سياسة دولية

الحريري بين حكومة "الفرصة الأخيرة" وانهيار التسوية مع عون

سعد الحريري بين أنصاره في بيروت - أ ف ب

تحيط المحادثات الأخيرة لرئيس الحكومة اللبنانية المكلّف سعد الحريري حول مسودة التشكيلة الحكومية هالة من الغموض والحذر، وسط تأكيدات من أوساط تيار المستقبل بأن التشكيلة القادمة ستكون بمثابة "الفرصة الأخيرة"، قبل الدخول في فراغ وربما فوضى لا تحمد عقباها.

إلا أن التفاؤل يسيطر على اللمسات الأخيرة التي يضعها الحريري على حكومته الجديدة مع معلومات تشير الى تذليل عقد أساسية متمثلة بالعقدتين المسيحية والدرزية، بما يقال إنه تنازلات من أطراف عدة تمهيدا أمام حكومة الحريري لمواجهة التحديات المختلفة لا سيما الاقتصادية منها.

غير أن ما يبثّه الحريري من أجواء تفاؤلية وحديث عن مسافة أيام كي تبصر حكومته النور، تقابله مواقف أقل تفاؤلا من قبل فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الموالي له (التيار الوطني الحر)، وهو ما دفع بعض الساسة إلى الحديث عن بوادر شرخ بإمكانه أن يضرب التسوية الرئاسية التي على أساسها تولى الطرفان مكانهما في سدة الحكم، بيد أن طرفا ثالثا يخالف ما يعتبره منطقا تشاؤميا ويدلّل على أن ملامح تسوية ثالثة بين الرئيسين تطلّ برأسها تحت عنوان "التسوية الوزارية".

عوامل دولية

ويربط مراقبون بين عاملين دولي ومحلي يدفعان نحو الإسراع في تشكيل الحكومة.

ورأى النائب السابق عن كتلة تيار المستقبل باسم الشاب "أن العقد تبدو داخلية غير أن عوامل دولية تضغط لتسريع عملية تأليف الحكومة"، موضحا في تصريحات لـ"عربي21": "تتشابك تحديات دولية مرتبطة بالوضع اللبناني، بدءا من العقوبات الأميركية ضد حزب الله والتي من المتوقع أن يصادق عليها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب قريبا.

 

وتضاف إليها مسألة تصنيف حزب الله منظمة إرهابية في انكلترا، مرورا في ذكرى قتل جنود المارينز في بيروت والتي تصادف في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري وصولا إلى ما يخطط من عقوبات ضد إيران".

وتوقّع أن "يدفع حزب الله بإيجابية نحو تشكيل الحكومة بفعل العوامل الدولية الضاغطة عليه تحديدا، توازيا مع وجود تنازلات من الأطراف السياسية المختلفة".

ورأى الشاب أنه "لا خوف على التسوية الرئاسية لا بل ما ظهر في موقف وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني جبران باسيل مؤخرا يدلّل على أن ثمة تسوية جديدة على صعيد الحكومة"، رافضا تفسيرات بعض السياسيين التي "تبث روحا تشاؤمية في المشهد اللبناني".

 وشدد على أن "مؤشر الاقتصاد سيتجه تدريجيا الى التحسن"، مستبعدا "أي خضات أمنية تهدّد الاستقرار والسلم الأهلي".

بين التفاؤل والتشاؤم

ويبدو فريق رئيس الجمهورية واثقا من عدم اتخاذ الحريري خطوة نحو الاعتكاف أو الاستقالة في حال رفضت مسودة حكومته الجديدة من قبل الرئيس عون، واستبعد النائب عن كتلة "لبنان القوي" آلان عون "اتجاه الحريري نحو الاعتذار عن التكليف، لكنّ الأمر منوط به وهو صاحب القرار"، لافتا إلى أن "المطلوب توافق رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف بما يحقق المصلحة الوطنية والإجماع اللبناني".

وأكد عون في تصريحات لـ"عربي21" أنه "لا أحد يسعى إلى إحراج الرئيس الحريري وإخراجه من تكليفه، بل من صالحنا جميعا تذليل العراقيل باتجاه تأليف الحكومة ومواجهة التحديات المختلفة التي تنتظرنا".

وعن الغموض الذي يغلّف مصير الحكومة "الحريرية" المقبلة في ظل تارجح التوقعات بين متفائل ومتشائم، رجح عون "كفة الإيجابية في المحادثات المتعلقة بالحكومة مع بروز تقدم، ولكن على الرئيس الحريري أن يقتنع بأن الصيغة الجديدة مقبولة كي يرفع مسودتها إلى رئيس الجمهورية للموافقة عليها وإعلانها".

وبما يتعلّق بحقيقة تنازلات بعض الأطراف من حصصها الوزارية، قال: "هناك تسهيلات تعزّز فرص التأليف"، مستغربا حديث بعض السياسيين عن معركة رئاسية مبكرة انطلاقا من إشكالية تأليف الحكومة الحالية، وقال: "هي محاولة ذرّ رماد في العيون ومسألة خارجة عن السياق، لأنّه من المبكر الحديث عن معركة رئاسية جديدة، وايضا لأنّ صراع الأحجام لجهة الحصول على مقعد وزير أكثر أو أقل لن يغير في المعادلة الرئاسية المقبلة".

وحول التخوفات من أن تكون الحكومة المقبلة ملتقى سياسيا على خلاف ما يطرح من أنها حكومة إنقاذ اقتصادي، قال: "لا بد أن تباشر الحكومة عملها أولا، ومن ثمّ تتخذ الإجراءات الملائمة لتحسين الظروف الاقتصادية والحدّ من العجز في الميزانية، وإجراء الإصلاحات المفيدة وتحفيز الاقتصاد وتطبيق الخطة الاستثمارية".

تعايش مع الأزمة

ومن جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي جورج علم أن لبنان "يتعايش مع الأزمة بأبعادها الإقليمية- الدولية وانعكساتها على الساحة اللبنانية"، مستبعدا في تصريحات خاصة لـ"عربي21" تعرض "التسوية للخطر لسببين، الأول لإدراك الرئيس الحريري حجم الموانع الخارجية التي تحول دون الوصول الى تفاهمات داخلية، والسبب الثاني أن الأزمة ليست بين الرئيسين الحريري وعون، بل الإشكالية في الثغرات المتعلقة بالنظام التي زادت حدتها بعد الانتخابات التي جرت وفق قانون النسبية، حيث تبين هذا القانون إلى قواعد جديدة لعدم وجود أحزاب سياسية وطنية في لبنان على حساب الأحزاب الطائفية".

وأضاف: "تأرجح كفة التفاؤل والتشاؤم يعود الى العوامل الدولية الضاغطة"، غير أنه رأى أن الفرصة حاليا "مواتية لإنجاز التأليف منعا من الفوضى الذي سيتسبب بها الفراغ".

وتناول علم العقد التي أسماها "طائفية"، فقال: "هناك عناد من أطراف معينة، علما أن مسألة التأليف تناط برئيسي الجمهورية والحكومة دون أي طرف آخر مع أحقية الجميع في إبداء الرأي وطلب المشاركة، غير أن من صلاحيات الرئيسين تشكيل حكومة اختصاصيين أو سياسيين وعرضها على المجلس النيابي للحصول على الثقة".

وانتقد علم ما أسماه بـ"لعبة الحصص والأحجام"، معتبرا أنه "نمط غير ديمقراطي لأن ما تطالب به الأحزاب من حصص هو بمثابة برلمان صغير، من خلال تمرير الكتل النيابية القطب المخفية بهدف التمثل بالحكومة".