أفكَار

بعد تراجع المد السلفي أيُّ الاتجاهات ستحل محله؟

المصري: المستفيد من تراجع السلفية هم الملحدون والليبراليون - (موقع هيئة الأمر بالمعروف السعودية)
بعد حضوره اللافت في العقود السابقة، تراجع مد التيار السلفي في كثير من الدول العربية والإسلامية، خاصة بعد التحولات الدينية والسياسية العميقة التي تشهدها السعودية، والتي انعكست سلبيا على الحالة السلفية داخل السعودية وخارجها.

ووفقا لمراقبين فإن الدعم السعودي لعب دورا كبيرا في انتشار السلفية، وساهم في رواج منهجيتها وأفكارها، باعتبارها النسق الديني الذي تبنته الدولة السعودية رسميا منذ قيامها، وأغدقت على نشره وإشاعته أموالا طائلة، داخل المملكة وخارجها. 

ويشير باحثون إلى أن تراجع حضور التيار السلفي أفرح اتجاهات إسلامية أخرى، استهدفها السلفيون من قبل بشكل مباشر وغير مباشر باعتبارها اتجاهات دينية ضالة ومنحرفة، يجب التحذير منها والتصدي لها بحزم وصرامة.

من جهته قال الباحث المصري في التاريخ والحضارة الإسلامية، محمد إلهامي "إن الاتجاه الإسلامي الذي يتوهم أن ضرب السلفية في السعودية سيصب في مصلحته واهم" لافتا إلى أن "المستفيد الأكبر من التراجع السلفي لن يكون اتجاها آخر، بل هو التيار الإلحادي والليبرالي العلماني، إذ إنه الاتجاه الذي يشهد نموا برعاية السعودية والإمارات".

ونبّه إلهامي في تصريحاته لـ"عربي21" إلى أن "التحولات التي حدثت في السعودية ليست دينية، بل هي سياسية، ولكون السياسة هناك علمانية مستبدة ومتغولة على الجميع فقد قهرت البيئة العلمية المحكومة حتى تؤيد خطواتها".

وتابع حديثه بالقول: "لكن الجميع يعرف داخل السعودية وخارجها أن المؤسسة الدينية والعلماء لا ينطقون بناء على تغير اجتهاداتهم الفقهية، وإنما بإغراء الذهب، أو خوفا من السيف" على حد قوله.

وشدد الباحث المصري إلهامي على أن "السلفية لم تضعف أو تتراجع لأنها تشهد فقرا فكريا، أو عدم مواكبة للعصر أو غير ذلك، وإنما ضعفها راجع إلى رغبة السياسة السعودية في خلع ثوب الدين عن نفسها بالكلية" موضحا أنه يقول هذا مع كونه ليس سلفيا، ولم يكن كذلك يوما.

وأردف قائلا: "وأهم دليل على هذا أن السعودية تحطم السلفية، وتحطم الإخوان أيضا، ولا تدعم الأشعرية، ولا تفتح المجال للصوفية أو للدراسة المذهبية، بل تسطو على الجميع، ولا تترك الباب مفتوحا إلا للاتجاه الجامي المدخلي الذي يتعبد بطاعة ولي الأمر مهما فعل.. فالمسألة ليست حالة دينية فكرية وإنما حالة سياسية تنقلب على نفسها".

بدوره وصف الباحث والمحلل السياسي العراقي وسام صالح ما جرى في السعودية بـ"التحولات الحادة التي أحدثت شروخا في المجتمع، وأدّت إلى إيجاد فراغات في نسيجه، تمددت من خلالها بعض الدعوات (الهدامة) كالعلمانية، والمتشددة كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية".

وعلل قوله بأن "شباب المجتمع، وهم الشريحة الأكبر داخل المجتمع السعودي، سينقسمون بين صنف مبهور بهذه التحولات الناتجة عن الانفتاح الفكري والسلوكي غير المحسوب، وبالتالي سيتأثرون بالطروحات العلمانية والخطاب الحداثوي المدني".

وتابع حديثه لـ"عربي21": "أما الصنف الثاني فستصيبهم حالة يأس من إصلاح طالما انتظروه، وتغيير طالما أمّلوه، خاصة بعد زج كثير من العلماء والدعاة والمفكرين الذين كانوا لهم بمثابة الأساتذة والموجهين، مما سيجعل بعضهم يقرر الالتحاق بالفصائل المتشددة كطريق وحيد للتغيير، وهو يرى بعينيه أن الطريق مسدود أمام التغيير عبر وسائل إصلاحية هادئة".  

من جانبه حدد الداعية والباحث العراقي، فاروق الظفيري الجهة المستفيدة نتيجة تراجع حضور التيار السلفي العريض أنها "السلفية ذات الخط المعتدل التي طالما طالب دعاتها منذ فترة بالإصلاحات، وحثوا على التعاون الأوسع مع التيارات الإسلامية الأخرى تحت راية الإسلام العامة، لكن صوتهم كان خافتا".

وأضاف لـ"عربي21": "إلا أن صوتهم برز اليوم بشكل عالٍ، وتبين لمن كان يعارضهم بأنهم أقرب إلى الحق بطلبهم الاندماج الأكبر، والانفتاح على التيارات الإسلامية الأخرى".

وأوضح الظفيري أن أصحاب ذلك التوجه "لا يرون حصر السلفية بجماعة بعينها، وإنما هي أوسع من ذلك، لأن السلفية منهج وليست حزبا، فقد تجدها في الصوفية، وتجدها فيمن يسمون أنفسهم اليوم بالسلفية، وتجدها عند جماعات إسلامية أخرى، بحسب القرب أو البعد عن منهج السلف الصالح، وبهذا المفهوم فهم الوريث الشرعي للسلفية".

وبرؤية مغايرة رأى الداعية والباحث الإسلامي، الدكتور عماد أبو قاعود أن "الانحسار لم يكن قاصرا على الاتجاه السلفي فقط، إنما طال التيار الأصولي برمته سواء كان وهابيا أم إخوانيا أم تحريريا"، مضيفا: "أظن أن الاتجاهات الدينية العاملة كلها بدأت تخسر وتتلاشى لأنها في مجملها تدور في فلك واحد".

وردا على سؤال "عربي21" عن وصفه لتلك الاتجاهات من أنها تدور في فلك واحد؟ قال الداعية الأردني: "الحالة الدينية التي يؤصل لها الأصوليون هي في الحقيقة مبنية على التراث والتاريخ وفقه المراحل السابقة، وتعتمد على تقديس العلماء بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال أيضا، وبالتالي هجرت القرآن إلى السنة، ثم هجرت السنة إلى أقوال الصحابة، ثم هجرت أقوال الصحابة إلى أقوال العلماء".

وأشار أبو قاعود إلى أن "الاتجاه الحداثي أو التنويري الذي يشتغل بشكل فردي غير منظم هو الذي بدأ يصعد على المستوى الفكري خاصة عند الشباب، أما على الصعيد السياسي فإن الاتجاه الأقوى سيكون خليطا من (فلول) الإسلاميين والقوميين والعلمانيين وغيرهم".

وعلى خلاف المتوقع ختم أبو قاعود حديثه بالإشارة إلى أن "انعكاس تلاشي تأثير الأصوليين على الحالة الدينية سيخدم الدين، ويقرب الناس منه، وبالتالي يؤثر في الحالة الدينية إيجابيا"، داعيا من أسماهم بـ"الحداثيين المخلصين، أتباع المدرسة العقلانية إلى استثمار الوقت، وتكثيف جهودهم لتصحيح المفاهيم التراثية التاريخية التي أسس لها السلفيون ومن لف لفهم" بحسب عبارته.