قضايا وآراء

يوم عيدنا صبيحة إشراق شمس حضارتنا الإنسانية!

1300x600
عاشتْ الأمة العربية الإسلامية شهر رمضان المبارك لهذا العام في محن تصاعدت عبر سنوات طوال حتى لتلف جميع حدودها. فأخيار الأمة من الأحياء ما بين السجون أو خلف الأسوار عالية الحراسة في كثير من البلدان.

ومن ناحية أخرى، غرق أفراد من الأمة (بخاصة طرف من الشباب وصغار السن وكثير من المُغيبين) في طوفان المسلسلات المسماة ظلما وإساءة للشهر المبارك، الذي ما يزور إلا مرة في العام ويمر؛ "أياما معدودات".. غرق جانب غير قليل من أفراد الأمة في طوفان لف الوطن العربي من المحيط إلى الخليج من ليالي الدراما الرمضانية.

عاش أولاء عالما فيه زحام وفوضى من الدراما، ومسلسلات ضعيفة تحبب الأنفس الضعيفة في تعاطي المخدرات وشرب الخمور، والإغراق في الزنا والخيانة الزوجية، بخاصة مع الجيران، والتمادي في الزواج العرفي، وقتل الإنسانية حقيقة ومجازا في الأنفس، مع العيش فوق الأرض كحياة البهائم والدواب؛ خدمة ورعاية ورغبة في التمادي خلف الآثام والخطايا والموبقات.

واستمر شرار الأمة في السيطرة على أمورها، ومَنْ لم يرعوي ويخضع لهم من الشعوب يُقابل بالحبس والاضطهاد والتنكيل والإصابة أو الاستشهاد. وشرار الأمة بذلك ينافسون العدو الصهيوني في الإرهاب، ويدعون أنهم هم الذين يواجهون الإرهاب.

وجزء من النتيجة على امتداد شوارع عالمنا العربي الإسلامي، شباب في عمر الزهور ونساء لم يكتفوا بالإفطار دون عذر في الشهر المبارك، بل ساروا مُباهين بذلك في الشوارع، ولما نتدبر في الأمر، نجدنا لا نرجو أن يعاقب الطغاة هؤلاء الشباب المفطر في الطريق العام.. لكيلا تغسل بعضا من الأنظمة الظالمة جزءا من تبعيتها لأعداء الأمة بحجة محافظتها على الدين. والأمر يتطلب تربية لنفوس وشباب الأمة وفهم أعمق لدينها.. وتنمية لوعيها.

ومشوار تزكية الأنفس ورعايتها، وتنمية وعي أفراد الأمة بمسؤوليتهم عن حمايتها وتطهير مقدساتها ومدافعة أعدائها، أعمق وأجلّ وأبعد مسؤولية، وأكثر غورا وعمقا في نفوس وأرواح عشرات الملايين؛ من مجرد الانتفاض للقمة العيش، والخروج في سبيل الحفاظ على الضروريات من متطلبات الحياة، فيما تظل القيود تكبل الأرواح قبل الأيدي والأبدان!

ذات مرة، في أيام محاولة الاحتفاظ بنقاء النفس قبل التمادي في تعريتها، لقي أبرز داعية من الدعاة الجدد مؤلفا غربيا، فسأله الأخير عن الحكمة من الصيام، فلما شرحها الداعية المفترض له، تحيّر الرجل الأوربي وما زاد عن أن قال:

- إذا كان دينكم يدعو إلى هذا الرقي، فلماذا أنتم في هذه الهوة وهذا الحال؟!

ومن بعد مقولة المؤلف الغربي.. ترجم الداعية المصري سؤال السائل بقوة لما انتكس وعاد عن درب الحق عودا قويا، ولم يكن يعبر عن إجابة السؤال أو عن الجانب المشرق من أحوال الأمة بحال من الأحوال.

ورحم الله المفكر الفرنسي "روجيه جارودي" وغفر عنه وتجاوز عن خطاياه.. إذ قال:

- الحمد لله أن أسلمتُ بعد أن عرفتُ الإسلام، لا حياة وواقع المسلمين، وإلا لا أحسب أني كنتُ سأسلم.

أتي الشهر الكريم على الأمة ومسيرة العودة تستكمل خطواتها لإحراج العدو الصهيوني. وفيما عشرات، بل مئات الأرواح من أهلينا الفلسطينيين تصعد لبارئها، شاكية ظلم العدو وتنكر أغلب الحكام العرب، ابتلينا بعسكريين لا يوجهون فوهات بنادقهم إلا لرؤوس شعوبهم، ولو كانت لأطفال وصبيان ونساء. وفيما العدو يعصف بأهلنا في فلسطين، لدينا بعض كتاب لهم أسماؤنا العربية المسلمة؛ متخصصون في التشكيك في جدوى مقاومة شعوبنا وإفاقتها، ويستعجلون تمام استسلام الأنظمة، بل الشعوب، للأعداء لا قدر الله!

وفي شهر الانتصارات التاريخية (رمضان)، بدءا من بدر الكبرى وفتح مكة وانتهاء بحرب العاشر من رمضان، ومرورا بعين جالوت وغيرها، لف الأمة نعاس شديد فيه بين التلفزيون والطعام والنوم.. ولما أفاق الساسة في دول أربع في الوطن العربي العام الماضي، حاصروا دولة عربية في ذكرى هزيمة (لا نكسة) 5 حزيران/ يونيو، ونصر العاشر من رمضان على العدو الصهيوني.. وتمت مقاطعة الدولة العربية في يوم حمل الذكريين معا.. وكأن الأمر مقصود كغاية لإغاظة شرفاء الأمة، أو وسيلة لبيان الجهل المطبق وعدم القدرة على الفهم والإفاقة.. والدولة العربية (قطر) لها ما لها، وعليها ما عليها، لكنها لم تأت بجريمة إلا فُجر خصومة من أعدائها الذين كان أغلبهم أصدقاء بالأمس القريب.

وفي المنتصف، يتجمع الأعداء لالتهام الأمة قطعة قطعة - لا أنالهم الله غرضهم - فيما الشرفاء ممزقون مشغولون ببأسهم الشديد بينهم، ومحاربة بعضهم بعضا على مستوى الأفراد في سبيل الاحتفاظ بقليل القليل من متع الحياة الدنيا، والبعض يصر على سلب ما ليس له بحق، وإبعاد خصومه أو من يراهم كذلك مع عدم منافستهم له على حقوقهم، ولله در "ابن خالدون" لما قال إن المظلومين إن لم يجدوا سبيلا أو غاية يجتمعون عليها لمقاومة الظالم؛ فعلوا فعله في بعضهم البعض.. اللهم إلا من رحم ربي.

ويوم تشرق شمس حضارتنا الإنسانية الإسلامية على العالم من جديد، سيكون كل منا له دور في عودة أشعتها عبر العمل الجاد المثمر، ونقاء الصدر، وعدم الحقد والغل والإقصاء، والتفرغ لمحاربة الظلمة، بعد بث ونشر روح الوعي في نفوس الشعوب.

وفي ذلك اليوم المقبل يفرح المؤمنون والمؤمنات، وكل إنسان عاقل منصف قبل أن يكون مسلما، بعودة البشرية للأرض والرحمة إليها.. وإن حاول السفهاء والأعداء والحريصون على الدنيا إيهامنا بصعوبة عودة حضارتنا، إلا أن ذلك قريب حينما نحسن العمل ويرض الخالق ويأذن!