قضايا وآراء

صراع خفي على "الدوار الرابع" في عمّان

1300x600

تختلف التقديرات حول الإتجاه الذي يسير فيه حراك "الدوار الرابع" في العاصمة الأردنية عمّان، إذ لا يزال في طوره الأول، تتباين فيه الشعارات وتتضارب وتتنوع المطالب؛ بين شعارات اقتصادية وأخرى اجتماعية بنزعة اقتصادية قوية؛ وثالثة سياسية بحتة؛ وفي ظل التيه المرتبط بالحراك ودوافعه ومسار تطوره المستقبلي؛ برز إلى السطح صراع خفي سواء بين الحكومة وخصومها أو بين القوى السياسية والإقتصادية المتنافسة لتبني الحراك واستثماره؛ وبات من المحتمل أن يتحول الأمر إلى توجه عام في الدولة لاستثماره خارجيا لتحسين التموضع السياسي والإقتصادي للدولة.

فالحراك الإحتجاجي في الدوار الرابع يخضع لمحاولات تفسير متعددة؛ كما يخضع لمحاولات متواصلة لتوظيفه وتوجيهه؛ وفي ذات الوقت يستخدمه الكثيرون لإثبات صدق نظرتهم وتوجيه اللوم لخصومهم في الساحة الداخلية؛ يظهر ذلك بقوة عند الحديث عما يسمى بـ "الليبراليين" و"المحافظين" في الأردن، فكل يلقي اللوم على الآخر في تفجر الأزمة الإقتصادية وفشل الإدارة الأردنية.

 

إقرأ أيضا: مفارقة "الدوار الرابع"!
 
المحافظون ممثلين برؤساء الوزراء السابقين يحملون حكومة الرزاز والتيار الليبرالي مسؤولية الواقع الإقتصادي المتدهور في حين يحمل الليبراليون ومن معهم (المحافظون) مسؤولية التدهور الإقتصادي والإجتماعي الناجم عن الفشل في الإدارة العامة للدولة وتضخمها وتحولها الى ريعية غير منتجة.

صراع في وسائل الإعلام

الصراع انتقل إلى المنابر الإعلامية بكثافة ظهور رؤساء الوزراء السابقين الذين يشعرون بالتهميش ويخشون من أن تتجاوزهم المرحلة؛ فالمؤشرات الأولية أفادت بإمكانية استمرار حكومة الرزاز لعامين قادمين بعد أن أعلن رئيس الوزراء عمر الرزاز خطته الحكومية وعكس نيته لتعديل حكومته بعقد خلوة في البحر الميت استعدادا لذلك مبتعدا عن الصالونات السياسية التقليدية التي يديرها في الغالب المحافظون؛ لتنطلق مواجهة إعلامية وسياسية اتسع مداها خلال الأسبوع الفائت محولة  وسائل الإعلام  المرئية ساحة لها يقودها مسؤولون سابقون كبار على غير العادة كرئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابده وعبد الله النسور؛ في حين كان يكتفى في السابق بمقالة لهذا الكاتب أو تقرير لذاك الصحفي أو الموقع ينقل ما يسمعه في الصالونات المغلقة حول التشكيلات الحكومية والتوجهات العامة لتشكيل الحكومة.

حكومة الرزاز من جهتها اشتبكت مع المشهد السياسي وسعت لإظهار جديتها في العمل ومعالجة ملفات مزمنة كملف أبناء غزة بإعطائهم حق التملك، وهو ملف مزمن عجزت الحكومات السابقة عن معالجته بالسرعة التي قام بها الرزاز؛ أو من خلال سحب قانون الجرائم الإلكترونية وتعديله؛ أو بسرعة الإستجابة للأزمات القابلة للإنفجار كملف وزارة الأوقاف المرتبط بإذان الإقامة؛ فالرزاز أصبح سريع الإستجابة ويتقن فن التحرك السريع رغم الإنتقادات اللاذعة لأدائه وآداء حكومته الذي يخضع لرقابة مشددة من الشارع ومن الخصوم ومن الحراك والأحزاب؛ إذ أتقن إلى حد ما إطفاء الأزمات والتعامل السريع معها بشكل مثير للإهتمام؛ فالأزمات متنقلة ومتكاثرة تتفجر بين الحين والآخر وتكاد في بعض الأحيان تمزق حكومة من الداخل وتتطلب استجابة سريعة.

ساحة للتنافس

لم يقتصر الصراع على المواجهة الإعلامية والأزمات المتفجرة؛ إذ أصبح الدوار الرابع أحد أوجه التنافس، فلقاء رئيس الوزراء مع عدد من نشطاء الرابع أوحى برغبة حكومية بتبني مطالبهم وعقلنتها وتحويلها إلى برنامج عمل مستقبلي للحكومة مستفيدا من الأخطاء التي يرتكبها المحافظون عبر ظهورهم المتكرر على وسائل الإعلام.

المحافظون رغم قدرتهم الكبيرة على إرباك الحكومة فان خطابهم يتميز بالطابع الإستفزازي بالحديث المتكرر عن ضرورة زيادة عدد الوزراء مكرسين بذلك مفهوم الدولة الريعية والمنطق الجهوي؛ أو من خلال الحديث عن آلية تعيين الوزراء والتي لازالت تتم عبر آليات تضيق على المعارف وتستبعد بالمطلق امكانية إنشاء حكومة برلمانية أو حكومة من طيف واسع من المجتمع الأردني؛ تصريحات حولت شبكات التواصل الإجتماعي إلى ساحة معركة بعد كل تصريح أو لقاء يقوم به المسؤولون السابقون ممن اصطلح على تسميتهم بالمحافظين.

 

إقرأ أيضا: الدوار الرابع.. هايد بارك أم ساحة احتجاج

معركة سرعان ما انتقلت الى الدوار الرابع اذ تحولت الى شعارات وهتافات للحراكيين هاجموا من خلالها بعض المسؤولين الذين اطلقوها محولة خطاب الإهتمام نحو خطاب المحافظين الإستفزازي؛ والذي لا يستجيب للمطالب الشبابية والإقتصادية بل يعكس مخاوف المحافظين وتوجهاتهم التقليدية.
تفاعل الرابع بقوة مع معركة المحافظين والليبراليين وحكومة الرزاز ؛ معطيا رئيس الوزراء عمر الرزاز فرصة للمناورة السياسية ومحولة الرابع بشكل او اخر الى ساحة تتجاذبها القوى المتصارعة ممن يمكن تسميتهم محافظين أو ليبراليين.

  .
الرابع لم يتوقف عن التفاعل والتحول الى ساحة تتفاعل فيه القوى السياسية اذ انضمت الأحزاب اليسارية وعلى رأسها الحزب الشيوعي الأردني وحزب الوحدة الشعبية إلى جانب حزب إسلامي حديث النشأة برئاسة الشيخ سالم الفلاحات؛ ورغم حالة التجاذب الواضحة خلال الاأام القليلة الماضية إلا أن الرابع لازال بدون راع حقيقي ما فتح الباب للحكومة للتفاوض معه والتحاور على أمل تحويلة إلى ساحة للتحاور والتفاوض والأهم إعادة توجيهه بما يخدم السياسة الحكومية سواء في الداخل الأردني أو في الساحة الدولية للضغط على المجتمع الدولي وصندوق النقد؛ ولإدماج أولويات الحكومة والحراك لتتحول إلى سياسة حكومية تتجاوز المحافظين وتتجاوز خصومها .

 

إقرأ أيضا: الرزاز "الانتحاري".. الأردنيون يطلبون أكثر من التقاط الصور