مقابلات

سياسي ألماني لـ عربي21: هذه دلالة انسحاب أمريكا من سوريا

قارصلي: القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا خطوة إيجابية جدا على صعيد العلاقات التركية الأمريكية- عربي21

بعد 7 أيام من إعلان تركيا عن عزمها شن عملية عسكرية جديدة في سوريا ضد الوحدات الكردية المسلحة التي تصنفها أنقرة "إرهابية"، أعلن البيت الأبيض الأربعاء 19 ديسمبر/ كانون الأول أن الولايات المتحدة سوف تبدأ بسحب قواتها من سوريا، وهو ما أثار تساؤلات كثيرة حول طبيعة العلاقة والتنسيق بين الجانبين التركي والأمريكي.


ويوم الأربعاء الأربعاء، 12 ديسمبر، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده ستقوم بـ"عملية عسكرية ضد الإرهابيين في شرقي الفرات فجأة وعلى حين غرة"، مضيفا: "جاء الدور للقضاء على بؤر الإرهاب، في مناطق شرقي الفرات".


وأردف الرئيس التركي: "رغم أن 80-85 في المئة من سكان منبج من العرب، إلا أن المدينة واقعة الآن تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية التي تتصرف بغطرسة هناك، والولايات المتحدة غير قادرة على إخراج الإرهابيين؛ إذن نحن سنخرجهم فقد بلغ السيل الزبى".

 

اقرأ أيضا: أردوغان: عمليتنا شرق الفرات ستبدأ خلال أيام

تنسيق أمريكي تركي


وعن العلاقة بين الانسحاب الأمريكي والعملية العسكرية التركية المعتزم شنها شرق الفرات، اعتبر السياسي الألماني، من أصل سوري، جمال قارصلي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن القرار الأمريكي خطوة إيجابية جدا على صعيد العلاقات التركية الأمريكية، ويظهر للعالم مدى تطور العلاقات بين الجانبين، خاصة في الفترة الأخيرة.


وقال قارصلي، الذي يعيش في ألمانيا منذ عام 1980، وكان نائبا في البرلمان الألماني لمدة عشر سنوات، ومؤسس حزب "FAKT" الألماني: "أتصور أن القرار له علاقاة بسلسلة طويلة من المباحثات والتنسيق على مستوى عال جدا بين الجانبين التركي والأمريكي، وقد يكون تأخر القرار التركي ببدء عملية شرق الفرات له علاقة بقرار الانسحاب".


وأضاف: "صحيح أن ترامب لوح منذ ستة أشهر بتغريدة له عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من سوراي، إلا أن الإصرار التركي على إبعاد الـ "بي كا كا" وكل مشتقاتها في منطقة الشمال السوري، وجهوزية الجيش التركي لدخول منطقة منبج.، ربما عجل بالقرار الأمريكي".


وفي أول تعليق رسمي تركي على القرار الأمريكي، رحب وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بالقرار، وقال في تصريحات للصحفيين من مالطا يوم الجمعة إن واشنطن يجب أن تنسق الانسحاب مع أنقرة.


وكانت أنقرة دائما ما تنتقد واشنطن حيال ملف شرقي الفرات، في ظل الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لوحدات "حماية الشعب" الكردية، التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية منبثقة عن حزب العمال الكردستاني.

 

اقرأ أيضا: بعد القرار الأمريكي المفاجئ بالانسحاب.. ما مصير "قسد"؟

 

كسب أنقرة


وأوضح السياسي الألماني من أصل روسي، أن "روسيا وأمريكا الآن يتنافسان لكسب ود تركيا، بعد أن اقتنع الطرفان أن تركيا هي الآن حجر أساس المنطقة، فضلا عن كونها تمتلك أكبر جيش في الناتو، وأمريكا تسعى لجذب تركيا لجانبها بعيدا عن الجانب الروسي، خاصة بعد التلميحات الأمريكية بدراسة إمكانية تسليم فتح الله غولن إلى تركيا".


وحول الانعكاسات المتوقعة للانسحاب الأمريكي على الوحدات التركية في سوريا، أشار قارصلي إلى أن القرار كان صادما لـ "بي كا كا" و"قسد"، وسيكون له تأثير كبير على وجودهم في المنطقة، مضيفا: "اتصور أنهم سينسحبوا ".


وتوقع قارصلي أن يتم الانسحاب الأمريكي تدريجيا، وعلى عدة مراحل، وقد تبدأ المرحلة الأولى للانسحاب من المناطق القريبة من الحدود التركية.


وتابع: "كسوري، أتمنى أن يعقب الانسحاب الأمريكي انسحاب باقي القوى الأخرى وأن تعود سوريا إلى شعبها، وأن تتحول سوريا إلى دولة ديمقراطية تتعايش فيها كل مكونات المجتمع السوري (كردية كانت أو تركمانية أو آشورية أو عربية مسلمة أومسيحية ).

 

وفي تعليقه على العملية العسكرية التركية المعتزم شنها في منبج، قال قارصلي، " أنا من منبج، ولي 32 شهيدا من أقاربي، وأهل منبج ينتظرون العملية التركية بفارغ الصبر، وهم يعرفوا كم قدمت تركيا للشعب السوري، وهناك الكثير من سكان منبج يتواجدون حاليا في تركيا وينتظرون العودة إلى أراضيهم بعد تحريرها من المسلحين".

 

اقرأ أيضا: المعارضة السورية تبعث برسائل طمأنة لسكان مناطق شرق الفرات

مبادرة سلام


قارصلي، الذي أعد مع أحد زملائه المختصين بالشأن السوري، مبادرة للسلام في سوريا، أشار خلال حديثه لـ "عربي21"، إلى إن السوريون يعيشون حاليا مأساة كبيرة، ربما تعد الأكبر بعد مأساة الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد وقوع سوريا تحت الوصاية الدولية.


وأوضح أن النظام السوري تدعمه حاليا كل القوى، في حين تعاني الثورة السورية من "الأعدقاء"(وهم أعداء ولكن بغطاء أصدقاء )، مؤكدا أن كل "العدقاء" غدروا بالثورة السورية.


ولفت إلى أن "سوريا أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الدولية على حساب الشعب السوري، بعد انتزاع إرادته بالقوة"، داعيا إلى ضرورة العمل وبذل الجهود لإعادة القرار للشعب السوري.


وعن مبادرته التي تتضمن كيفية إدخال الديمقراطية في المجتمع السوري، وإعطاء الحقوق الكاملة للأقليات، وعن مدى إمكانية تحقيق السلام في ظل تلك الأوضاع التي تعاني منها سوريا، قال قارصلي: "نحن نسعى ونجتهد في الوصول إلى تطبيق تلك المبادرة، وإقناع الجميع بها، رغم أننا ندرك جيدا أنه لا توجد إرادة دولية في الوقت الحالي لتحقيق السلام في سوريا، و90 بالمئة من أوراق الأزمة السورية في يد الأمريكان".

 

اقرأ أيضا: هذا ما تستغرقه عملية شرق الفرات وطبيعة مشاركة المعارضة

تشتيت الثورة


وفي رده على سؤال لـ "عربي21" حول حالة التشتت التي تعاني منها فصائل المعارضة السورية، وتزايد معدلات الاغتيالات المتبادلة بين بعض الفصائل المسلحة، أوضح قارصلي أن "هناك قرار دولي منذ البداية بعدم توحيد الثورة السورية، وتشتيتها".


وأردف: "كل دولة تبنت فصيل دعمته، وإذا كانت سوريا تخلصت من تنظيم الدولة فهي لا تزال تعاني من جبهة النصرة وهو تنظيم مخترق من كافة المخابرات الدولية (الإيرانية والسورية والأوروبية والروسية  والأمريكية )، وإذا سحبت الدول أسهمها من جبهة النصرة ستنحل لوحدها"، معتبرا أن جبهة النصرة هي مصدر التوتر في سوريا.


ولفت قارصلي إلى أن أغلب الأنظمة العربية تخشى انتصار الثورة السورية، ويدرك زعماء هذه الأنظمة أنه في حال انتصار الثورة السورية ستمتد لتصل إلى عقر دارهم، لذلك هم حاولوا سعوا لإفشالها منذ البداية".


وأكد السياسي الألماني من أصل سوري، أن الثورة السورية لم تنتهي، قائلا: "صحيح لم تنتصر عسكريا، لكنها لم تنته، ولا تزال قائمة على المستوى الشعبي، وإذا كانت الثورة هي التغيير، فسيتم التغيير في سوريا، ولكنه مسألة وقت".


وعن عودة النظام السوري إلى السيطرة مجددا على غالبية المناطق المحررة، قال: "النظام السوري لم ينجح ولن ينجح، فهذا النظام يخاف من السلام كما يخاف الشيطان من المعوذات، ويريد أن تبقى المياه عكره، والأوضاع مؤججة، ويدرك أن وجوده مرتبط باستمرار التوتر، ولو تحقق السلام سينتهي".


وشدد قارصلي على أن وجود الأسد على رأس النظام السوري لن يجلب السلام أبدا إلى سوريا، مستطردا: "لأنه هو السبب في كل ما يحدث، وهو من جلب الثورة السورية إلى مربع العنف، وحتى لو توصل المجتمع الدولي إلى صيغة سلام في سوريا في ظل وجود الأسد سيبقى البارود موجودا في هذه الأزمة".