قضايا وآراء

حلّ المجلس التشريعي الفلسطيني.. الدوافع والمآلات

1300x600

حلّ الرئيس محمود عباس المجلس التشريعي استنادا إلى قرار المحكمة الدستورية؛ علما بأنه لا يوجد دستور للسلطة الفلسطينية وإنما قانون أساسي، فالأمر برمته مرتبط بصلاحيات رئيس منظمة التحرير ومجلسها الوطني ولا يعتبر من صلاحيات المحكمة الدستورية؛ والغريب في الأمر أن مسؤولين في السلطة تارة يرجعون الأمر إلى المحكمة الدستورية وتارة أخرى إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي تملك الحق بإلغاء أي مؤسسة من مؤسسات السلطة؛ فهل تم حل المجلس أم تم إلغاؤه وشطبه من الخارطة السياسية الفلسطينية؛ علما بأن الرئيس عباس تحدث عن امكانية عقد انتخابات بعد ستة أشهر، ما يجعل من قرار المحكمة الدستورية هو الأساس لهذا القرار الذي يصفه الخبير الدستوري الأستاذ الدكتور أحمد مبارك الخالدي بغير القانوني.

 

قرار غير دستوري


والخالدي، هو أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية القانون بجامعة النجاح (سابقاً)، ورئيس لجنة صياغة مشروع الدستور الفلسطيني، قدم رأيا استشاريا لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت خلص فيه إلى "أن قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي غير دستوري وغير مشروع قانوناً، وهي (المحكمة) غير مخولة بإنهاء ولاية المجلس التشريعي التي نصّ القانون الأساسي على امتدادها إلى حين انتخاب مجلس تشريعي جديد وأداء أعضائه اليمين الدستورية، كما أن المحكمة الدستورية تجاوزت في منح نفسها الاختصاص بتحديد موعد الانتخابات المقبلة؛ وهذا القرار يأتي في سياق تغيرات جذرية في طبيعة السلطة الفلسطينية بتأثير بما يجري في المحيط الإقليمي والدولي".

 

إقرأ أيضا: عباس يعلن حل "التشريعي" وانتخابات خلال 6 أشهر.. وحماس ترد

الراي الاستشاري للخالدي احتوى الكثير من البنود والتفاصيل إلا أنه يؤكد حجم الأزمة التي وضعت السلطة في رام الله نفسها فيه، إذ فتح الباب لاشتباك واسع في الضفة الغربية عبر عنه رئيس المجلس التشريعي الدويك؛ الذي دعا لمؤتمر صحفي أمام المجلس التشريعي، فالقانون الأساسي واللوائح الداخلية تسمح له بالدعوة لعقد جلسة للمجلس في آذار (مارس) دون إذن من الرئيس باعتبارها دورة عادية.

 

توقيت لافت

حلّ المجلس التشريعي في هذا التوقيت وإشعال معركة سياسية وقانونية يفتح الباب لمعركة كبيرة قانونية وسياسية، فالدكتور الخالدي يعتبر أحد أهم خبراء القانون الدستوري وأحد المساهمين في صياغة القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية.
 
الغريب في الأمر أن حالة التناقض تزاد سخونة حتى لدى أركان السلطة، فالقرار أربكها على مختلف المستويات الإعلامية والسياسية والقانونية والأمنية؛ فالناطق الإعلامي باسم حركة "فتح" في أوروبا جمال نزال اعتبر الخطوة مقدمة لانتخابات تشريعية أثناء حديثه إلى إذاعة "حياة أف أم" الأردنية، مؤكدا على مشروعية القرار، وفي معرض رده على فايز أبو شماله الذي شاركه البرنامج الإذاعي الأردني؛ قال: إن من حق منظمة التحرير ممثلة بالمجلس الوطني أن تحل المؤسسة التشريعية بعد أن شكك ابو شماله في مشروعية المحكمة الدستورية لعدم وجود دستور أصلا أو صلاحية المحكمة للقيام بذلك، أمر أكده الدكتور الخالدي في ورقته البحثية المعروضة على موقع مركز دراسات الزيتونة بعد ذلك بيومين؛ فالإرباك واضح لدى المؤسسات الإعلامية للسلطة وحركة "فتح" .

ومن ناحية سياسية اشتبك عزام الأحمد مع الفصائل الفلسطينية ودافع عن مشروعية القرار؛ وذهب بعيدا بتجريم أعضاء المجلس التشريعي كونهم ينتحلون صفة لم تعد تنطبق عليهم، تصريح جاء في إطار تبرير استدعاء الأجهزة الأمنية لعبد العزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني؛ الذي دعا لوقفة احتجاجية ومؤتمر صحفي أمام المجلس التشريعي مضيفا بذلك بعدا جديدا يتخذ مسارا أمنيا فالدويك رفض الاستدعاء الامني.

 

أزمة السلطة في رام الله مركبة، فهي تعاني من الشيخوخة وتخشى من الاستحقاقات البيولوجية المترتبة على ذلك


في ضوء هذه الفوضى وحالة الإرباك يطرح سؤال؛ لماذا الآن وما الغاية من اتباع هذه السياسية؟ هل لشيخوخة السلطة علاقة بالأمر؟ وهل أسهم استطلاع الرأي الذي قام به مركز البحوث الفلسطيني بدور في القرار المتهور بعد أن أظهرت النتائج تقدم شعبية اسماعيل هنية إلى 47% مقابل الرئيس عباس الذي حاز على نسبة 42%؟ أم أن الأمر يتعلق بتآكل السلطة في رام الله وتآكل دورها وتنامي دور المقاومة وثقلها خصوصا بعد قرار الجمعية العامة في الأمم المتحدة الذي أفشل القرار الأمريكي لإدانة صواريخ المقاومة؟ أم أن القرار جاء متسرعا بسبب الانفتاح الذي تبديه قوى دولية وإقليمية على حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بعد إطلاق إسماعيل هنية لجولته والتي ستتوج في موسكو في محاولة لتقويض شرعيتها وتعزيز موقف سلطة رام الله في حال إقدام روسيا على لعب دور الوساطة بين "فتح" وحماس؟

الأسئلة والدوافع متشعبة منها ما هو أمني ومنها ما هو قانوني وآخر سياسي ببعد دولي وإقليمي ومحلي.

مآلات غامضة

الأمور تزداد غموضا والتباسا، فالرئيس عباس بحسب بإعلانه الالتزام بقرار المحكمة الدستورية فتح الباب لعقد انتخابات تشريعية بعد ستة اشهر؛ فالقرار مربك جدا ولا يتضمن خارطة طريق حقيقية للتعامل مع تداعياته بالنسبة للسلطة في رام الله ما يعني أنها أدخلت نفسها في مأزق كبير سيتحول إلى كرة ثلج محطما وضع الستاتيكيو (الثبات) محركا المياه الراكدة في الضفة الغربية بإضافة المزيد من الأبعاد السياسية والقانونية لأزمتها في الضفة الغربية.

أزمة السلطة في رام الله مركبة، فهي تعاني من الشيخوخة وتخشى من الاستحقاقات البيولوجية المترتبة على ذلك من خلال حرمان المجلس التشريعي من أي فرصة مستقبلية لإمكانية مناقشة خلافة رئيس السلطة بحسب لوائح المجلس ويعد ذلك من الدوافع القوية القابلة للمناقشة والبحث؛ فغالبية القادة المرشحين لخلافة الرئيس عباس يعانون من الشيخوخة والمرض في حين أن القدرة على التوصل إلى زعيم توافقي مسألة غاية في الصعوبة؛ ما يجعل من المجلس التشريعي لاعبا أساسيا متوقعا في المرحلة المقبلة، فالرئاسة تؤول تلقائيا إلى رئيس المجلس التشريعي؛ ما يوحي بأن قيادة السلطة في رام الله أرادت استباق المعركة قبل اندلاعها على الأرجح، وهي سياسة الهروب إلى الأمام التي ستفاقم الأزمة وتزيدها حدة.

الأمور معقدة جدا؛ إذ تعاطت حركة "حماس" وقوى فلسطينية مع القرار بخطوط متوازية ومتعارضة في آن واحد؛ إذ اعتبرت القرار غير شرعي ومحاولة لفصل الضفة عن قطاع غزة تماهيا مع صفقة القرن؛ في المقابل ظهرت دعوات لعقد انتخابات تشريعية بل وذهب البعض إلى امكانية إيجاد قوائم مشتركة تجمع "فتح" و"حماس" لتجاوز التعقيدات والمخاوف بين الطرفيين، والأهم من ذلك مساعدة السلطة في الخروج من المأزق الذي أدخلت نفسها فيه؛ فالخطوة أطلقت العنان لمزيد من الاشتباك السياسي في الأراضي الفلسطينية؛ ودفعت المشهد نحو المجهول على الأقل بالنسبة للقيادة الفلسطينية في رام الله التي فقدت خارطة الطريق وبات ظهرها مكشوفا سياسيا وقانونيا.

 

إقرأ أيضا: هكذا قرأ محللون وسياسيون قرار حل "التشريعي الفلسطيني"