى إرادة الشعب، وقد أثبتت التجارب المتوالية أن محاولة كسره أو حتى تهميشه، مهما كانت قسوتها، غير مفيدة، ولا مثمرة، وتنتهي عادة بالفشل، فضلا عن إهدار طاقات وجهود وطنية بلا أي قيمة، والعناد هنا لا يفيد بطبيعة الحال، وإنما الأولى أن يكون هناك حوارات وطنية شاملة لوضع تصور للصيغة الواقعية الأمثل لاحتواء هذا التيار وتوظيفه طاقاته في ما يخدم بلاده لا ما يهدد استقرارها، وبما يعزز تطورها السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي، واستثمار قوى الاعتدال في إنهاء أي نوازع للتطرف، وبرهنت التجارب الأخيرة على أن التيار الإسلامي يملك من المرونة وحتى البراجماتية ما يجعل هذا الاحتواء أكثر بساطة وسهولة، وبطبيعة الحال ستختلف طبيعة الدور والموقع الذي يشغله حسب طبيعة كل مجتمع وكل دولة وكل نظام سياسي، وعلى الدول "السنية" دراسة التجربة الإيرانية في هذا الجانب والاستفادة من بعض خبراتها، وإن كان الإيرانيون قد وظفوها في مشاريع توسعية على حساب دول أخرى ومصالح شعوبها.

المصريون المصرية