قضايا وآراء

لماذا شعر المصريون بخيبة الأمل من كرة القدم ؟

1300x600

إن ما تابعناه من إخفاق للمنتخب المصري في كأس العالم، قد تبعته خيبة أمل للمصريين ليست بالعادية، أو قل ليست بالتي تتناسب مع خسارة منتخب في بطولة رياضية، أيّا كان حجم هذه الخسارة.

ويمكن تناول الموضوع من وجهة نظر سوسيولوجية/ أنثروبولوجية على أساس التصوّرات التالية:

1- انتشرت في صفحات التواصل الاجتماعي مئات المقاطع والفيديوهات والصور وآلاف، بل مئات الآلاف من التعليقات المريرة حول أداء المنتخب المصري في مونديال روسيا 2018، وكلها تشير إلى أن ما حدث هو "نتاج فساد حكومي" وعلاقات مشبوهة. فالفوضى التي دبت في الفندق الذي نزل فيه الفريق، كشفت عن وجود فنانين وموظفين حكوميين ومقاولين وسماسرة ومدراء شركات خاصة مع أسرهم، حضروا على نفقة الحكومة المصرية، أو شركات الدعاية نفسها كما يقولون، وهؤلاء "شوَّشوا"، وربما "خرّبوا مزاج اللاعبين" وبرنامج استعدادهم البدني والإداري (المفترض)؛ بما أثاروه من فوضى. في هذا السياق، تسربت فضيحة سرقة "تيشيرتات" من قبل المدير الإداري للفريق، وفي الآن ذاته كانت هناك فضيحة موازية، فقد أعطى اللاعبون مقابلات خاصة لقاء (خمسة آلاف جنيه)، وقيل إن اللاعبين كانوا مشغولين بجني المال والدعاية التجارية بأكثر من اهتمامهم بالمباريات والأداء.

 

فالفوضى التي دبت في الفندق الذي نزل فيه الفريق، كشفت عن وجود فنانين وموظفين حكوميين ومقاولين وسماسرة ومدراء شركات خاصة مع أسرهم، حضروا على نفقة الحكومة المصرية


2- وفي أثناء المباريات الثلاث التي خاضها المنتخب المصري، وقعت أحداث فظيعة ومحزنة. مثلا، توفي لاعب الزمالك السابق والناقد الرياضي عبد الرحيم محمد داخل أستوديو إذاعي للبث المباشر، بعد أن عبَّر عن شعور مرير بخيبة الأمل، فأصيب الرجل بجلطة قلبية، بينما شهدت مقاهي مصر حالات شبه هستيرية من البكاء والحزن، وخيّم شعور عام بالمرارة والانكسار.

3- وفي أعقاب الخروج المتوقع لمصر من المونديال، حاصر جمهور غاضب حافلة اللاعبين التي توقفت أمام الفندق، وكان الهتاف مثيرا والسب فيه صريحا.

 

الجمهور الغاضب كان يرفع يافطات خلال المباراة مع السعودية؛ تحمل شعار: "تيران وصنافير مصرية وليست للبيع"


4- وكان لافتا أن الجمهور الغاضب كان يرفع يافطات خلال المباراة مع السعودية؛ تحمل شعار: "تيران وصنافير مصرية وليست للبيع".

ماذا يعني كل ذلك؟ من منظور سوسيولوجي، ليس هذا الحزن والشعور بالمرارة وخيبة الأمل، ورفع شعارات سياسية في الوقت نفسه، أمرا يتعلق بكرة القدم، فثمة ما هو أبعد من أرجل اللاعبين ونتائج المباريات. إن كرة القدم كما قال المدرب الأسطوري مارينو: "صراع ثقافات". فحين يتواجه فريق أوروبي مع إفريقي، فالأمر لن يعود مجرد صراع بالأرجل على كرة، بل يصبح صراع إرادات ورمزا لكيان ومكانة شعوب: مَن يفوز!


ومصر كبلد إفريقي (وآسيوي) أخفقت في خوض هذا الصراع بالأرجل مع الثقافة الأخرى، لكن سقوطها أمام السعودية كان مفجعا؛ لأن ثمة وجها آخر للصراع بالأرجل "والأقدام".

 

هذا الوجه يتمّثل في ما يراه المصريون نوعا من تبعيّة مفضوحة للسياسة السعودية، وأن الهزيمة أمامها كانت استطرادا في الفساد المالي والتبعية المعلنة

وعلى الرغم من أن الفريقين لم يكن لهما أي فرصة إلا الخروج من كأس العالم، أي بصورة واقعية لا يقدم أو يؤخر عدد الأهداف التي يسجلها هذا أو ذاك في شباك الآخر، بقدر ما عكس وجها آخر لواقع هزيل يتجرعه المصريون؛ هذا الوجه يتمّثل في ما يراه المصريون نوعا من تبعيّة مفضوحة للسياسة السعودية، وأن الهزيمة أمامها كانت استطرادا في الفساد المالي والتبعية المعلنة، حيث تناقلت الجماهير في ما بينها وعلى الملأ؛ أن المبارة كانت مباعة بخمسة ملايين دولار، ولذلك سخر المصريون من بيع مصر لقاء "حفنة الرز" السعودي، وعلق كذلك المصريون بـ"بيع ماتش وجزيرتين"، و"واقع يقهر الكل ويخزي مصر جميعها"..

خيبة أمل المصري اليوم، ليست ناجمة عن هزيمة في صراع بـ"الأقدام" حول كرة في ملعب، بل ناجمة عن شعوره أنه مهزوم في صراع أكبر بالأيدي والعقول والإرادات، وأن مصر تحتفظ لنفسها باستقلال مزيف، وأنها "مخزن هائل" لمشكلات غير قابلة للحل، وأنه لا خارطة طريق أو طريق يخرج المصريين من متاهة ملعب الهزيمة.