قضايا وآراء

فستان رانيا يوسف.. إرادة نظام

1300x600
انشغلنا وانشغلت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بكافة صوره؛ بفستان الممثلة رانيا يوسف في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مؤخراً، وكأننا عدمنا مشاكلنا الحياتية والسياسية العميقة، ونملك رفاهية الفراغ الفكري للاستغراق في قضايا هامشية كهذه أقل ما يُقال عنها أنها تقع ضمن سفاسف الأمور.

ثمة سلوك متعمد دأب عليه إعلام النظام نجح من خلاله في استدراج اهتمامات الجميع تجاه تلك القضايا، واستهلاك طاقاتنا في تقييم وتفسير ونقد الحالة عموماً، تماماً مثلما حدث مع غادة عبد الرازق صيف 2017، حيث لم تكن أول مرة ولن تكون الأخيرة، ما دام هناك من يلعب على وتر إثارة الغرائز المكبوتة في مجتمع مقهور ومحاصر بالفقر والعوز.

لا أبرئ النظام من التشجيع على الاستغراق في تفاصيل وملابسات حالة رانيا يوسف ومن على شاكلتها؛ لأنه أفسح المجال لتغطية القضية في جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، بهدف الإلهاء والاستهلاك المحلي، عبر صرف نظر الشارع بعيداً عن قضاياه المصيرية الجادة، على اعتبار أنه (أي النظام) المتحكم الأول - كما هو ثابت ومعلوم - في توجيه بوصلة الإعلام فكرياً وسياساً ومالياً أيضاً، وإلا لأصدر أمراً بعدم إثارة الحدث اعلامياً والاكتفاء بالفرقعة الإعلامية الأولى فقط، إذا توافرت لديه الإرادة الحقيقية الصادقة لذلك.

منذ البداية ونعلم أن رانيا يوسف لن يصيبها مكروه أو شيء من العقاب أو المنع من الظهور في المشهد الفني المتعفن، اللهم إلا استدعاء النيابة لإجراء تحقيق روتيني بسيط لسماع أقوالها لا أكثر بكل ود واحترام بهدف ذر الرماد في العيون، ليس إلا، ذلك أن ما فعلته رانيا ومن على شاكلتها لا يشكل تهديداً للنظام الحاكم، بل على العكس فإن إثارة الغرائز الجنسية أحد أهم عوامل بقاء أي نظام مستبد وليس العكس، لأن الجنس والعري يلغي العقل السياسي في إطار سياسة تمييع الوعي الجمعي الذي هو أخطر ما يخافه النظام، وأي نظام عسكري مستبد.

لن تتم ملاحقة رانيا يوسف قضائياً أو أمنياً؛ لأن ما اقترفته ليس من قبيل المحرمات السياسية التي تقض مضاجع الحاكم، والتي يُعاقب عليها القانون بتهمة قلب نظام الحكم وتكدير السلم العام، رغم أنه يدخل ضمن قائمة الحرام الديني والأخلاقي في المجتمع، والتي لا تزعج بطبيعة الحال النظام ما دام يحكم بسلام، حيث لم تدعُ لمظاهرة أو أبدت رأياً سياسياً خارج السرب ومخالفاً لتوجهات الحاكم بأمره، حيث إن المحرمات الثلاثة المحظور الاقتراب منها هي "شخص الرئيس والجيش و30 يونيه". 

نظام السيسي لا يتمعر وجهه إذا ما انتهكت حرمات الله، حيث يسمح بسب الدين علانية في الشوارع والأزقة والمؤسسات وكأنه لا يرى أو يسمع، لكن في المقابل تنتفض أجهزته الأمنية والمخابراتية بقمع وإسكات أي صوت معارض له، ولو من باب النصح من داخل حظيرته. لذا، فإن الفستان العاري المخجل الذي ظهرت به أمام العالم ليس سوى ثقافة نظام يروج لها داخل صفوف العوام حتى يهجروا السياسة تماماً ويطلقوها بالثلاثة، وحتى تصير هذه الثقافة إرادة شعبية!