مقالات مختارة

دلالات عزل وزير الدفاع المحصن دستوريا

1300x600

أخيرا تم الإعلان عن التعديل الوزاري الجديد، وكانت المفاجأة الكبرى عند أداء الوزراء اليمين أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن علمنا أنه تمت إقالة الفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، أهم منصب في الدولة بعد رئاسة الجمهورية، الذي يصنف ـ حسب هيكل السلطة الفعلي ـ الرجل الثاني في الدولة، ولذلك عادة ما تكون عملية إقالة صاحب هذا المنصب عالية الحساسية، في كل العهود، وأهم من تغيير رئيس الوزراء نفسه أو أي مسؤول آخر بمن فيهم نائب رئيس الجمهورية، عندما كان المنصب موجودا، ولعزل القائد العام للجيش بروتوكولات خاصة في العالم الثالث تختلف عن التعامل مع أي منصب آخر، نظرا لحساسية القرار، وهي بروتوكولات تتعلق بمحددات الأمن القومي للدولة.

 
منصب وزير الدفاع كان محصنا دستوريا في دستور 2014، حيث كان يشغل المنصب وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وكانت هناك مادة استثنائية، ضمن عدد من المواد الانتقالية في الدستور، وهي المادة 234 وتنص ـ حرفيا ـ على أن (يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور)، وهذا يعني أن عزل القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع، لا يكون إلا بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الجمهورية يملك التصديق فقط على القرار وليس إنشاءه، ولذلك كانت مادة انتقالية استثنائية، لأنها تغل يد رئيس الجمهورية عن تغيير ذلك المنصب، غير أن القائد العام هو الرئيس الفعلي للمجلس الأعلى، ولذلك من المرجح أن تكون المسألة أقرب للاستقالة، لأسباب ربما تخص الفريق أول صدقي صبحي، إما لظروف صحية أو غيرها.


المنصب الآخر الأكثر أهمية في التعديل الوزاري هو منصب وزير الداخلية، حيث تمت إقالة اللواء مجدي عبد الغفار، والحقيقة أن إقالة عبد الغفار تأخرت كثيرا، والمفارقة أنه عندما كانت الأمور بالغة السوء في السيطرة الأمنية، وتوالت الأعمال الإرهابية في العاصمة ومناطق أخرى وبدا الخلل الأمني واضحا، وتصاعدت المطالب بعزل الوزير، رفض السيسي عزله، وتمسك به، وبعد أن استتبت الأمور الأمنية إلى حد كبير تم عزله، وكأنه قرار بأثر رجعي، ودون شك فإن مجدي عبد الغفار كان عبئا سياسيا كبيرا على السيسي، وكلف نظامه الكثير من النزيف الأمني والسياسي والقانوني، فهو وزير الداخلية الوحيد الذي جرؤ على اقتحام نقابة الصحفيين، لم يحدث ذلك في تاريخها كله منذ تأسيسها، وأصبح مسجلا في عهد السيسي، وسيظل نقطة سوداء لن تمحى من ذاكرة الوطن، ولن يذكر التاريخ مجدي عبد الغفار، صاحب القرار والورطة، وإنما سيذكر رئيس الجمهورية وعهده، كما أن عبد الغفار هو تلميذ مدرسة اللواء أحمد العادلي في جهاز أمن الدولة في عهد مبارك، فاستخدم سياسات دموية عنيفة لم يكن لها أي داع، وكان يمكن تحقيق الغرض الأمني وحماية الوطن بتكاليف سياسية وقانونية وأخلاقية أقل كثيرا، وكانت تلك السياسة سببا في تعقيد الأمور أكثر، لأن الجهاز الأمني لم يراع الفروق الكبيرة بين حقبة التسعينيات الماضية، أمنيا وإقليميا ودوليا، وبين الواقع الحالي.


هل سيصحح وزير الداخلية الجديد اللواء محمود توفيق ميراث ذلك المسار، ويعيد صناعة جسور التواصل والاحترام بين المؤسسة الأمنية والقوى السياسية والأحزاب والنقابات، هذا ما ستكشف عنه الأسابيع المقبلة، وإن كنت ـ شخصيا ـ أتفاءل بالمرحلة المقبلة، خاصة وأن السيرة الذاتية للوزير الجديد تتحدث عن شخصية ذات خبرة سياسية ليست هينة، وثقافة أمنية مختلفة، ووعي سياسي كبير بخريطة التوتر الأمني ومنابعه وحساباته في المنطقة العربية والعالم، وكل ذلك يجعلنا نأمل في توقع سياسات أمنية أكثر حكمة وتدار بعقل سياسي يسبق فيه العلم السلاح.


بقية التغييرات الوزارية لا تفسير لها، ولا منطق، وهذا ما جعل البعض يتصور أنهم كانوا ضحية الرغبة في تقليل أثر التغييرات الأهم، فلا يبدو أنهم المقصودون وحدهم، وعلى سبيل المثال لا أفهم أي معنى لإقالة وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبد العزيز، فهو الوزير الذي وصل المنتخب الوطني في عهده إلى كأس العالم، كما أن الوزارة على بعضها هامشية، ولا تمثل أي عصب للدولة، والوزير الجديد كان مساعدا له، غير أن ما لفت انتباهي أن الوزير الجديد أشرف صبحي، كان يرأس بعض الأندية الرياضية في دولة الإمارات، ويدير شركات رياضية أخرى في أبو ظبي، إضافة لكونه أحد رجال المستشار مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، وكان أحد المرشحين على قائمته قبل انسحابه في اللحظات الأخيرة، ربما بعد نصح أحدهم له بأن هذا يحرق فرصه المستقبلية في المنصب الرفيع، فهل هذه السيرة الذاتية ـ الخاصة ـ هي التي منحته القرب وأفسحت له الطريق؟ وهل دفع خالد عبد العزيز ثمن خلافه مع مرتضى منصور؟


التعديلات الأخيرة طوت صفحة 3 تموز/يوليو 2013 بشكل كامل، جميع الرموز والكوادر السياسية والعسكرية التي تصدرت مشهد تلك المرحلة اختفت من السلطة تماما الآن، ولم يبق منها سوى الرئيس السيسي، ودون شك، فإن الوضع الجديد سيتيح له أن يمضي في "مشروعه الحقيقي" خلال المرحلة المقبلة، دون قلق ولا مزاحمة ولا فواتير لأي شخص أو جهة، ومعالم هذه المرحلة ستتحدد بشكل كامل في العام الأول من ولايته الجديدة،.. والله أعلم.

 

المصريون المصرية