كتاب عربي 21

حنانيك بعض الهزيمة أهون من بعض

1300x600

أراد الله بالفرق العربية، التي شاركت في منافسات كأس العالم بكرة القدم (مونديال روسيا) خيرا، فانهزمت قبل أن تدخل في مراحل كسر العظام، عندما تبقى في الساحة المنتخبات ذات الباع الطويل في مضامير كرة القدم، ونجت من هزائم كانت أرقامها ستبقى في موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأربع سنوات على الأقل، أي الى حين منافسات كأس العالم في قطر عام 2022، لتسجل الفرق العربية التي ستؤهل لخوضها أرقاما قياسية جديدة في الخيبة.


ولست شامتا في المنتخبات العربية المونديالية، بل فرح لنجاتها من هزائم مدوية مؤكدة، ولكنني شامت في الحكومات التي تستخدم كرة القدم كـ"بنج" فيروسي وبائي، يجعل ملايين المواطنين مخدرين "موضعيا".


قبل سنوات، عارضت الفكر الماركسي، الذي يقوم على التفسير المادي للتاريخ، بطرح نظرية عربية هي: التفسير الكروي للتاريخ، وعندما صارت الليدي ديانا حرم ولي عهد بريطانيا المزمن تشارلس، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، عارضت المادية الجدلية الماركسية المعروفة بالديالكتيك بـ"الدياناكتيك" بعد أن صار جمال النساء والكساء والغذاء يُقاس بالمقارنة مع مواصفات ديانا الكنتورية الفسيولوجية، وراج الدياناكتيك حينا من الدهر إلى أن قضى نحبه مع ديانا في 30 آب/ أغسطس من عام 1997.


ولكن وقائع التاريخ كتبت البقاء والرواج للتفسير الكروي للتاريخ العربي المعاصر، فكرة القدم هي أفيون الشعوب العربية، ويتم الإنفاق السخي عليها من المال العام، لأن التنويم يخدم أهل السلطان أكثر من التنمية.


الفرق العربية ذهبت إلى موسكو، وهي مصدقة أنها ذات وزن دولي، متناسية أنه ما كان لها أن تجتاز تصفيات القارات، ما لم تكن تنازل في المباريات الموصلة للمونديال، فرقا تشابهها في الهزال
وعلى كرهي الشديد لديكتاتور الكونغو كينشاسا الراحل موبوتو سيسيكو، الذي أوصلته المخابرات الأمريكية والبلجيكية السلطة، فقد صفقت له عندما خصص قطعة أرض لكل لاعب في منتخب بلاده، بعد أن تأهل لمونديال عام 1974.

 

وخسر الفريق مباراته الأولى أمام أسكتلندا 2-0، ولكن لأن النقاد أثنوا على أدائهم، فقد أضاف موبوتو إلى المكافأة 500 ألف دولار لكل لاعب إذا وصلوا الدور قبل النهائي.


وفي المباراة التالية أمام يوغسلافيا، اهتزت شباك الكونغو تسع مرات، بينما بقيت شباك يوغسلافيا مشدودة تماما، فأمر موبوتو الفريق بالعودة إلى البلاد فورا، ومن المطار إلى السجن، مع وجبة ضرب صباحية وأخرى مسائية (ولا تسأل عن الحوافز الموعودة).


لا يعني هذا أنني أتمنى للاعبي المنتخبات العربية، التي تهاوت كقطع الدومينو الواحد تلو الآخر عقوبات موبوتوية، بل أتمنى لو كففنا عن التهليل لكل تأهيل للبطولات الكروية الدولية، وحزنت كثيرا وأنا أرى مشجعي تلك المنتخبات ينتحبون لخروجها المبكر من المنافسات.

 

أعني أنني حزنت للحزانى، وليس للمهزومين من اللاعبين، لأنني أريد لهم أن يدخروا دموعهم تلك "ليوم كريهة وسداد ثغر".


هناك مثل سوداني يطرح في شكل استفهام استنكاري: الناس في شنو (ماذا) والحسانية في شنو (ماذا)؟ ويقال – في رواية أحسب أنها مفبركة- إن الحسانية كانوا في حلف دفاع مع قبيلة مجاورة ضد عدو مشترك، وذات يوم أتى الحسانية رسول من تلك القبيلة، بأنها تتعرض للهجوم وتناشد الحسانية النفرة للصمود والتصدي، ولكنّ الأخيرين قالوا للموفد: عندنا سباق حمير، وإن شاء الله نكون معكم بعد انتهائه (وأنا لن أُفسِّر، وأنت لن تُقصِّر).


قبل وخلال وبعد مونديال روسيا شهدت وتشهد الدول العربية حالة تسخين وإحماء لمباريات بالحديد والنار، في ملاعب عربية مساحاتها ملايين الكيلومترات المربعة، ولا تحسبن أن إرسال الكرات الملتهبة عبر الحدود، هو أقصى ما سيحدث في تلك المباريات، فالقادم أخطر.

 

فبعض الملاعب العربية صارت تشهد ضربات جزاء موجعة من داخل "خط 18 ياردة"، و"المصيبة" أنها مباريات بلا حُكام، لأن الحكام تجلس خلالها في مساطب المتفرجين.


ويا حكام المهزومين ويا جمهورا مهزوما، أفيقوا فقد صارت دياركم ميادين للكر والحر الشديدين، لأن اللاعبين "الأجانب" فيها وعليها – وبنا ولع شديد باللاعب المستورد- غلاظ شداد: أمريكان وروس وهكسوس، ما خاضوا مباراة، إلا وتواصلت لزمن إضافي يتراوح ما بين تسع، وتسعٍ ونيف سنة.


الخميس الماضي، أعطى حوثيو اليمن أنفسهم حق تسديد ضربات حرة في مرمى السعودية البحري، ومرمى أبو ظبي الجوي، وبهذا اتسع الملعب من أدلب إلى مضيق هرمز، فباب المندب، ولات ساعة مندب.