مقالات مختارة

هل هو تتويج لفرنسا أم خسارة لأفريقيا؟

1300x600

لا يزال تتويج فرنسا بكأس العالم 2018 يثير التعليقات وردود الفعل الفنية، السياسية والاجتماعية في فرنسا وخارجها، خاصة أنه لم يكن متوقعا قبل المونديال، ولم يكن ليتحقق لولا تركيبة المنتخب الذي يضم في صفوفه عددا كبيرا من اللاعبين من أصول أفريقية.

دفع الأمر بالبعض إلى أن يصف التتويج الفرنسي بالإفريقي، وينسب الفضل إلى أبناء القارة السمراء، في وقت ذهبت تعليقات إلى اعتبار تتويج المنتخب الفرنسي بمثابة خسارة كبيرة لإفريقيا التي تبقى تتفرج على أبنائها وهم يصنعون أمجاد الغير من دون القدرة على احتوائهم والاستثمار فيهم، مثلما تفعل المدارس الكروية لمختلف الأندية الفرنسية!

فنيا، يعتقد الكثير من المحللين بأن فرنسا لم تكن هي الأحسن في هذا المونديال، وتتويجها يعود بالدرجة الأولى إلى تراجع مستوى المنتخبات الكبيرة بنجومها الكبار، ولو كانت ألمانيا وإسبانيا والبرازيل في أحسن أحوالها لما بلغت فرنسا المربع الأخير بطريقة لعبها الدفاعية، وأدائها الذي كان خاليا من الإبداع الفني الفردي والجماعي.

في حين أرجع البعض الآخر من الفنيين تتويج فرنسا إلى الواقعية التي تحلى بها في طريقة تعامله مع المباريات التي خاضها، وفاز فيها، دون أن يكون صاحب أعلى نسبة استحواذ على الكرة، حيث لم يتعد معدل امتلاك الكرة في كل مبارياته 40 في المئة.

تتويج فرنسا في نظر الكثيرين كان أمرا منطقيا، لأن منتخبها كان الأفضل تكتيكيا، وصاحب أحسن منظومة دفاعية، وتحلى لاعبوه بروح عالية وإصرار كبير لم نلمسه لدى المنتخبات الكبيرة الأخرى، كما أنه كان بمثابة تتويج لنجاعة مدارس ومراكز التكوين الفرنسية التي أنجبت أجيالا متعاقبة من اللاعبين المتميزين، بما في ذلك أولئك الذين يتحدرون من أصول أفريقية، الذين تمكنوا من الانسجام والتأقلم مع مقتضيات المستوى العالي في وسط كروي أفضل بكثير من ذلك الذي ينشأ فيه اللاعب الأفريقي الذي يمارس اللعبة في بلده الأصلي.

أغلب التحاليل والتفسيرات الفنية أجمعت على أحقية فرنسا بالتتويج امتدادا لوصول منتخبها إلى نهائي كأس بطولة أوروبا للأمم منذ سنتين، لكن الاختلاف كان واضحا بين من اعتبر التتويج انتصارا لإفريقيا التي كانت ممثلة بخيرة أبنائها في المنتخب الفرنسي بمختلف جنسياتهم الأصلية، وبين من اعتبر التتويج انتصارا لفرنسا المتنوعة والثرية وخسارة لإفريقيا التي تملك الكثير من أمثال بوغبا وكانتي وأومتيتي ومبابي، لكنها لا توفر لهم المناخ الملائم والإمكانية اللازمة للتألق.

وفي المقابل، أجمعت الكثير من التعليقات في أوروبا وأمريكا بالتذكير بأفضال الأفارقة والعرب على الكرة الفرنسية، واعتبرت فوز فرنسا بمثابة تتويج للقارة السمراء، ما دام المنتخب مشكلا في غالبيته من لاعبين أفارقة، أبدعوا مثل سابقيهم في عهد زيدان وتورام ودوسايي وكاريمبو وفييرا وتريزيغيه وغيرهم، الأمر الذي أعاد إلى السطح ذلك النقاش حول أفضال الأفارقة على فرنسا، أو أفضال فرنسا عليهم!

الرد على هؤلاء وأولئك جاء من فرنسا وخارجها على لسان فنيين كرويين ومحللين سياسيين اعتبروا التتويج بمثابة إنجاز فرنسي محض، وإخفاق أفريقي بامتياز، لأن فرنسا في نظرهم هي صاحبة الفضل على اللاعبين من أصول أفريقية، كونهم استفادوا من تكوين عال المستوى في مختلف مدارس ومراكز التكوين التي تزخر بها الأندية الفرنسية واستفادوا من الاندماج في مناخ ملائم للإبداع والتميز.

واستفادوا من إمكانات كبيرة سمحت لهم بالتألق مع أنديتهم المحترفة ومع المنتخب الفرنسي، الذي جعل من التنوع ثراء وقوة ووسيلة لإثبات الذات في مجتمع يؤمن بالأفضل، ولا يتوانى في حشد كل الطاقات حتى ولو كانت من أصول أفريقية لصناعة مجد فرنسا الرياضي.

دعاة هذا الطرح تساءلوا عن مصير هؤلاء اللاعبين لو كانت نشأتهم الرياضية أفريقية، ولعبوا في منتخباتهم الأصلية! هل كانوا سيتميزون ويتألقون؟ هل كانوا سيلعبون في أفضل الأندية الأوروبية؟ هل كانوا سيفوزون بكأس العالم مع بلدانهم الأصلية؟ وهل كان بإمكان زيدان أن يكون زيدانا لو لعب للمنتخب الجزائري مثلا؟

بالنظر لكل هذا وذاك، فإن تتويج فرنسا إنجاز فرنسي بامتياز، ولا يمكن اعتباره خسارة لأفريقيا، والتتويج الفعلي للقارة السمراء سيتحقق عندما يفوز منتخب أفريقي بكأس العالم، خاصة أن سياسة فرنسا الكروية أكدت بما لا يدع أي مجال للشك بأن أبناء القارة السمراء يملكون كل مقومات الإبداع والنجاح، وهم بحاجة إلى رعاية وعناية تسمحان لهم بتفجير طاقاتهم في بلدانهم مثلما يفعلون مع فرنسا كل مرة.

الأمر ينطبق على مختلف المجالات، الخامة الرياضية في أفريقيا موجودة، لكن صناعتها وتشكيلها غائبة أو مغيبة، فبدل التساؤل عن أفريقية كأس العالم بقميص فرنسي، وجب الاتجاه مباشرة نحو التساؤل عن كيفية إلباس كأس العالم ثوبا أفريقيا خالصا، حينها تسقط جميع المقارنات، ويصبح التساؤل باطلا.

إعلامي جزائري

(عن صحيفة القدس العربي)