حقوق وحريات

ارتفاع قياسي في عمليات التصفية خارج إطار القانون بمصر

كثير من الضحايا سبق اعتقالهم وإخفاؤهم قسريا

تزايدت حوادث التصفية الجسدية التي تقوم بها أجهزة الأمن المصرية في الفترة الأخيرة لمواطنين تقول إنهم مطلوبيون أمنيون، أو متورطون في حوادث إرهابية، حتى وصلت هذه الحوادث إلى أرقام غير مسبوقة.

واعتاد الأمن المصري خلال السنوات الخمس الماضية، إصدار بيانات صحفية تكاد تكون متطابقة، تؤكد أن قتل المطلوبين تم بعد أن بادروا بفتح النيران على القوات، ما اضطرها إلى قتلهم جميعا خلال الاشتباكات، ودائما ما تؤكد البيانات أنه جار تحديد هويات القتلى الذين عثر بحوزتهم على أسلحة آلية وذخيرة ومنشورات تنظيمية، تثبت انتماءهم للجماعات الإرهابية.

لكن منظمات حقوقية، محلية ودولية، تكذب هذه الروايات الرسمية، وتؤكد أن القتلى تم تصفيتهم جسديا بدم بارد، وأن كثيرا منهم هم مواطنون تم إخفاؤهم قسريا، بعد اعتقالهم مسبقا على أيدي قوات الأمن بشكل غير قانوني ودون إذن قضائي.

أرقام قياسية

وأعلنت القوات المسلحة المصرية في بيان لها يوم الأربعاء الماضي تصفية 27 شخصا في سيناء، قالت إنهم تكفيريون شديدو الخطورة، قتلوا خلال تبادل لإطلاق النيران، كما أعلنت وزارة الداخلية يوم السبت الماضي مقتل "إرهابيين" اثنين خلال اشتباك وقع في أثناء مداهمة منطقة جبلية بالصعيد، وقالت في بيان لها، إنهما شاركا في الهجوم على حافلة للأقباط بالقرب من دير الأنبا صموئيل بالمنيا الشهر الماضي.

وقبل ذلك بأربعة أيام، أعلنت الداخلية مقتل أحد "الإرهابيين" وإصابة آخر في اشتباكات مع الأمن على طريق الفرافرة بالصحراء الغربية.

ورصدت منظمات حقوقية مقتل أكثر من 130 شخصا خلال شهري تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وكانون الأول/ ديسمبر الجاري.

وقال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي، إن "الداخلية المصرية قامت خلال الشهور الأخيرة بارتكاب 54 عملية تصفية ميدانية، مشيرا إلى أن قتل جميع الضحايا تم من دون الإعلان عن أسمائهم، وأنه تم تصويرهم جميعا دون آثار دماء إلى جوار جثامينهم".

كما وثقت المنظمة العربية لحقوق الإنسان 157 حالة تصفية جسدية لمواطنين خارج إطار القانون، خلال الفترة من تموز/يوليو 2013 وحتى تموز/يوليو 2017، بحجة تورطهم في مواجهات مع قوات الأمن.

"إطلاق نار مدبر"

وأكدت الخبيرة في الشبكة العربية للصحة النفسية شيرين فؤاد، فبركة الصور التي تداولتها وزارة الداخلية في شهر تشرين الثاني/ الماضي بشأن تصفية 19 مواطنا مجهولي الهويات، بزعم تورطهم في الهجوم المسلح على حافلة الأقباط بالمنيا.

وأكدت فؤاد، عبر "فيس بوك"، أن الضحايا تم قتلهم بعيدا عن موقع التصوير، وتم إحضار الجثث إلى هذا المكان للإيحاء بوقوع اشتباك مسلح أسفر عن مقتلهم خلال تبادل لإطلاق النار، موضحة أن صور الجثث التي تم نشرها في بيان الداخلية، تم معالجتها ببرنامج "فوتوشوب" بطريقة ركيكة، تكشف الاستخفاف بعقول الناس"، حسب قولها.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد قالت في بيان سابق لها، إن العديد من حوادث التصفية الجسدية في مصر بدا أنها عمليات قتل خلال إطلاق نار مُدبر خارج إطار القانون، شملت أشخاصا كانوا قد احتجزوا سابقا على أيدي قوات الأمن".

كما أكدت منظمة العفو الدولية صحة الفيديو الذي أذاعته قناة "مكملين" في نيسان/ إبريل 2017 ويظهر جنودا في الجيش المصري يقتلون معتقلين معصوبي الأعين في سيناء، ثم يضعون بجوار جثامينهم أسلحة آلية، وتم نشر صورهم لاحقا في بيان رسمي للمتحدث باسم القوات المسلحة، باعتبارهم مسلحين تم قتلهم في اشتباك مع قوات الجيش.

"من أمن العقوبة"

وتعليقا على تلك الحوادث قال الناشط الحقوقي أحمد الإمام، إن القتل خارج إطار القانون زادت في السنوات الخمس الأخيرة بشكل غير مسبوق في مصر، مشيرا إلى أن تأكد السلطات من قدرتها على الإفلات من المحاسبة، هو ما يدفعها إلى ارتكاب المزيد من تلك الجرائم.

وأضاف الإمام، في تصريحات لـ "عربي21"، أن الأجهزة الأمنية ترتكب جرائم التصفية الجسدية للتغطية على فشلها، حتى إنه أصبح من السهل توقع ارتكاب جريمة تصفية جسدية لعدد من الأشخاص عقب أي حادث إرهابي لتهدئة الرأي العام، وبعدها يصدر بيان مكرر من الداخلية يستخدم الألفاظ ذاتها مع تغيير وقت ومكان الجريمة وأعداد القتلى فقط.

وشدد على أن "الصور التي تنشرها الداخلية، تظهر أنها حوادث مرتبة حيث يبدو واضحا أن عملية القتل تمت من مسافة قريبة وبإصابات مباشرة في الرأس والصدر، فضلا عن عدم إصابة أي فرد من الشرطة في تلك الاشتباكات المزعومة".

وأشار إلى أن "عدم اعتقال أي مسلح في المواجهات، هو دليل آخر على كذب الداخلية رغم ما يمثله اعتقال المشتبه بهم من أهمية بالغة لأجهزة الأمن في أي دولة أخرى، حتى تحصل منهم على معلومات عن العمليات التي ارتكبوها أو الأشخاص الذين يساعدونهم؟".

واختتم تصريحاته بأن سرعة التحرك والقدرة الفائقة على الوصول للجناة عقب كل حادث إرهابي، هو أمر يثير الشكوك، فلو كان الأمن بهذه الكفاءة العالية، فلماذا لم يتحرك طوال السنوات السابقة لمنع الجرائم قبل وقوعها.

 

اقرأ أيضا: هل ينجح نظام السيسي في إغلاق ملف "الإخفاء القسري"؟