قضايا وآراء

لقاءات ابن سلمان في الأرجنتين تعيد ترسيم معالم الأزمة

1300x600

أعلن البيت الأبيض على لسان مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي جون بولتون بأن ترمب لن يلتقي ولي العهد السعودي على هامش قمة العشرين في الأرجنتين؛ موضحا أن اللقاء ليس ضمن جدول أعمال الرئيس الأمريكي؛ في المقابل أعلن الكرملين بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيلتقي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ فهل ترسم هذه اللقاءات معالم خارطة جديدة للصراع الدولي والإقليمي محورها أزمة خاشقجي؛ خارطة توضح خطوط التماس والمواجهة في الإقليم وأمريكا والساحة الدولية.

جدل الإعلانات من موسكو وواشنطن توسط الأنباء المتداولة حول إمكانية لقاء أردوغان بولي العهد السعودي؛ إذ كشف المتحدث باسم الرئاسة التركية بأن ولي العهد السعودي طلب في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي أردوغان لقاءه ليرد الرئيس التركي بالقول "سنرى" دون أن تحسم المسالة أو توضح طبيعة اللقاء إن كان رسميا أو مجرد التقاط صور وتبادل للتحية .

في المقابل فإن المستشارة الألمانية "ميركل" أعلنت عن عدم رغبتها لقاء ولي العهد السعودي في حين لم يحسم ماكرون وتيريزا ماي موقفهما ولم يعلنا عن الطريق الذي سيسلكانه للتعامل مع ولي العهد السعودي وتركا الأمر للكاميرات والصحافة لتقرر ذلك فهي فاعل لا يقل أهمية عن الزعماء الدوليين وصناع القرار.

فالكاميرات ووسائل الإعلام ستلاحق ولي العهد وستحوله إلى نجم تتربص به وبمن حوله؛ ما سيجعل من لغة الجسد والإشارة والمسافات المتقاربة والمتباعدة بين زعماء الدول مسألة ذات معنى ومغزى كبير في القمة.

 

إقرأ أيضا: فايننشال تايمز: كيف سيكون حال ابن سلمان في الأرجنتين؟

كثافة الحديث عن لقاءات ولي العهد السعودي وجهوده التي يبذلها للقاء زعماء الدول توضح الكثير عن طبيعة جولة الأمير التي بدأها في أبو ظبي؛ إذ يسعى ولي العهد السعودي إلى كسر العزلة السياسية التي تجمعت نذرها بعد حادثة مقتل خاشقجي باستثمار قمة العشرين للتأكيد على شرعيته ومشروعية تمثيلة للمملكة العربية السعودية .

استثناء الأردن والمغرب

جولة واجهت العديد من المعوقات والتساؤلات حول الدول المستهدفة فاستثناء الأردن من الجولة مقابل زيارة ولي العهد لمعبر عرر الحدودي مع العراق؛ المعبر الذي يعد منافسا قويا  لمعبر طريبيل الأردني قدمت رسالة مبهمة خصوصا وأنها جاءت في أعقاب إعفاء عمّان لـ "باسم عوض الله" من مهامه كمبعوث للمملكة الأردنية في الرياض والمعروف بقربه من السلطات في السعودية.

الأسئلة المترافقة مع جولة الأمير لم تتوقف عند حدود الأردن كدولة جوار بل امتدت لتشمل المملكة المغربية التي استثنيت من الجولة ولكن نتيجة لعدم تحمس الرباط لها هذه المرة؛ في حين تمتعت  تونس بقدر عالي من الصخب أقوى حدة من جارتها الجزائر، إذ تظاهر المئات من النشطاء في العاصمة تونس رفضا لزيارة ولي العهد ترافقت مع إطلاق مواقف متشددة في الجزائر رافضة للزيارة؛ راسمة بذلك حدودا إقليمية للأزمة وتفاعلاتها لا تقتصر على تركيا وإيران والخليج العربي .

رصد المواقف أثناء جولة ولي العهد امتدت إلى تولد مخاوف في "بيونس ايرس" عاصمة الأرجنتين من امكانية مطالبة الأنتربول بالقبض على ولي العهد ترافقت مع احتمالات رفع قضايا في المحاكم الأرجنتينية أثناء زيارة مشاركة ولي العهد بقمة العشرين.

 

إقرأ أيضا: هكذا سقط صحفيو مصر باختبار ابن سلمان ونجح "التوانسة"

محاولة لاختراق الساحة الدولية

 زيارة ولي العهد السعودي في المجمل محاولة لاختراق الساحة الدولية وتكريس المكانة السياسية لولي العهد محمد بن سلمان؛ إلا أنها قادت بشكل غير مباشر إلى اختبار امكانية تدويل الملف باعتباره قضية رأي عام دولي لازالت تتفاعل في الساحة الأمريكية والإقليمية والدولية تاركة الباب مفتوحا لنقاشات واسعة حول مستقبل ولي العهد.

 

رصد المواقف أثناء جولة ولي العهد امتدت إلى تولد مخاوف في "بيونس ايرس" عاصمة الأرجنتين من امكانية مطالبة الأنتربول بالقبض على ولي العهد


فالحساسية العالية التي أبداها الرئيس الأمريكي ترمب في التعامل مع امكانية لقائه ولي عهد السعودية في بوينس آيرس تؤكد قوة الضغوط التي يتعرض لها الرئيس على خلفية تقرير وكالة الأمن المركزي الأمريكية (CIA)؛ والمترافقة مع مخاوف من تعرض الرئيس الأمريكي إلى مساءلة أمام لجنة الاستخبارات برئاسة ادم شيف مستقبلا عن موقفه من التقرير وعلاقته بالسعودية .

مخاوف تؤكدها تصريحات ترمب الأخيرة لصحيفة واشنطن بوست أكد فيها أن بقاء القوات الأمريكية في الشرق الأوسط مرتبط بأمن "اسرائيل" وبقائها؛ وموضحا علاقاته ورؤيته للعلاقة مع السعودية بالإشارة إلى تراجع أهمية النفط في رسم معالم العلاقة مع السعودية في ظل ارتفاع انتاج الولايات المتحدة الأمريكية من النفط إلى 12 مليون برميل يوميا؛ فالسعودية والعلاقة معها لم تعد المعيار الأساس؛ ما يمثل تراجعا عن تصريحاته السابقة التي أكدت على أهمية السعودية في الاستراتيجية الأمريكية؛ تاركا الباب مفتوحا أمام الكونغرس والمؤسسات السيادية الأمريكية لتحديد مسار السياسة المستقبلية تجاه ولي العهد محمد بن سلمان وواضعا مسافة تسمح له بالمناورة مستقبلا أمام حالة انعدام اليقين داخل أمريكا؛ مكرسا بذلك خطوط التماس الجديدة لخارطة العلاقة مع السعودية في ضوء أزمة خاشقجي.

في المقابل لم ترغب موسكو بتفويت الفرصة لتقديم نافذة تمكن بن سلمان من المناورة وللتواصل مع موسكو؛ مسألة سيتم تفسيرها وتوظيفها بطرق متعارضة على الأرجح من قبل الأطراف المعنية بأزمة خاشقجي ومستقبل ولي العهد السعودي؛ مبرزة بذلك حدودا جديدة ممكنة للأزمة يحب التعاطي معها مستقبلا. 

مشاركة ولي العهد محمد بن سلمان في قمة العشرين تمثل ذروة الإشتباك السياسي لولي العهد السعودي في التعامل مع تداعيات مقتل خاشقجي في اسطنبول؛ سياسة ستبقى حمالة أوجه؛ إذ لن تحسم المسألة بالكامل ولكنها ستعيد حسابات الأطراف المنخرطة فيها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية  فصور ولقاءات محمد بن سلمان في "بيونس أيرس" ستحتل مساحة كبيرة من التغطية الإعلامية في أمريكا والعالم ولفترة ليست بالقصيرة وستؤجج الصراع داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ ستتعامل معها الأطراف المنقسمة حول الأزمة بطرق مختلفة؛ ما يعني أن الأضرار وقعت لا محالة في السياسة الأمريكية وبات من الصعب تداركها بكلف منخفضة وهنا تكمن المعضلة الأمريكية في أزمة خاشقجي .

لقد رسمت أزمة مقتل خاشقجي خارطة جديدة لعلاقات المملكة العربية السعودية مع المحيط الإقليمي والدولي والأهم في الساحة الأمريكية؛ خارطة تتوزع فيها خطوط التماس والنقاط الساخنة على عدد غير محدود من الجبهات في أمريكا والعالم العربي والساحة الدولية والمؤسسات الحقوقية والجنائية؛ ما يجعل من أزمة خاشقجي أزمة مزمنة ومكلفة للسعودية وللولايات المتحدة الأمريكية؛ فالأضرار وقعت وخفضها بات مسألة غاية في الصعوبة في المرحلة المقبلة.