كتاب عربي 21

المستقبل بدأ سلفا

1300x600
غربيون كثيرون في حيرة من أمر "آي بي إم واتسون"، ذلك البرنامج التطبيقي الذي سيصيب "أبو العريف" غوغل بعقدة، لأن واتسون يستطيع تقديم أجوبة وحلول وإرشادات في مختلف ميادين الحياة التي كانت تتطلب وجود مهنيين متخصصين، مثلا تستطيع أن تأخذ من واتسون هذا استشارة قانونية، وأنت مطمئن لكونها سليمة بنسبة 90%، وتزوده بتقارير فحوصات طبية خضعت لها لاشتباه إصابتك ـ مثلا ـ بتليف في الكبد، فيقول لك واتسون أنك في واقع الأمر تعاني من تسمم في الدم، لن يمهلك طويلا، ويكون على حق في تشخيصه.

يُقلّل الحاجة لليد العاملة

باختصار فإن الذكاء الاصطناعي artificial intelligence AI سيقلل الحاجة إلى مهنيين بشر في مجالات كثيرة خلال العقد المقبل، وعلى المستوى الشخصي فقد صادف امتهاني للترجمة، شيوع الكمبيوتر وطرح برامج مختلفة لترجمة النصوص إلى ومن كل اللغات الحية، ومرت السنون وأنا في حالة توجس وترقب، وأنتظر خطابا بإنهاء خدماتي، ثم جربت كذا مرة الإستعانة بمترجم غوغل، وهتفت "فابشر بطول سلامة يا مربع".

ولكن "آي بي إم واتسون" مترجم مقتدر، وسيهدّد مستقبل أمثال ذلك العربي الذي صاغ تقريرا اقتصاديا من واشنطن، خلال الأزمة المالية عام 2008، وقال إن شبح الاكتئاب يخيم على الإقتصاد الأمريكي، ومن الواضح أنه استعان بغوغل فترجم له "إكونومِك ديبريشن" (اكتئاب اقتصادي).

قد يصرخ بعض شبابنا: حوالينا ولا علينا، خاصة وسيف البطالة مُشهر في وجوههم حتى قبل أن تتخلص الدواوين العامة في بلداننا من الورق والأقلام والأختام، ولكن وقياسا على السوابق في التقاعس العربي عن مواكبة التقدم العلمي والتقني ـ ما عدا في مجال التسليح ـ فإن واتسون لن يستطيع أن يأكل عيش عندنا إلا في نسخته الخامسة ـ ربما.

قبل أقل من عشرين سنة، كان عدد العاملين في شركة كوداك لمنتجات التصوير الفوتغرافي يناهز مائة وسبعين ألفا، وقبل سنوات قليلة أفلست تلك الشركة تماما وأغلقت أبوابها، وتشردت تلك الآلاف المؤلفة، ومعها مئات الآلاف الآخرين الذين كانوا يعملون في استوديوهات  التصوير في مختلف البلدان، بدرجة أن الحصول على يورانيوم مخصب في أي مدينة، صار أسهل من العثور على استوديو للتصوير وطباعة صور.

صورة المستقبل

ولترى صورة المستقبل فيما يتعلق بالمهن والحرف أنظر في أمر "أُوبر" أكبر شركة تاكسي في العالم، التي يعمل لديها ملايين السائقين، ويكسبون منها أجورا إضافية، ويستفيد من خدماتها يوميا عشرات الملايين: هذه شركة لا تملك حتى دراجة هوائية ـ دعك من سيارة ـ لأنها في واقع الأمر مجرد برنامج تطبيقي (سوفتوير)، وقع في أيدي أشخاص أذكياء، أكلوها ـ بالمصري ـ "والعة"، لأنهم استفادوا مما هو متاح سلفا في العالم الرقمي من خرائط وأنظمة لتحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية.

تريد أن تزور بلدا ما لأمر ما للمرة الأولى؟ لا تحمل هم المسكن؛ فـ "إيربي إن بي" تستطيع أن توفر كل المسكن اللائق بالمواصفات التي تحددها في 34 ألف مدينة، حتى في دول لا يتسع الأطلس لأسمائها، لأنها تدير ملايين الوحدات السكنية؛ ولكنها لا تملك غرفة واحدة؛ فحتى مكاتبها القليلة هنا وهناك مستأجرة، فهي مثل أوبر مجرد برنامج تطبيقي؛ مثل تريفاغو المتخصصة في حجوزات الفنادق.

المستقبل القريب كما يراه المعنيون بعلم المستقبل (فيوتشرولوجي)، لن يكون فيه الناس بحاجة الى رخص رسمية لممارسة قيادة السيارات، فعلى بعد أشهر قليلة، أي في عام 2019 سيتم طرح السيارات ذاتية القيادة؛ وهي بالضرورة ليست سيارات أي كلام، بل ذكية وتستطيع ان تتصل بها هاتفيا فتوافيك في الموعد وتوصلك الى وجهتك، يعني لا داعي أصلا لامتلاك سيارة خاصة.

أقلّ ضوضاء

تقديرات العاملين في استخدام الذكاء الإصطناعي في مجال النقل والمواصلات، تفيد بأنه وبحلول منتصف القرن الحالي سينخفض عدد السيارات التقليدية في المدن بنسبة تصل الى 90%، وستنخفض حوادث السيارات بنفس النسبة، مما يعني وداعا لشركات تأمين السيارات، فطالما لا توجد حوادث فما الحاجة للتأمين؟

وبالتالي ستصبح المدن أقل ضوضاء وأقل تلوثا، وسيشهد المستقبل القريب جدا هبوطا حميدا في أسعار الكهرباء؛ ليس أي كهرباء، بل "النظيفة"، وقد شهد عام 2017 وعلى مستوى الكرة الأرضية، تركيب ألواح لتوليد الطاقة الشمسية، أكثر مما تم تركيبه من محطات كهرباء تستخدم الوقود الأحفوري، ومن المتوقع أن تغلق جميع شركات الفحم الحجري أبوابها في غضون سبع سنوات.

وإذا كانت تحلية المتر الواحد المكعب من ماء البحر تستهلك حاليا 2 كيلو وات ساعة، فلك أن تتخيل البحبحة في وفرة المياه الصالحة للشرب والزراعة، في دول الخليج والجزيرة العربية، التي ليست بها أنهار جارية أو بحيرات، عندما يصبح توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر زهيدة التكلفة.

سين: وما حظ الدول العربية من هذه الطفرات المرتقبة؟ 
جيم: ليس كثيرا
سين: لماذا؟
جيم: لأنه لا مجال للمبادرة الفردية فيها، في ظل حكومات تسيء الظن بالتجديد والتطوير والتفكير؛ وعلى مسؤوليتي فإن أي تقنية تلغي التواقيع/ الإمضاءات لن تجد القبول من حكامنا وسدنة قصورهم (المشيدة)، والمتسترين على قصورهم، ولكن وكما حررت التقنيات الحديثة الإعلام من قبضة الرقيب الرسمي، فصارت المعلومات متداولة بحرية في جميع الدول العربية، فإنه سيأتي يوم يتقدم فيه المواطن على الحاكم، ثم يستغني عنه، وتبدأ الإنطلاقة، وكل ما على الأحيال المقبلة ان تفعله، هو أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون.