ملفات وتقارير

"أشقاء ألداء" مع عقود من التوتر.. قراءة بعلاقات الأردن وسوريا

معبر نصيب يتم إعداده من الجانبين السوري والأردني لإعادة فتحه- جيتي

وسط الحديث عن قرب عودة فتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا، مع هيمنة النظام السوري على الخارطة السياسية والعسكرية في الوقت الحالي، تثار تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين البلدين تاريخيا، وإن كانت العلاقات ستتحسن بينهما بعد انقطاع.

 

إلا أنه بالعودة إلى الماضي، فإنه وفق ما رصدته "عربي21"، فقد حظيت العلاقات بين "البلدين العربيين الشقيقين بالكثير من التوتر والعداوة".

 

في عام 1958، حاولت طائرات "ميغ" سورية، انطلقت من مطار عسكري بالقرب من دمشق، إسقاط طائرة الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، الذي كان متوجها إلى مدينة لوزان السويسرية مرورا بالأجواء السورية.

قصة يرويها الملك الراحل في كتابه "مهنتي كملك"، كحادثة ضمن سلسلة حوادث صاغتها العلاقة المتوترة بين "الأشقاء الألداء" (الأردن وسوريا) اللذين يستعدان لإعادة افتتاح المعابر بينهما بعد انقطاع دام سبع سنوات.

 

اقرأ أيضا: ما هي أسباب تعثر فتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا؟


ووقفت كل من عمان ودمشق تاريخيا على طرفي نقيض بحسب ما يؤكده المحللون السياسيون، بعد أن دخلتا في تحالفات متضاربة خلقت توترات مستمرة في العلاقة، دفعت البلدين لتبادل الاتهمات بأحداث أمنية وقعت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وصولا إلى اتهام دمشق لعمان بتدريب وتسليح المقاتلين في الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011.

وبدأ التوتر الذي صاغ شكل العلاقة بين البلدين طيلة السنوات الماضية، منذ وقت طويل جدا عند ترسيم الحدود بين البلدين عام 1932 في عهد الملك عبد الله المؤسس، الذي قام بالتعاون مع بريطانيا بترسيم الحدود، وتخلله مناوشات بين عشائر أردنية وسورية.

وساهمت الوحدة بين مصر وسوريا، وقبلها انقلاب عبد الكريم قاسم على حكم الهاشميين في العراق في تعميق الأزمة للمملكة التي لجأت لتحالفات دولية لحماية وجودها.

وعمق التحالف الأردني الأمريكي، مقابل التحالف السوري السوفييتي، من الشرخ بين الأشقاء، لتزداد الفوارق لاحقا مع الأيام عقب توقيع الأردن لمعاهدة وادي عربة عام 1994 مع إسرائيل، ودخول المملكة في ما يعرف بـ"محور الاعتدال" مقابل ما يسمى "محور المقاومة".

 

معارك واختلافات

 

وهذه العلاقة رأى فيها الخبير العسكري اللواء الأردني المتقاعد، مأمون أبو نوار، أنها "لم تكن بحالة جيدة تاريخيا بسبب طبيعة التحالفات التي ينضوي فيها كل من البلدان، خصوصا ارتباط سوريا بشكل وثيق مع روسيا".

وتوقع في حديث لـ"عربي21" أن "العلاقة لن تكون سياسيا جيدة بين البلدين، حتى لو عادت العلاقة الاقتصادية عقب افتتاح المعابر".

إلا أن العلاقة بين الطرفين عاشت وضعا أكثر صعوبة في عام 1970؛ بعد دعم النظام في سوريا الفصائل الفلسطينية اليسارية في مواجهة قوات الجيش الأردني، التي وصلت إلى حد نشر سوريا دباباتها في المواقع التي أخلاها الجيش العراقي في مدينة الرمثا، لتعود وتنسحب تحت قصف الطائرات الأردنية وحلفائها من الأمريكيين في معركة دامت أربعة أيام.

ولم تتوقف الخلافات عند هذا الحد، إذ اتهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الأردن بدعم الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي، واحتضان قيادات الإخوان بالتحالف مع الرئيس العراقي صدام حسين، في وقت اتهم فيه الأردن سوريا حينها بمحاولة تنفيذ عمليات إرهابية في الأردن، من بينها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مضر بدران عام 1981. 

وعرض التلفزيون الأردني ما أسماها اعترافات عسكريين سوريين حول خطة فاشلة لاغتيال بدران، وكذلك مشاركتهما في مجزرة سجن تدمر التي حدثت في العام ذاته.

ثم أخذت العلاقة المتوترة بالتراجع لحساب مصالح اقتصادية وجغرافية؛ بعد بروز قيادات شابة في البلدين، ففي 2009 أعلنت الحكومة الأردنية أنه سيتم إلغاء ضريبة المغادرة والرسوم المفروضة على الأردنيين والمركبات والشاحنات والحافلات عند مغادرتها الحدود بين البلدين سوريا والأردن.

 

الأزمة السورية


الا أن هذه العلاقة سرعان ما أخذت منحدرا جديدا في عام 2011، عقب انطلاق الأحداث في سوريا، واتهام دمشق لعمان بتدريب وتسليح المقاتلين وتسهيل عبور الجهاديين، لتصل إلى القطيعة في العلاقات الرسمية، وصلت إلى حد طرد السفير السوري في عمان بهجت سليمان في عام 2014.

وخرج الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عام 2017، يدعو ضمنيا إلى تنحي بشار الأسد، قائلا إن "المنطق يقتضي بأن شخصا ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد".

 

لم تصل حد الانفجار


من جانبه، وصف المحلل السياسي، عامر السبايلة، العلاقات الأردنية السورية الراهنة، بالمتوترة، لكنها "لم تصل حد الانفجار"، و"جيدة لم تصل إلى الممتاز".

 

وقال السبايلة لـ"عربي21" إن "التعاطي في العلاقة في الفترة الأخيرة كان فيه نوع من الذكاء بسبب اختلاف الأدوات، واختلاف المحاور، لكن العنصر الجغرافي جعل هذه العلاقة حتمية بين الطرفين لا تصل إلى مرحلة التضاد".

وعبر عن اعتقاده بأن "من مصلحة الطرفين أن لا تكون العلاقة متوترة، كونهما مستفيدين من علاقة جيدة بسبب حتمية الجغرافيا، وهذا يحتم على الطرفين أن يكونا أكثر مرونة في تقديم التنازلات، وتجاوز اي خطأ سابق".

 

اقرأ أيضا: النظام السوري يعلن انتهاء إعادة تأهيل معبر نصيب مع الأردن


وتضع كل من سوريا والأردن اللمسات النهائية لافتتاح معبر نصيب-جابر الشريان التجاري بين البلدين، بعد أن لعبت الأردن في تموز/ يوليو 2018 دورا مهما في عقد اتفاق مصالحة بين النظام السوري وروسيا من جهة والفصائل المعارضة من جهة أخرى، أفضى لسيطرة النظام على الجنوب السوري.

مصالح متبادلة


بدوره، دعا الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي، فؤاد دبور، إلى تجاوز خلافات الماضي، مضيفا أن "عودة المعبر سيخدم القطرين، وستكون هنالك علاقات بين الطرفين، لتصبح المرحلة السابقة وراء ظهر الدولتين".

وحول اصطفاف البلدين في تحالفات متضادة، قال دبور لـ"عربي21": "سوريا رفضت توقيع أي معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني دون عودة كامل الجولان، لكن الأردن وقع معاهدة السلام في 1994، ورغم ذلك لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وحتى بعد 2011 لم تنقطع العلاقات رغم انتقادات سورية لسياسات الأردن، وموقعها السياسي في المنطقة".

يشار إلى أن كلا من الأردن وسوريا تستعدان لفتح صفحة جديدة من العلاقات، انطلاقا من بوابة الاقتصاد وعودة المعبر للعمل، لكن العلاقات الاقتصادية التي أصبحت ضرورة للطرفين في ظل اقتصاد صعب للبلدين، قد لا تعني عودة علاقات دافئة لشقيقين انخرطا في طريقين مختلفين سياسيا بتاريخهما، وفق ما أكده المحللون.