كتاب عربي 21

هل انتصر بشار؟

1300x600
مكون أساسي من النظام العربي الرسمي، معسكر "الثورة المضادة" تحديدا وممثلا في المحور السعودي- الإماراتي، قرر التطبيع مع النظام السوري. هذا المحور كان قد وفّر دعما سياسيا وماليا، وحرص على تسليح "المعارضة"، ودفع بشكل واضح نحو تعزيز حزام تكفيري متشدد وُجدت نواته الأصلية في التركيبة السورية، وكان النظام السوري أحد رعاتها بالمناسبة. أما الآن، فالإمارات تعيد علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع دمشق، والسعودية تتعهد بالتكفل بنصيب هام من إعادة إعمار سوريا، في حين تتقاطر على حضرة النظام زيارات رسمية لحلفاء المحور الإماراتي- السعودي (زيارة البشير والآن زيارة مرتقبة للرئيس الموريتاني).

إ
عادة سيطرة النظام السوري مع حليفيه الروسي والإيراني على غالبية الإراضي السورية، وتحول بوصلة المحور السعودي- الإماراتي، وإمكانية دعوة بشار إلى القمة العربية في تونس.. هل نحن إزاء "انتصار بشار"؟

هناك طريقتان للإجابة على السؤال: الطريقة المختصرة الرمزية المتمثلة في أن تدمير نظام ما لشعبه بالبراميل المتفجرة والتهجير والكيمياوي لا يمكن إلا أن يكون هزيمة، إذ إن استعادة بشار سيطرته على أجزاء كبيرة على الأراضي السورية لا يعني أنه يمكن له أن يمسح بجرة قلم كل دماء الأبرياء التي سالت تحت بنادقه طيلة السنوات الماضية.. ربما تكون تلك إجابة التاريخ، فكم من طاغية استطاع الاستمرار لعقود في عرشه دون عقاب، بل بعضهم اكتسى أكاليل الفخر والعزة بسبب ذلك.

أما الإجابة الأكثر تعقيدا، فهي تلك المتعلقة بموازين القوى، والتي تتضمن بالتأكيد الأثر المعنوي لسلسلة المجازر والتقتيل التي ارتكبها النظام، لكن ليس من زاوية قيمية حصرا.

ما هي معايير "الانتصار" في عرف المدرسة الواقعية أو مدرسة موازين القوى إذا طبقناها على السياق السوري؟ التحكم بمقاليد الدولة، خاصة منها احتكار السلاح والسيطرة الترابية على أراضيها، والاعتراف الإقليمي والدولي.. ماذا لدينا في سوريا؟

أولا، مسار توسعي لسيطرة قوات بشار الأسد؛ وصل رسميا حتى ثلثي مساحة سوريا، غير أن هذه السيطرة عمليا ليست حصرا لهذه القوات، بل أيضا لحليفيه الروسي والإيراني (بما في ذلك القوات غير النظامية لمختلف التنظيمات الشيعية).

ثانيا، هناك مشكل ولاء في "الجيش العربي السوري"، بسبب التغول الكبير لنفوذ حليفيه. وقد أشار تقرير لموقع "عربي21" مؤخرا؛ حول تعيينات أخيرة داخل الجيش السوري؛ إلى أنها مؤشر على تعدد الولاءات فيه، وكيف أن "روسيا وزعت الكثير من الضباط المحسوبين عليها في مفاصل اتخاذ القرار بوزارة الدفاع والفرق العسكرية المهمة"، أيضا أن "هناك تنافسا إيرانيا- روسيا، داخل مؤسسة الجيش، ومن الواضح أن روسيا تقوم بتوزيع الضباط المحسوبين عليها في المراكز المهمة".

وبمعزل عن هذه التخمينات، من الواضح أن هناك تحديا حقيقيا في إعادة اللُحمة والتجانس داخل المؤسسات الحاملة للسلاح. وتحدث عبد الله عرفان (من مركز جنيف للسياسة الأمنية)، في تقرير خاص بالمعهد الإيطالي للعلوم السياسية الدولية (30 تشرين الأول/ أكتوبر 2018) عن القلق من الوضع "الأمني الهجين". يقول عرفان: "إن دمج القوى الأجنبية وغير الرسمية، وتأثيرها على صنع القرار في القطاع الأمني، يجعل النجاح في استعادة الحوكمة الموحدة للقطاع الأمني قبل عام 2011؛ أمراً مستحيلاً. إن افتقار النظام للأموال، وقاعدته الطائفية الضيقة، سيعزز اعتماده على القوات الأجنبية. سوف تتأثر إعادة توحيد قطاع الأمن بسبب اختلاف وجهات النظر الروسية والإيرانية والسورية حول قضايا مثل النظام السياسي والسياسة الخارجية ودور الجيش، مما يؤثر على حكم الجيش من حيث المركزية والقيادة والسيطرة والكفاءة المهنية".

ثالثا، من الواضح أن النظام السوري بصدد توسيع مجال الاعتراف الإقليمي به من قبل عدد من الأطراف التي كانت في مواجهة معه ومن بينهم المحور الإماراتي السعودي. ومن الواضح أن هناك ضغطا من أجل إعادة إدماجه في النظام العربي الرسمي، خاصة دعوة بشار الأسد للقمة العربية القادمة في تونس. وقد كان من اللافت أن حزب حركة النهضة التونسي قد أصدر يوم الخميس (3 كانون الثاني/ يناير) موقفا فيه تراجع واضح عن القطيعة المعتادة عن النظام السوري، حيث دعا لـ"مصالحة وطنية شاملة".

غير أن ما يمكن أن يغير المعطيات هو نشر النظام السوري في نفس اليوم لقائمة من الأحزاب والجمعيات والشخصيات العربية، واتهامها بأنها متورطة في الإرهاب ضده.. قائمة تتضمن دولا مثل السعودية وتونس (منها حركة النهضة)، وهو ما سيؤدي ربما إلى مراجعة قرار الدعوة، مثلما نقل موقع "أنباء تونس" نقلا عن مصادر مطلعة، فيما يجري الحديث عن إمكانية تأجيل القمة العربية بسبب الانقسام حول هذا الموضوع.

رابعا، التقارب بين المحور الإماراتي- السعودي ودمشق يبدو في تعارض مع التحالف السوري مع إيران. ومن غير الواضح هل يمكن أن يعود النظام السوري إلى التوازن القديم الذي ساد قبل الثورة ثم الحرب الأهلية، والذي تمثل في حفاظ النظام على علاقته بمحورين متناقضين. يجب هنا أن نضيف المعطى الإسرائيلي وتصاعد التوتر بين تل أبيب وطهران من جهة، والتقارب الواضح بين تل أبيب والمحور الإماراتي- السعودي، من جهة أخرى.

خامسا، لا يزال ثلث الأراضي السورية تحت سيطرة أطراف غير حليفة للنظام. القوات التركية تعتبر بقاءها خيارا وجوديا ما دام هناك "التهديد الكردي"، حتى إعلان الانسحاب الأمريكي لا يزال غير واضح المعالم، بعد حديث ترامب عن "تدرج لأشهر" لتنفيذ الانسحاب.

عموما، نحن إزاء مؤشرات متناقضة. بالتأكيد، فان النظام السوري في مسار انتصاري بمعايير موازين القوى. لكن هذا المسار لا يبدو مضمونا، ولا يبدو من السهل العودة ببساطة إلى ما قبل 2011، خاصة مع الجروح الطائفية العميقة، وكثافة الدماء، واهتزاز صورة النظام المستقر لدى ذهنية السوريين. لسنا بوضع مشابه للجزائر، حيث انقسمت سوريا إلى شطرين، وحيث انحسرت المعارضة في تنظيمات إرهابية، متشددة في المثال الجزائري، وحيث لم يكن الجيش (في الجزائر) منقسما وومهددا بولاءات أجنبية مختلفة. احتمال إعادة رتق الفتق السوري ليس قائما بعد، فلا يزال الأمر شديد الضبابية. ما قبل 2011 لن يكون البتة ممكنا في المستقبل.