قضايا وآراء

عندما تتكاثر السكاكين الصدئة على الإخوان!

1300x600

في مصر مثل شعبي "عندما تقع الذبيحة تتكاثر عليها السكاكين". شيء من هذا يحدث الآن مع جماعة الإخوان المسلمين من مناوئيهم، وحتى بعض من ناصروهم من قبل. فالطعنات تنهال عليهم محملة إياهم المسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في مصر؛ من حكم عسكري يطال قمعه الجميع، خان البلاد وأذل العباد، وتنازل عن الأرض والمياه والغاز مقابل حماية كرسيه. لا يمكن تبرئة الإخوان من المسؤولية تماما، لكن لا يمكن تبرئة الطاعنين أيضا، بل إن جريمة بعضهم باستدعاء العسكر أكبر بالتأكيد. ولو أردنا العدل، فواجب الجميع وليس طرف واحد هو الاعتذار للشعب، لكنني لست من دعاة الاعتذارات التي لم تعد تثمن أو تغني من جوع، وأعتقد أن الأمر الأصح هو العمل الجدي لإنقاذ مصر مما شارك الجميع بدرجات متفاوتة في إيصالها إليه.

لماذا إذن تتكاثر السكاكين الصدئة على الإخوان وحدهم؟! وهل أصبحوا فعلا فريسة سهلة للخصوم السياسيين والفكريين؟ ولماذا يعتقد هؤلاء الخصوم أن جماعة الإخوان الآن في غرفة الإنعاش، ويسهل القضاء النهائي عليها؟ من المؤسف أن الجماعة نفسها ساهمت في صناعة هذا الانطباع عنها، بسبب السكوت على تلك الطعنات، وحالة الهدوء، وغياب القدرة على المبادرة، بينما الأحداث تتطور سريعا في مصر، وتحتاج إلى قيادة تستثمر هذا الغضب الشعبي وتوجهه في الطريق الصحيح، وتجيد التواصل الفعال مع كل الفئات المتضررة من حكم العسكر؛ عبر خطاب سياسي ناضج.. التقط الخصوم تلك الإشارات الخاطئة، فحدوا سكاكينهم، وراحوا يغرسونها في جسد الجماعة دون أن يواجهوا مقاومة، ما أغراهم بالمزيد من الطعن. (لن نتحدث عن الخصوم العسكريين لأنهم خصوم للجميع، ولا يعترفون بحاكم لمصر غيرهم).

لماذا إذن تتكاثر السكاكين الصدئة على الإخوان وحدهم؟! وهل أصبحوا فعلا فريسة سهلة للخصوم السياسيين والفكريين؟ ولماذا يعتقد هؤلاء الخصوم أن جماعة الإخوان الآن في غرفة الإنعاش، ويسهل القضاء النهائي عليها؟


يخطئ أولئك المناوئون للإخوان إذا تصوروا أنهم بهذه الطعنات سيتمكنون من الإجهاز على الجماعة، ويخطئون أكثر إذا تصورا أنهم سيكونون ورثتها، أو سيملأون فراغها. فالجماعة التي يعتقدون بانهيارها لا تزال قائمة، وإن لم تكن بالقوة التي تمكنها منفردة من الإطاحة بحكم عسكري يمتلك المدرعات والطائرات والبنادق. وأبناء الجماعة مع غيرهم من المخلصين لا يزالوا هم الذين يتحركون في شوارع مصر (على قلة عددهم، وابتعادهم عن الشوارع الرئيسية)، ونشطاء الجماعة هم الذين يتحركون مع غيرهم من المخلصين في المحافل السياسية والحقوقية وإلإعلامية الدولية (رغم ضعف الإمكانات المادية)، وما يوصف بإعلام الإخوان (رغم أنه ليس ملكا في معظمه لهم) لا يزال يقوم بدوره بشكل جيد، وفقا لتقارير مؤسسات بحثية عالمية. وقد دفع ذلك السيسي شخصيا للدخول على الخط، وتهديد العاملين في هذه القنوات بالمحاسبة، بعد محاولات متعددة من قبل لإغلاق هذه القنوات والمواقع، أو التشويش عليها.

يخطئ المناوئون أيضا إذا تصوروا أن حراكا سياسيا بدون الإخوان يمكن أن ينجح في الخلاص من العسكر، فلا نجاح للإخوان وحدهم ولا نجاح لغير الإخوان وحدهم أيضا. ويخطئ أكثر الذين يطالبون بحل جماعة الإخوان بدعوى أن وجودها يخيف العديد من الأطراف والقوى، وهو كلام ينبئ عن عقلية استئصالية لا تعرف معنى الديمقراطية. فالجماعة شأنها شأن غيرها من الجماعات والجمعيات، مثل الجماعة الإسلامية أو جماعة أنصار السنة أو الجمعية الشرعية أو جمعية الشبان المسلمين أو الشبان المسيحيين، أو حتى الطرق الصوفية، هي ملك الشعب المصري كله، وهو الوحيد صاحب الحق في منحها الثقة والجدارة أو نزعها عنها. وحزب الحرية والعدالة شأنه شأن كل الأحزاب المصرية أيضا؛ يعرض نفسه على الشعب، فإما ينال ثقته أو لا ينالها.

يخطئ المناوئون أيضا إذا تصوروا أن حراكا سياسيا بدون الإخوان يمكن أن ينجح في الخلاص من العسكر


هب مثلا أن جماعة الإخوان قررت حل نفسها فعلا الآن، فماذا ستكون الصورة؟ هل سيعطي ذلك قوة لبقية أطراف المعارضة للإجهاز على النظام؟ أم سيعطي ذلك قوة للنظام للإجهاز على بقية المعارضة وكل صوت حر؟ النقد الموضوعي للإخوان وسياساتهم وممارساتهم، وتقديم النصح لهم هو عمل مشروع بالتأكيد، وقد حدث من قبل ولا يزال يحدث وسيستمر، أما المطالبة بحلهم في هذه الظروف، فهي خدمة مجانية للثورة المضادة إن لم تكن تآمرا كاملا معها.

الذين يشككون في وضع الإخوان ويتوهمون أفولهم قريبا؛ هم في نفس الوقت أكثر المطالبين بالحصول على ضمانات منهم بعدم الترشح مجددا، أو الترشح بنسب رمزية، فكيف يستقيم الزعم بانهيار شعبيتهم مع مطالبتهم بالتعهد بعدم الهيمنة على أي انتخابات مستقبلية؟ ألا يعكس ذلك قناعة راسخة لدى أصحاب هذه المطالب باحتفاظ الإخوان بدرجة من القوة تمكنهم من تصدر المشهد مجددا لو توفرت لهم ظروف المنافسة النزيهة؟

 

الذين يشككون في وضع الإخوان ويتوهمون أفولهم قريبا؛ هم في نفس الوقت أكثر المطالبين بالحصول على ضمانات منهم بعدم الترشح مجددا، أو الترشح بنسب رمزية، فكيف يستقيم الزعم بانهيار شعبيتهم مع مطالبتهم بالتعهد بعدم الهيمنة على أي انتخابات مستقبلية؟


الإخوان بشر يخطئون ويصيبون، وهم في صراع مع الحكم العسكري لمصر عبر الأعوام الستين الماضية؛ قدموا خلالها العديد من التضحيات، ولم يهنوا أو يلينوا، ولم ينقرضوا كما تصور مناوئوهم المعاصرون والراحلون. وهم في صراعهم مع العسكر لم يكونوا يستهدفون مغنما خاصا بهم، بل يريدون الحرية والكرامة لكل الشعب. ومن عجب أن تتصاعد أصوات البعض حاليا متهمة إياهم بأن صراعهم مع عصابة السيسي هو صراع على السلطة لا علاقة للشعب به! إذ كيف لا تكون للشعب علاقة وهو الذي أتى بمرسي رئيسا، وأتى بنوابه الحقيقيين إلى البرلمان؟ وما يجري الآن هو دفاع عن إرادة هذا الشعب نفسه، وحقه في اختيار حاكمه ونوابه بكل إرادته، وحقه في التمتع بكل صور الحرية والكرامة والتنمية والحكم الرشيد.

استقيموا يرحمكم الله.