ملفات وتقارير

جولة جديدة من الحوار السوداني ـ الأمريكي بآفاق غامضة

مصادر تتحدث عن معارضة الولايات المتحدة لترشيح الرئيس السوداني عمر البشير لولاية جديدة

في مرحلة جديدة من العلاقات الشائكة بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية، عاد الغموض يكتنف موقف الخرطوم من الشروط الأمريكية الجديدة لرفع أسم السودان من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للأرهاب، ففي الوقت الذي رحبت فيه الدبلوماسية السودانية بانطلاق جولة جديدة من الحوار بين الطرفين، وجه الرئيس السوداني عمر البشير انتقادات لاذعة للولايات المتحدة، واصفا من يستقوي بأمريكا والغرب بـ "العاري".

حوار مشروط

ويُعتبر هجوم الرئيس البشير على الولايات المتحدة أبرز ردّ فعل على نتائج الاتفاق الذي تم عقب اجتماع ضم وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، ونائب وزير الخارجية الأمريكي جون سليفان بواشنطن.

ويؤسس الاتفاق لانطلاق المرحلة الثانية من الحوار الإستراتيجي بين البلدين بهدف رفع اسم السودان من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للأرهاب.


وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية: "ترحب الخرطوم بإعلان انطلاق المرحلة الثانية من الحوار الإستراتيجي بين الطرفين والتي تم تصميمها لتوسيع التعاون الثنائي وتحقيق مزيد من التقدم في عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك خاصة بعد نجاح المرحلة الأولى والتي توجت برفع العقوبات الإقتصادية عن السودان".

كما رحب بإعلان الولايات المتحدة، استعدادها للبدء في مرحلة شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتعزيز العلاقات بين البلدين.

وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، استعدادها لشطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، شريطة قيام الخرطوم بمزيد من الإصلاحات.

وتضمنت الشروط حسب بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب، وتحسين سجل البلاد على صعيد حقوق الإنسان.

كما شملت المضي قدما في حل نزاعاته الداخلية، بما في ذلك السماح بدخول أكبر للعاملين في مجال الإغاثة إلى الأراضي السودانية التي تشهد نزاعا مسلحا.

البشير: لن نرهن قرارنا

وفي حديث عُدّ رد فعل على الاشتراطات الأمريكية الجديدة، قال الرئيس عمر البشير: "إن السودان لن يرهن قراره لأي جهة كانت مهما كان الأثر، وسيظل يؤمن أن الأرزاق بيد الله وحده". 

وأضاف: "عليهم أن يمسكوا خزائنهم ومخازنهم ونقول لمن يستقوي بأمريكا والغرب إن المتغطي بأمريكا عريان".

وأضاف البشير خلال مخاطبته احتفالات قوات الدفاع الشعبي بالعيد الـ29 بولاية النيل الأبيض (وسط) اليوم الثلاثاء: "نحن نستقوي بالله وحده ولن نركع ولن نسجد إلا لله".

ولم يتحدث البشير صراحة عن الإشتراطات الأمريكية الجديدة لحذف اسم بلاده من قائمة الإرهاب، لكن مراقبين يعتبرون هجوم الرئيس السوداني على الولايات المتحدة امتعاضا من مماطلة واشنطن إزاء قضية إبقاء السودان في اللائحة على الرغم من اعتراف الإدارة الأمريكية بتقدم الخرطوم في مسارات وضعتها الولايات المتحدة في جولة الحوار الأولى، وأفضت في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلى رفع عقوبات اقتصادية وحظر تجاري كان مفروضا على السودان منذ 1997.

تهمة الإرهاب

غير أنه ومنذ صدور قرار ترامب رفع العقوبات الأمريكية الاقتصادية والتجارية، لم يحدث أي تغيير يذكر ولا يزال السودان على لائحة الدول الراعية للإرهاب كما ظل نظام العقوبات الاقتصادية بصورة خفية حسب الدكتور هيثم فتحي المتخصص في الاقتصاد السياسي.

ويقول فتحي لـ "عربي21": "لم تخفف واشنطن التدابير الصارمة على التحويلات المصرفية التي تتم بالدولار الأمريكي من وإلى السودان والبنوك العالمية، ولا يزال التمثيل الدبلوماسي دون المستوى".

وظلت العلاقات في حالة جمود عرقل انطلاقة المرحلة الثانية من الحوار الهادف إلى محو اسم السودان المدرج في لائحة الدول الراعية للإرهاب كانت هي السبب المباشر في إفراغ قرار إلغاء العقوبات الإقتصادية من مضمونها التنفيذي.

وبدأت مرحلة ثانية للحوار بين الولايات المتحدة والسودان في الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي في واشنطن، متأخرة عاما كاملا عن موعدها الذي كان مقرراً مباشرة بعد نهاية المرحلة الأولى من مفاوضات استغرقت عاماً ونصف، بدأت قبل ستة أشهر من مغادرة إدارة الرئيس باراك أوباما، حيث بادر قبيل أسبوع من انتهاء ولايته بإصدار قرار علّق بموجبه مؤقتاً العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان من طرف واحد منذ العام 1997، وترك لإدارة سلفه الرئيس دونالد ترامب مهلة ستة أشهر أخرى اختبار التزام السودان بخطة المسارات الخمسة التي تضمنت الشروط الأمريكية في مرحلة الحوار الأولى، وبعد تمديد للمهلة لثلاثة أشهر أخرى قرر الرئيس ترامب التصديق بصفة نهائية على قرار أوباما المؤقت برفع العقوبات على السودان.

ترشيح البشير

ويعتقد الصحافي والمحلل السياسي خالد التجاني أن السبب المباشر في عودة التوتر في العلاقات بين الخرطوم وواشنطن هو زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان للخرطوم في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، فقد رشح أن من بين القضايا التي أثارها في محادثاته مع الجانب السوداني مسألة إعادة ترشيح الرئيس عمر البشير في انتخابات 2020، على الرغم من القيود الدستورية التي تحظر ترشحه لأكثر من دورتين استوفاهما في انتخابات عامي 2010، و2015، وهي مسألة ذات حساسية سياسية عالية في معادلات السلطة بالنظر إلى أن الولايات المتحدة إضافة لحلفائها الغربيين ظلوا يقاطعون التعامل مع الرئيس البشير منذ إصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في آذار/مارس 2009 مذكرة اعتقال بحقه على خلفية انتهاكات بارتكاب جرائم حرب في دارفور، بيد أنهم ظلوا يواصلون التعامل مع حكومته حتى مستوى النائب الأول للرئيس.

وربما يفسر هذا التحليل أيضا رد فعل الرئيس السوداني على الاشتراطات الجديدة للولايات المتحدة من أجل إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي ربما شملت بدون إعلان موقف الإدارة الأمريكية القديم من عملية إعادة ترشيح البشير لولاية جديدة.

وساطة السعودية

لكن مراقبين يشيرون إلى زاوية أخرى في علاقات الخرطوم الشائكة، وتتعلق بالدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في إذابة الجليد في العلاقات السودانية ـ الأمريكية عقب انخراط السودان في تحالف عاصمة الحزم الذي تقوده السعودية في حرب اليمن.

ويقول هيثم فتحي لـ"عربي21": "السعودية من أهم الدول التي ساعدت في رفع الحظر الأحادي عن السودان".

ومع الضغوط التي تواجهها السعودية حاليا والموقف الأمريكي من حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي يبقى من غير المحتمل أن يكون للسعودية دورا فعالا في التأثير على علاقات الخرطوم وواشنطن، ويعتقد في هذا الخصوص أن الولايات المتحدة وضعت اشتراطات جديدة على السودان بعد تراجع الدور السعودي من هذه العلاقة.

ويلاحظ هذا الاتجاه الباحث في الشؤون السياسية كباشي البكري، إذ يرى أن التطورات الأخيرة في ملف العلاقات السودانية ـ الأمريكية تأتي من قبل الحكومة السودانية وبمساعي اقليميه ودولية. 

ويقول كباشي لـ"عربي21": "إن الخرطوم تسعى لعكس جهودها بالمزيد من الحريات الصحفية بعد التوقيع الأخير في البرلمان على ميثاق الشرف الصحفي وإسقاط التهم والبلاغات ضد الصحف من قبل جهاز الأمن والمخابرات، فضلا عن القرار الذي أصدره الرئيس السوداني عمر البشير الذي يقضي بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين القابعين في سجون بلاده في آب/اغسطس الماضي، إضافة للانفتاح السياسي والحوار مع الحركات والأحزاب المعارضة، والتزام بإحراز تقدم في ملفات حقوق الإنسان.

ورأى أن الخرطوم نشطت في العديد من الملفات الإقليمية من حولها، حيث جمعت الفرقاء الجنوبيين حول إحياء اتفاقية السلام وحل القضايا الخلافية التي تعتريها، ومساهمة السودان في التحولات بين دولتي أثيوبيا وإرتريا ومباركة اتفاق السلام الأخير بين البلدين المتجاورين.

كما تشارك الخرطوم بفعالية في إقرار اتفاق سلام في دولة إفريقيا الوسطى لينهي الانقسام في البلاد، بعدما تبنى الاتحاد الأفريقي مبادرة السودان للسلام في جارته الغربية المتاخمة لإقليم دارفور.

ويرى الباحث في الشؤون السياسي كباشي أن الخرطوم أوفت بكافة الإشتراطات الأمريكية وتبنت سياسة خارجية إقليمية أفرزت التقارب السوداني المصري الأخير والزيارات المتبادلة بين الرئيسين السوداني عمر البشير والمصري عبد الفتاح السيسي. 

لكن كل ذلك لم يمنع الباحث كباشي وعديد من المحللين السودانيين من طرح تساؤلات عما إذا كانت واشنطن جادة في الإيفاء من جانبها بوعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب؟