قضايا وآراء

رؤية ودعوة للدكتور البرادعي

1300x600
السيسي لم يعد يتأثر بأي ضغوط أو عوامل داخلية، سواء كانت نابعة من غضب شعبي، كما الحال في تيران وصنافير، أو حتى من أفراد المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة، كما فعل مع الفريق عنان ومن قبله شفيق وقنصوة. وبالطبع لا يأبه بالشخصيات العامة من أمثال الدكتور أبو الفتوح، والمستشار الجليل جنينة! وأصبح كل ما يهتم به فقط هو العامل الخارجي، وكيفية إرضاء الدول ذات النفوذ والداعمة ماديا وعسكريا له. لذلك، ربما من الأفضل لنا جميعا، إدراك أن التغيير الآن (مع الأسف) أصبح مستحيلا أن يبدأ من الداخل، ولكن لا بد أن يُدفع به من المكان المؤثر لدى هذه المنظومة الفاجرة في حق الوطن، وربما التحرك من الخارج سيكون أكثر فاعلية الآن، من أي محاولات داخلية ثبت عدم جدواها.

ولكي ينجح التحرك الخارجي، لا بد أن تقوده شخصية ذات احترام وثقل دولي. وإذا كان السيسي قد نجح بالفعل في شيء، فهو أنه أعاد لنا روح يناير وتسامحها مع الآخر (عدا خونة وبائعي الأرض)! حتى إن الكثيرين من المعارضين لنظامه، ارتأوا في الفريق عنان (عسكري آخر) بديلا يرتضونه (وإن لم يعلنوا ذلك). بل أكاد أجزم بأن من هاجموه من المخلصين للثورة، كانوا يتمنون أن ينجح إن اكتمل ترشحه، لإدراكهم خطورة استمرار هذا النيرون على مستقبل الوطن!!

وإذا كان الدكتور البرادعي قد تراءى له يوما أن مصر تحتاج إلى جبهة إنقاذ، في وقت كان تقييم ذلك أقل بكثير من الخطر الذي نعانيه الآن، فمن واجبه الوطني حاليا، ولأنه الأقدر على التأثير في المنظومة الدولية، أن يقود حراكا خارجيا فعالا، ليس فقط من خلال تغريدات وطنية نثمنها، ولكن من خلال استراتيجية ومنظومة، أساسها مبادئ ثورة يناير المجيدة؛ تبدأ بإعلان عدم شرعيه نتائج هذه الانتخابات الهزلية أو الاعتراف بها، والتأكيد أن هذا النظام أصبح غير ممثل للإرادة الشعبية، وغير أمين على مقدرات هذا الوطن العظيم!

قد أتفهم أسباب عزوف الدكتور البرادعي عن المشهد السياسي الحالي، وأعلم أنه رجل ذو خلق رفيع، يحاول تجنب الهجوم غير الأخلاقي في أحيان كثيرة، وأنه ربما سيتعرض للكثير من التخوين، بل والسب من داخل معسكر الثورة قبل النظام، والمحاولات المعتادة لاجترار خطيئة مشاركته السيسي في بداية الانقلاب.. وهو حق، ولكن أحيانا يراد به باطل! فمازلت أراه وطنيا شريفا ومخلصا لمبادئ يناير، وإن اختلفت معه في 30 يونيو، في استدعائه الجيش لواجهة المشهد السياسي! وأصبح على الدكتور البرادعي مسؤولية تصحيح هذا المسار، الذي كان أحد اسباب وجوده، حتى وإن حسُنت نواياه آنذاك!

يا أبناء مصر العزيزة، الموقف جد خطير.. نحن أمام وطن تم التفريط في أرضه، وحاكم لم يعد يأبه إلا باستمراره في السلطه، ولو على جثة آخر مواطن مصري!! ربما يكون هذ الاقتراح، ليس على هوى الكثيرين، وسيُسمعنا آخرون قصائد ذم في شخصية الليبرالي، وكذلك الدكتور البرادعي، ولكن يبقى الواقع والحقيقة في أن السيسي هو الأخطر على هذا الوطن، وأن جميع الخطايا السابقة، بما فيها جرائم آل مبارك، لم تعد على قدر ما فعله وسيفعله هذا النيرون المصري!! إن قيادة قضية الوطن في الخارج؛ هي السبيل الوحيد الآن أمام انغلاق كل المنافذ السياسيه والسلمية في الداخل!

هذا ليس استقواء معيبا بالخارج، كما يفعل هذا النظام الفاشي، وإنما محاولة إيقاف نزيف وطن؛ أراد له محتله المحلي أن يعاني أكثر مما عاناه من محتله الأجنبي! وقد سبقنا في ذلك من قبل زعماء من أمثال سعد زغلول ورفاقه، ومن قبلهم وطنيون آخرون، في محاولة لتحرير الوطن من استعباد وذل وتنكيل لم يرق لما نعانيه اليوم!

لذلك، أناشد الدكتور البرادعي بكل تقدير وإخلاص، أن يتحمل مسؤوليته الوطنية والتاريخية تجاه هذا الوضع المؤلم، الذي كان هو (ولو عن غير قصد) أحد أسباب نشأته، وأن يعلن انحيازه للشعب والثورة مرة أخرى، ويتقدم الصفوف في الخارج قبل الداخل، دفاعا عن هذا الوطن الجريح، وهو يعلم جيدا أن وجوده في المشهد الدولي سيكون له أثر كبير، على الأقل في رفع بعض من الظلم عن الآلاف من المعتقلين والمنفيين من الأطياف السياسية كافة، ذلك العدد الأكبر الذي لم تشهده مصر في تاريخها الحديث، حتى أيام الاستعمار الأجنبي!

وأتمنى أن ينجح في توحيد المعارضه مرة أخرى تحت راية يناير، وفقط، في مناصرة قضية الثورة العادلة وتصحيح مسارها، بعودتها إلى قواها الأصلية المخلصة، وإلى الميادين مرة أخرى، فهو السبيل السلمي الوحيد المتبقي لإنقاذ الوطن فعليا من ضياع؛ للأسف بات محتوما، في ظل وجود هذا النظام القذافي المتهور!